إنّ التعلم هو تلك العملية التفاعلية التبادلية بين المتعلم والمعلم ونظام التعليم ومناهجه وطرائقه واساليبه بحيث يؤثر على نجاح الطالب وعلى قدراته في اتقان التعلم والتقدم فيه.
وعلى هذا يعتبر التعليم احد ركائز الاقتصاد المعرفي الذي هو من الاحتياجات الأساسية للإنتاجية والتنافسية الاقتصادية، حيث يتعين على الحكومات أن توفر اليد العاملة الماهرة والإبداعية رأس المال البشري القادر على إدماج التكنولوجيات الحديثة في العمل، وتنامي الحاجة إلى دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فضلا عن المهارات الإبداعية في المناهج التعليمية وبرامج التعلم مدى الحياة.
ولقد أحدث مفهوم اقتصاد المعرفة تحولاً في الأسس التنافسية للأنشطة الاقتصادية على مستوى المؤسسات والأفراد، الأمر الذي يستلزم تبني أفكار جديدة والقيام بإعادة الهندسة للعديد من الأنشطة والأعمال استجابة لمتطلبات اقتصاد المعرفة، والتكيف مع البيئة الجديدة، وينبغي أن تأخذ هذه الاستجابة بعين الاعتبارالتعزيز المستمر للتعلم واكتساب المعرفة عبر أساليب وعمليات حديثة وتطوير نظم المعلومات خاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات والمعرفة من خلال تشجيع ودعم الابتكار والإبداع و الاهتمام بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات و العمل على خلق وتطوير رأس المال البشري بنوعية عالية، وعلى الدولة خلق المناخ المناسب للمعرفة وتحقيق التنسيق والترابط بين المعرفة وتكنولوجيا المعرفة و تغيير آليات العمل لتتلاءم مع البيئة الاقتصادية الجديدة وتغيير المهارات والمؤهلات المطلوبة للعمل وتطوير كفاءات وقدرات الموارد البشرية بما ينسجم مع التطورات التكنولوجية المتسارعة والتركيز على إدارة المعرفة وتفعيل آلياتها.
ان تاهيل المعلمين اعدادهم وتدريبهم وتجهيزهم للعملية التعليمية هو ضرورة تربوية وتطوريه في الاستفادة من الثورة المعلوماتية والتكنولوجية للقيام بالدور الجديد بكفاءة وفاعلية حتى يحقق مستويات عالية لمهارات الاقتصاد المعرفي التي تكسبه القدرة المؤثرة على تحقيق التعليم المستمر من منظور تكامليي, بالاضافة الى القدرة على تقييم التعليم بما يتوافق والتغيرات المتسارعة في العملية التربوية. وهذا بدوره ينعكس على كل من المعلم والمتعلم وصولا الى تحقيق التربية الابداعية والوصول الى التربية فيما وراء المعرفة مما يؤثر على مستوى المتعلم والخبرات المعرفية التي يكتسبها من عملية التعلم فيكتسب المهارات الضرورية لاستيعاب الثورة التكنولوجية.
ان النظام التربوي العالمي يعيش في حالة من التطور والتكيف مع المتغيرات التكنولوجية والمعرفية المتسارعة.
ان الركيزة الاساسية للمعلم الحديث تتبلور في درجة تمثله لمهارات الاقتصاد المعرفي والتي تمكنه من القيام بدوره الجديد في العملية التعليمية بكفاءة وفاعلية متجهزا بكل القدرات الضرورية لاستيعاب الثورة المعلوماتية والتكنولوجية والاساليب التربوية الحديثة في العملية التعليمية. من هنا نستطيع الانطلاق الى الرؤية المعاصرة لاعداد المعلم في ضوء اقتصاد المعرفة حيث ان اعداده وتنميته مهنيا في ضوء ما يشهده العالم من تطور متزايد ومتنام في الاتجاهات العلمية في الاقتصاد المعرفي والتعرف على الاتجاهات المعاصرة في مجال برامج اعداد المعلم في هذا الاقتصاد والذي يعتبر ضرورة واضحة في هذا العالم الحديث.
يعرف اعداد المعلم في ضوء الاقتصاد المعرفي بانه عملية اكساب المعلم مفاهيم ومعارف ومهارات لتهيئته للتعامل مع البيئة التعليمية بطرق تربويه حديثة وخبرات تمكنه من تحقيق الاهداف المنشودة. اما اقتصاد المعرفة فهو يدور حول الحصول على المعرفة والمشاركة فيها واستخدامها وتوظيفها والمساهمة في ابتكارها وانتاجها بهدف تحسين نوعية الحياة بجميع مجالاتها من خلال الاستفادة من خدمة التطبيقات التكنولوجية المتطورة واستخدام العقل البشري كراس مال معرفي ثمين. اما مهارات الاقتصاد المعرفي فهي تلك المهارات الخاصة لتطور التعليم نحو الاقتصاد المعرفي والمتمثلة في خمسة مجالات رئيسية وهي: المعلم, المتعلم, استراتيجيات التدريس, تكنولوجيا المعلومات واستراتيجيات التقويم ( الخالدي, 2013).
ان اقتصاد المعرفة يعتمد على راس المال البشري والموارد البشرية وهو يعتمد ايضا على تنمية القدرة على التعلم واكتساب المعرفة وتوظيفها وانتاجها وتبادلها اعتمادا على البحث والاكتشاف والابتكار واكتشاف قدرات الفرد ورعايتها وتعظيمها وتمكين الفرد وتحمل مسؤوليتها وتنمية القدرات العقلية والابداعية دعما للتفوق والتمييز والانجاز ودعم الفرد وتمكينه من توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتعزيز القدرة على المشاركة والعمل في فريق والتعايش معا ودعم القدرة على الفهم والمتعمق والتفكير الناقد والتحليل والاستنباط والربط وتعزيز القدرة على الحوار الايجابي والنقاش الهادف وتقبل اراء الاخرين واحداث التغيير والتطوير (الزركاني, 2013).
ويقوم هذا الاقتصاد على وجود بيانات يتم تطويرها إلى معلومات، ومن ثمة إلى معرفة وحكمة في اختيار الأنسب من بين الخيارات الواسعة التي يتيحها اقتصاد المعرفة، للتأكيد على جوانب مختلفة لاقتصاد المعرفة منها مجتمع المعلومات والاقتصاد، والاقتصاد الرقمي، وشبكة الاقتصاد الجديد أو اقتصاد المعرفة وثورة المعلومات.( Peter Drucker)
و لو أردنا تقديم تعريف مختصر لاقتصاد المعرفة لأمكننا القول بأنه ذلك الاقتصاد الذي يشكل فيه إنتاج المعرفة وتوزيعها واستخدامها، وهي المحرك الرئيس لعملية النمو المستدام ولخلق الثروة وفرص التوظيف في كل المجالات. إنه يقوم على أساس إنتاج المعرفة (أي خلقها) واختراعها واستخدام ثمارها وإنجازاتها، بحيث تشكل هذه المعرفة اساسا لثروة المجتمع ورفاهيته.
"ان الاقتصاد العالمي مبني على المعرفة وسرعة توليدها ونشرها واستثمارها وزيادة البيئة التنافسية العالمية بالاعتماد على المعرفة والابتكار في تراكم الثروة وتحرير التجارة وتزايد نسبة التكنولوجيا في الصادرات بالاضافة الى عولمة الانتاج وزيادة دور التعليم والتدريب". (النعيمات, 2009).
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يتم تمكين المعلم في ضوء اقتصاد المعرفة وزيادة دور التعليم والتدريب؟
ان تدرب المعلمين وتدريبهم على المهارات والمعارف في التواصل الفعال والتفاعل مع الاخرين والتعاون والمساهمة في حل المشكلات وصنع القرارات ومعرفته الواضحة حول احداث التغيير في النظم التعليمية وتسلحه بالخبرات والمعلوماتحول قضايا تكافؤ الفرص والمساواة ومعرفة مهارات تكوين الفريق وتعزيز التعليم والعمل التعاوني, بالاضافة الى القدرة على تقييم درجة فاعلية الجهد التعاوني واستخدام استراتيجيات حل النزاع لمعالجة ما قد ينشا من خلافات اثناء العمل والمشاركة في تطوير القاعدة المعلوماتية المتعلقة بالطلبة. (عماد الدين, 2010).
وهنا يمكننا تسليط الضوء على استراتيجيات التدريس التي هي اساس التغيير المرتبط بالمهارات الحياتية والتي تتجسد في:-
اولا: استراتيجية التعلم التعاوني
ثانيا: استراتيجية فرق الالعاب والمباريات الطلابية المدرسية
ثالثا: استراتيجية المجموعات الطلابية وفقا لاقسام التحصيل (تقسيم الطلاب لمجموعات وفقا لمستويات التحصيل).
رابعا: استراتيجية الاستقصاء الجماعي
خامسا: استراتيجية ( مهمة تفكير فردية, مهمة تفكير ثنائية, مشاركة وعرض الافكار والاستنتاجات).
سادسا: استراتيجية دوائر التعلم
سابعا: التعليم بالاقران
ان دور معلم القرن الحادي والعشرين يكمن في دعم اقتصاد المعرفة من خلال تحقيق التعلم الفعال باقصى مشاركه للطلاب وتنويع اساليب التعلم الذي يتوافق وحاجاتهم مراعيا الفروق الفردية بينهم واستخدام تطبيقات تربط ما يتعلمه الطلبة بحياتهم العملية والبناء عليها مستقبلا. وبالاضافة الى التعليم حسب مستويات المعرفة والفهم والتطبيق والتحليل والتركيب والتقويم وذلك يتم من خلال توفير اجواء صفية تعتمد على الانشطه والمناقشة والمشاركة بالافكار والابداعات واستخدام تقنيات الحاسوب التكنولوجية التي تساعد على ادراك المفهوم الجديد وتعزيز التعليم من خلال البحث والاكتشاف والعمل وهذا كله حسب استراتيجيات العمل والتعليم التعاوني الجماعي الذي يشجع الطلبة على التعلم بالتعاون والمشاركة بكل ايجابية وتعاون. (الزهراني, 2012).
وفي دراسات مختلفة تبين ان معلم القرن الحادي والعشرين يمكنه تحديد المهارات وهي: مهارة ادارة فن عملية التعليم وتنمية المهارات العليا للتفكير وادارة قدرات الطلاب والمهارات الحياتية والادارة التكنولوجية, بالاضافة الى مهارة دعم الاقتصاد المعرفي وادارة منظومة التقويم.
اننا نعيش في العصر الحديث الذي لديه ملامحه وسماته الخاصة التي تميزه والتي تحدده فمن مميزات هذا العصر هو الثورة المعرفية والكمية الهائلة من المعلومات والمعرفة حتى تحول الاقتصاد من اقتصاد تقليدي الى اقتصاد مبني على المعرفة ولذلك سمي هذا العصر بعصر اقتصاد المعرفة. ومما زاد من مبررات التحول إلى الاقتصاد المعرفي وزيادة أهميتها هو النمو السريع للمعرفة، وظهور فروع علمية جديدة واتساع مجالات البحث والتطور، إضافة إلى التطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم حاليا في مختلف المجالات العلمية والتقنية.
أن المعرفة أصبحت تشكل واقعا اساسيا من الموارد الاقتصادية له خصوصيته، بل أصبحت المورد الاستراتيجي الجديد في الحياة الاقتصادية، وتبرز معالم الأهمية القصوى لهذا الموجود من حقيقتين رئيستين مفادهما : أن التراكم المعرفي الإنساني الذي يحتاج الى معلم مرشد ودليل يعرف كيف يطور ويوجه الطالب لتناول هذه المعارف والاستفادة منها في الامور الحياتية المختلفة مما يؤثر ايجابا على مستوى الحياة والعمل والانتاج والتطور الاقتصادي. فهذا المعلم الحديث الذي يدعم طلابه لزيادة المعرفة والابداع والاكتشاف والتفكير المتفتح والمبادر للعمل التعاوني الجماعي الذي يصل بهم الى التطور الفعلي في هذه الحياة العصرية في ضوء اقتصاد المعرفة في القرن الحادي والعشرين.
ان المهارات والإمكانات التي نتجت عن هذا التعليم والمعارف الحديثه المؤثرة في الاساليب والاستراتيجيات والتي قد أسفرت عن تحقيق الاهداف التي أفلحت في تطويع تلك المعارف والمهارات بغرض زيادة مستويات العمل والإنتاج، فبتفعيل المعارف المتراكمة، وتجديدها و تحديثها باستمرار و وضع النظم الفعالة ً وتنميتها، وبناء الامكانات للاستفادة منها، استطاعت أمم أن تتفوق على أمم أخرى تقدما وتجددا. وكذلك نرى التطور الهائل والسريع في تقنيات المعلومات ونظم الاتصالات وتطبيقاتها، وتفعيلها للتعامل مع المعرفة بيسر وسهولة وسرعة لانتشار المعرفة، فقد فتحت هذه التقنيات أبوابا ً للجميع وادت إلى المزيد من التقدم والازدهار في العلم والعمل وعملت على التواصل بشكل كبير مع الدول المتقدمة الأخرى، وتطوير إمكاناتها ومكانتها على حد سواء. وفي نفس السياق، فإن الاهتمام بالتقدم والتنمية في عصرنا هذا يحتم ضرورة تفعيل المعارف لبناء إمكانات متجددة على الدوام، وتعميق الاستفادة من تقنيات المعلومات والاتصالات على أكمل وجه ممكن، وصولاً للاقتصاد المعرفي وإلى بناء يُحقق التنمية الاقتصادية المنشودة، بوسائل جديدة تخفض من الاعتماد على الموارد ُ القابلة للنضوب، وتضمن مستقبلاً قابلاً للاستدامة.
* الباحثة: لمى حسين مشعل - رسالة الدكتوراه "المعرفة الاقتصادية في عصر العولمة" - جامعة مولدوفا
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com