ما زال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتمسك بورقة السيطرة الإسرائيلية على محور فالدلفي، كأحد بنود المفاوضات مع حركة حماس، وقد اثار ذلك حتى غضب الإسرائيليين قيادة الجيش وعائلات الرهائن الإسرائيليين والأمريكيين والمصريين على السواء، حيث أكدوا كلهم أن هذه الورقة، هي بمثابة ورقة رفض لأي صفقة، يمكن أن توقع بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، هذا وعارض أيضًا الطرف الأمريكي، تمسك نتنياهو بهذه الورقة التي ادعت إدارة البيت الأبيض، بانه احتل هذا المحور في الـ 25 من أيار 2024، بعد وقت طويل من عرض مبادرة بايدن المتعلقة بالصفقة، أي بعد الموافقة على مبادرة بايدن لعملية التبادل ووقف اطلاق النار، ويُعتبر هذا التمسك الإسرائيلي بمحور فالدلفي والإصرار على التواجد به، بمثابة ذر رماد في عيون الإدارة الامريكية الحالية الفاشلة، أما الإدارة المصرية التي لا تملك الكثير من الضغط على إسرائيل، وعلى الرغم من أنها تُسمّى بالوسيط، إلا انها لا تضغط على إسرائيل للامتثال بأبسط بنود اتفاقية كامب دافيد، التي وقعت في اذار 1979 ، وتعتبر مصر طرفًا مركزيًا واستراتيجيًا في هذه الاتفاقية، التي سُميت اتفاقية كامب ديفيد آنذاك، وتقضي بتواجد الجانب الفلسطيني على محور فيلاديلفيا على الحدود المصرية.
كما لا نرى في نفس الوقت أي سياسة جدية للنظام المصري باتجاه أثيوبيا الضعيفة، التي بنت سد النهضة وأوقفت عن مصر تدفق جزءا كبيرا من مياه النيل إليها، بل نراها تُرسل القوات إلى الصومال للمواجه الخلفية الضعيفة بعض الشيء، مع اثيوبيا، أما مع إسرائيل فعلى مدى الاحد عشر شهرا الأخيرة، لم نرها تتحرّك بجدية وثبات، وتحاول إيقاف القتل والمجازر ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين يعتبرون إخوة لهم بالدم والهُوية، واجمعت كافة الأطراف أيضًا، بعد تمسّك نتنياهو برفض قاطع للاستمرار في المفاوضات، ويحاول الطرف الأمريكي، حتى نهاية هذا الأسبوع، مع الوسطاء القطريين والمصريين، إيجاد بدائل لتمسك نتنياهو بهذا المحور وضمّه لإسرائيل، بدون ان يحاولوا بالضغط عليه وإجباره سياسيًا للتنازل عن هذه السيطرة غير الشرعية، التي تُعلن على الملاء، ضم مناطق فلسطينية لإسرائيل، هذا وسافر في مطلع الأسبوع ديدي بارنييع، إلى قطر لاقتراح يتضمّن انسحاب إسرائيلي من محور فالدلفي في المرحلة الثانية من المفوضات أي في المرحلة الثانية من تنفيذ عملية التبادل مع حركة حماس، لكنني أشك بان يقبل مثل هذا الاقتراح لرئيس الموساد من قبل حماس، ويقول الجنرال يائير جولان رئيس حزب الديموقراطيين، إن نتنياهو الذي أرسل رئيس الموساد إلى قطر مع هذا
الاقتراح يُعلن في نفس الوقت على الملأ، أنه يُريد التمسّك بمحور فيلاديلفيا، أي انه يلعب لعبة ازدواجية، يحاول فيها إرضاء حلفائه داخل الجهاز العسكري، ومن ناحية أخرى إرضاء حلفائه المتشدّدين والمتطرفين داخل الحكومة، أمثال بن غفير وقوتليم.
هذا ويهدف نتنياهو والقيادة الإسرائيلية أيضًا، للسيطرة على هذا المحور والسيطرة على ممرّ نتسرين، بإحكامهم للسيطرة الأمنية المُطلقة على قطاع غزة وزج مئات الاف من الغزيين في منطقة مُقلّصة بين نتسرين وخان يونس والمواصي، وإضعاف التواجد الفلسطيني في شمال غزة، وهي المنطقة القريبة من الحدود مع غلاف غزة، وبذلك يكون قد حقّق الترانسفير الداخلي، ووضع المئات من الآلاف من السكان الغزيين، في غيتوئات منفصلة وصغيرة، يسيطر عليها بحرًا، جوًا وبرًّا.
فمثلًا مِن منطقة المواصي وكرم أبو سالم خان يونس ومحيط فالدلفي، يمكن السيطرة البرية والبحرية في آن واحد هناك، تمامًا كالسيطرة البرية، بالقرب من مخيمات اللاجئين في شمال غزة كحي الزيتون والشيخ رضوان ومخيم جباليا القريب من الحدود الإسرائيلية البرية، ويبدو واضحًا للعيان أن إسرائيل تعيد نفس الكرّة ولا تتعلّم مِن أغلاطها مباشرة، بعد الانسحاب الاسرائيلي مِن طرف واحد بقيادة اريئيل شارون عام 2003 حيث انسحبت ان ذاك من هذه الممرات وابقيت السيطرة على القطاع من كافة النواحي، لكنها أبقت السيطرة على المعابر البحرية والبرية والجوية، ومنعت في نفس الوقت إقامة مطار وميناء وسيطرت على معابر اليابسة واصبح الاستيراد والتصدير لكافة بضائع غزة عبر ميناء اشدود وليس ميناء غزة، ويمكن القول إن هذا الحصار وحسب الكثير من المُحلّلين، هو الذي إلى ما حدث في السابع من أكتوبر، فبدلًا مِن أن تتوصل إسرائيل، إلى اتفاق سلمي مع الطرف الفلسطيني، فإنها تستمر في سياسة الردع والضغط والسيطرة والطوق، ووضع الملايين من السكان مِن دون أي أمل بالتحرر.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل التي وقّعت على اتفاقية وقف اطلاق النار الأولى في العاشر من نوفمبر عام 2023 لم تُحقّق حتى الان، أي إنجاز عسكري بعد عشرة أشهر من هذا الحرب، سوى تدمير كامل للبنية التحتية وقتل العشرات من الآلاف من السكان الفلسطينيين، في قطاع غزة في عمليات عسكرية جوّية متواصلة، استهدفت كافة المنشآت المُتحرّكة وغير المتحركة هناك، ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، وهو في الواقع طريق مسدود، يُمكن أن يؤدي إلى استمرار هذه الحرب إلى عشرات السنين، ،ما إسرائيل الضعيفة والمُحاطة بالأعداء، فليس باستطاعتها أن تستمر في هذا الواقع عشرات السنين، وعليها إيجاد الحلول للخروج من ورطتها هذه، كما يقول العديد من محلّليها وإعلامييها.
فعلى صعيد الجهاز العسكري، فانه يرى أن السيطرة على محيط فالدلفي، هو بمثابة إفشال أي تسوية ممكنة مع الطرف الآخر، تمكن الجيش من الخروج بانتظام من القطاع، لأن هذا الجيش يُريد التوقيع على اتفاقية مُنظمة، ويريد الخروج مع الحفاظ على هبيته، إذا كان ذلك باتفاقية او بدون اتفاقية، وليس كما يريد نتنياهو في نهاية الامر، ان يُطرد هربًا من غزة بدون تحقيق أهدافه، ويقول بعض محلّلي الشؤون العربية والمخابرات، امثال يوحانان سوريف، إنه يمكن لإسرائيل أن تقرّر الخروج فجأة من القطاع، بدون أن تُعلم أحدًا بذلك، وهذا الامر يكفي لإضفاء الهدوء على كافة جبهات القتال المختلفة في البنان و الضفة الغربية واليمن والعراق.
أما آخرين فيقولون إنه لا حاجة للسيطرة على محيط فالدلفي الضيق ،لأن ذلك يمكّن قوى المقاومة من اصطياد الجنود الإسرائيليين هناك كالإوز، بحيث تستطيع تلك القوى تدمير أي تواجد عسكري هناك على هذا المحور، ومِن الأفضل لإسرائيل والسرعة الممكنة، الانسحاب من محور فلادلفي وممرر نتسرين وكافة مناطق غزة أيضًا، لأن تواجد الجيش الإسرائيلي هناك، سوف يُكلّفها الكثير، على صعيد الخسائر في الأرواح والعتاد، ومِن هُنا يأتي تأييد هذا الجهاز العسكري للإعلان عن الانسحاب السريع من غزة، على عكس ما يُريده نتنياهو، وأمام هذا الواقع العسكري الذي يمكن القول إنه انهزامي، وبأن إسرائيل لن تُحقّق اهدافها على مدى أحد عشر شهرًا يأتي نتانياهو ويرفض ويقول إنه يريد الاستمرار في السيطرة على محور فالدلفي، ولا يفكّر أبدًا في الانسحاب، كي يعطي الانطباع بأنه حقّق الأهداف التي وضعها أمام اعينه عندما فتح نار على الغزيين في منتصف أكتوبر.