الرئيسية مقالات

الذرة – مصدرٌ للطاقة أم للكارثة؟ حول الطاقة النووية في ظل النزاع مع إيران

الذرة – مصدرٌ للطاقة أم للكارثة؟ حول الطاقة النووية في ظل النزاع مع إيران

بقلم: البروفيسور محمد عكاشة

تعيد الحرب الحالية بين إيران وإسرائيل طرح القضية النووية إلى الواجهة من جديد، ليس فقط من منظور التهديد الأمني، بل أيضًا من زاوية مبدئية: ما هي الطاقة النووية؟ كيف تُصنع القنبلة الذرية؟ وهل تملك دولة مثل إيران القدرة على إنتاج واحدة؟

ما هي الطاقة؟ وما الذي يميز الطاقة النووية؟
تُعد الطاقة من المفاهيم الفيزيائية الصعبة التعريف، لكن يمكن الاكتفاء هنا بكونها كمية محفوظة تعبّر عن القدرة على أداء عمل – كتحريك الأشياء، أو تسخينها، أو إنارتها، أو إحداث تغييرات. وتظهر الطاقة بأشكال عديدة: ميكانيكية، حرارية، كهربائية، كيميائية، وحتى ضوئية.
الطاقة النووية تُعتبر من أقوى أشكال الطاقة في الطبيعة، وتنشأ من القوى التي تربط البروتونات والنيوترونات داخل نواة الذرة.
ومن المهم التمييز بين الطاقة الذرية، وهو مصطلح واسع يشمل جميع العمليات المرتبطة بالذرات بما في ذلك الإلكترونات، وبين الطاقة النووية التي تشير تحديدًا إلى العمليات داخل النواة – حيث يتم تحرير الطاقة الأكبر.

كيف نحصل على الطاقة من نواة الذرة؟
العملية الأكثر شيوعًا هي الانشطار النووي – حيث يصطدم نيوترون بنواة ذرة ثقيلة مثل اليورانيوم- 235، فتُقسم إلى نواتين أخف، مع إطلاق كمية كبيرة من الطاقة ونيوترونات إضافية. هذه النيوترونات قد تؤدي إلى انشطارات إضافية، وهكذا تتشكل سلسلة تفاعلات.
في المفاعلات النووية، تتم السيطرة على هذه التفاعلات، وتُستخدم الحرارة الناتجة لتبخير الماء وتشغيل التوربينات وتوليد الكهرباء. أما في القنابل النووية، فإن العملية تكون غير مسيطر عليها – مما يؤدي إلى انفجار هائل ومدمر.

ما هو تخصيب اليورانيوم ولماذا يُعتبر أمرًا حاسمًا؟
يتكوّن اليورانيوم الطبيعي في معظمه (~99.3%) من نظير يُسمى يورانيوم-238، وهو غير قابل بسهولة للانشطار. أما النظير الفعّال، يورانيوم-235، فلا يمثل سوى نسبة صغيرة (~0.7%).
تخصيب اليورانيوم هو عملية زيادة نسبة اليورانيوم-235 مقارنةً باليورانيوم-238. وعندما تصل نسبة التخصيب إلى حوالي 3%-5%، فإنها تكون مناسبة للاستخدامات المدنية – كتشغيل محطات الطاقة. أما عند نسب 20% فأكثر، يُصنف اليورانيوم كمخصّب بدرجة عالية، وإذا اقتربت النسبة من 90%، يمكن استخدامه في تصنيع قنبلة نووية.

كيف تعمل القنبلة الذرية؟
تعتمد القنبلة الذرية على جمع كتلة حرجة من اليورانيوم-235 (أو البلوتونيوم-239) – وهي الكمية التي تسمح بحدوث تفاعل متسلسل سريع وخارج عن السيطرة. الانفجار الناتج هو نتيجة تحرير طاقة نووية هائلة خلال جزء من الثانية.

هل تملك إيران القدرة على تصنيع قنبلة نووية؟
تمتلك إيران عددًا من المنشآت النووية المعروفة، من أبرزها:
•  أصفهان – مركز أبحاث وتحويل اليورانيوم إلى غاز ثم إلى وقود نووي.
•  نطنز – منشأة رئيسية لتخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي.
•  فوردو – منشأة تحت الأرض محصّنة، تُستخدم أيضًا لتخصيب اليورانيوم.
•  أراك – منشأة لإنتاج المياه الثقيلة، خُطط لها في وقتٍ ما لإنتاج البلوتونيوم.
•  بارتشين – يُعتقد أنها الموقع الرئيسي لتطوير الأسلحة النووية.
وبحسب التقديرات، فقد بلغ تخصيب إيران لليورانيوم نسبة 60%، وربما تملك كمية كافية لصنع قنبلة واحدة، لكن لا يُعرف ما إذا نجحت فعليًا في تصنيع رأس نووي قادر على العمل بالدقة المطلوبة.
في الواقع، الانتقال من المادة المخصّبة إلى سلاح نووي فعّال هو عملية معقدة جدًا من الناحية التقنية والهندسية واللوجستية.

خاتمة: نعمة أم نقمة؟
تُعد الطاقة النووية من أعظم الهدايا التي قدمها العلم للبشرية – فهي تتيح إنتاج كميات هائلة من الطاقة دون انبعاثات غازات دفيئة. وتستخدمها دول عديدة لأغراض البحث والعلاج وتوليد الكهرباء.
لكن، كما هو الحال مع اكتشاف النار، فإن كل شيء يعتمد على من يتحكم به. فالإمكانات التدميرية الهائلة حاضرة، خصوصًا في مناطق تعاني من اضطرابات سياسية. ولهذا بالذات، يجب أن نؤكد: ״لا شيء أخطر من علمٍ مفصول عن الأخلاق والمسؤولية״.
ليتنا نتمكن من النظر إلى الطاقة النووية كوسيلة للشفاء – لا للقتل؛ للبناء – لا للهدم. ليت العالم كله، بمن فيه القادة، يختار النور – لا سحابة الفطر.