الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 14 / نوفمبر 04:01

البُعد الاقتصاديّ لأَموالِ الزَّكاة/ د. سامي ميعاري

كل العرب
نُشر: 11/07/13 11:20,  حُتلن: 07:46

د. سامي ميعاري في مقاله:

الزكاة ليست مجرد مال يُدفَعُ للفقراء بلا رقيب أو حسيب تُؤدّى به الفريضة ويتحقّق به الأجر والثواب بل هي مسألة أعمق من ذلك

جمع أموال الزكاة وتوزيعها لا يتم على أسس مدروسة ولا يقوم على بناء محكم ولذا لا نشعر بأثر عميق لها على الحالة الاقتصادية لمجتمعنا

الزكاة حاضرة بقوة في المشهد الإنساني بالدرجة الأُولى وهي على علاقة وثيقة بالجانب الاجتماعي لأنها تُوَجَّهُ نحو تحسين وضع الطبقات الاجتماعية الضعيفة اقتصاديّاً

الخطأ أُطالب بإنشاء لجنة زكاة واحدة موحدة في البلاد لها إدارة وفروع تقوم على جمع البيانات الدقيقة والمعطيات الصحيحة عن المحتاجين وتعمل على الإرشاد القيّم لكيفية التوزيع

للزكاة حضور مُكثّف في القرآن الكريم وفما سبق الإسلام من ديانات سماوية، وتقترن الزكاة بالصلاة في القرآن في معظم المواضع دلالة على أنها ركن من أركان الإسلام وتحظى بأهمية قصوى. وقد ذكر القرآن على لسان السيد المسيح عيسى – عليه السلام – أن الزكاة كانت جزءاً من الرسالة المسيحية، لقوله تعالى على لسان المسيح:" وأصاني بالصلاة والزكاة ما دمتُ حياً". سورة مريم. الآية رقم31.

الأجر والثواب
ولا شك في أنّ الزكاة ليست مجرد مال يُدفَعُ للفقراء بلا رقيب أو حسيب، تُؤدّى به الفريضة ويتحقّق به الأجر والثواب، بل هي مسألة أعمق من ذلك، فقد تنبني عليها رفاهية مجتمع، ودعامة بنيتها التحتية، كما أن له أبعاداً نفسية تُسهم في الدافعية نحو العمل والإنتاج والارتقاء وهذا كله يصب في النمو الاقتصادي.

الأبعاد الاجتماعية
الزكاة حاضرة بقوة في المشهد الإنساني بالدرجة الأُولى وهي على علاقة وثيقة بالجانب الاجتماعي لأنها تُوَجَّهُ نحو تحسين وضع الطبقات الاجتماعية الضعيفة اقتصاديّاً، ونحو التخفيف من أعباء الأفراد والأسر ذوي الدخل المتدني أو المنعدم. كما أن للزكاة مصارف أخرى كتخفيف أعباء المدينين الذين يحددهم الفقهاء، ودفع تكاليف أجور القائمين على جمعها وتوزيعها وهذا مؤداه إثراء الحالة الاقتصادية لكثير من الناس. ولأن الاتجاهات الإنسانية متداخلة فلا بد من الإشارة إلى الأبعاد الاجتماعية لأموال الزكاة كمقدمة للغوص في العمق الاقتصادي لها.

هاوية العنف
فقد أثبتت الدراسات أن تخليص شريحة معينة من العيش تحت مستوى خط الفقر له دور في إنقاذها من السقوط في هاوية العنف وتشغيلها في إطار التنمية والإنتاج. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف العظيمة جعل الإسلام الزكاة سنوية لكي تتمكن المجتمعات من التخطيط الموجه الهادف المبني على خطة زمانية لأن الجدول الزمني من أهم مقومات نجاح الخطط ولها دور بالتالي في توجيه المنظومة الإنتاجية في داخل مجتمع ما. أما في مضمار الاقتصاد فأموال الزكاة تحظى بدور مميز شريطة أن يسهم فيها جميع من تجب عليهم الزكاة وهذه الشروط موجودة في تراث الفقهاء الذي ليس من شأننا تقريره، وشريطة أن توزع بشكل مدروس وليس عشوائياً وعفوياً وهذا ما سأتي عليه في الفقرات التالية من هذا المقال.

الدائرة الإنتاجية
فعندما يتوفر دخل للفقير الذي لا يملك القدرة الشرائية فإن هذا يزيد من استهلاك الفرد مما يتعكس أثره على زيادة الإنتاجية في داخل مجتمع ما وزيادة الإنتاج تؤدي إلى زيادة عدد العمال الذين يشتركون في هذه المنظومة الاقتصادية فيزداد دخل العمال وإجمالي هذا التقاطع سيؤدي إلى زيادة الإنتاج مرة أخرى وهكذا دواليك... فالفكرة هنا مفادها أن لأموال الزكاة دور في حفز المجتمع نحو الدائرة الإنتاجية ..فقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة عندما قال: " الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* أولئك هم المؤمنون حقاً * لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم".الآيتان من 3-4 من سورة الأنفال فإنفاق الصدقات وفي طليعتها الزكاة يُحقّق الرّزق الكريم لكل من أسهم في إقامة هذا الفرض على أحسن وجه وأكمل صورة. ومن المؤكد أنه ينعكس أثره على المجتمع كله اقتصاديّاً، نظراً للروابط القوية بين المتبادلين للمنفعة الاقتصادية.

المجتمع الإسرائيلي
في المجتمعات الأجنبية وكذلك نلحظ في المجتمع الإسرائيلي اقتباس لفكرة الزكاة ولكن بغلاف غير ديني فليس من قبيل الصدفة أن تجد لديهم مكاتب تسعى لتوفير الحد الأدنى لشريحة ضعيفة اقتصادياً في المجتمع، وهذه المكاتب تنتمي لوزارات أو مؤسسات في الدولة أو في القطاع الأهلي. حيث مخصصات البطالة والشيخوخة واستكمال الدخل، وهذه الأنواع من المخصصات ليست ذات بُعد إنساني واجتماعي فقط بل هي ذات مغزى اقتصادي لأن زيادة دخل هذه الشرائح يؤدي إلى إنتاجية...وعملية الإنتاج هي نهضة اقتصادية ونمو اقتصادي... ولها تبعات أخرى على تطور المجتمع من حيث بنيته التحتية وسلوكه.

الحالة الاقتصادية لمجتمعنا
ولكن الملاحظ في الوسط العربي وفي الفترة الأخيرة بالذات أن جمع أموال الزكاة وتوزيعها لا يتم على أسس مدروسة ولا يقوم على بناء محكم ولذا لا نشعر بأثر عميق لها على الحالة الاقتصادية لمجتمعنا. غالباً ما تكون الحركة الإسلامية ولجانها هي المتصرف الأبرز بأموال الزكاة كما أن هناك لجاناً من خارج الحركة الإسلامية تقوم بالدور نفسه ومن حيث المبدأ ليس لدي اعتراض أو انتقاد لفكرة قيام الحركة الإسلامية أو غيرها بهذا الدور فالمشكلة ليست فيمن يقوم بالمهمة لكن تركيزي قائم على مناشدتهم باتباع المهنية والدقة والتخطيط العميق لهذا الدور الكبير.

إنشاء لجنة زكاة واحدة موحدة
فالمراقب لعمل لجان الزكاة يحصي سلبيات أكثر من الإيجابيات خاصة عند عملية توزيع المال فهو كما أشرنا عمل ما زال يفتقر إلى المنهجية بحيث تحصل بعض العائلات على حصة غير متساوية مع حاجتها أكثر أو أقل كما قد لا تصل هذه الأموال إلى كثير ممن يحتاجون إليها وهذا ليس عن سوء نية في الموزعين بل كما ذكرنا هو ناتج عن سوء في إدارة الموضوع. ومن أجل تفادي مثل هذا الخطأ أُطالب بإنشاء لجنة زكاة واحدة موحدة في البلاد، لها إدارة وفروع تقوم على جمع البيانات الدقيقة والمعطيات الصحيحة عن المحتاجين وتعمل على الإرشاد القيّم لكيفية التوزيع، كما أتمنى أن تشارك في هذه اللجنة أطراف سياسية متعددة وهذا ليس من باب التخوين أو الانتقاص بل من باب العمل المشترك المثمر الواعي الناجح.

العمل الأصح والأنجح
وتقوم هذه اللجنة الموحدة بالتنسيق مع أقسام الرفاه الاجتماعي لتحقيق أعلى مستوى من الأداء. فهذا هو العمل الأصح والأنجح والأكثر فاعلية في المجتمع. فلا يعقل أن يظل عمل لجان الزكاة بدون رقابة، والرقابة هنا إيجابية ليست من باب التضييق لكن من باب توسيع دائرة الفائدة ومردودها لأن الموضوع هام وحسّاس ودقيق.

مهنية اقتصادية عالية
تجب أن يتم توزيعها بمهنية اقتصادية عالية. حيث يتسع النظر إلى ما هو أبعد من السنة الحالية لأن أموال الزكاة يجب توظيفها في مشروعات تعود بفائدة دورية واستراتيجية على الشرائح التي تستهدفها أموال الزكاة بالدرجة الأولى، فتخصص أجزاء من أموال الزكاة في إنشاء مصانع وبنى تحتية ومشاغل خياطة ورياض أطفال ومشاريع ذات جدوى اقتصادية أخرى تحقق الأمن المعيشي لهم فتصبح بذلك صدقة جارية بمعنى أن فضلها على الآخرين متجدد وثوابها كذلك متجدد لدافع الزكاة والقائمين عليها.

المرأة العربية

ولعل مثل هذه المشاريع تسد النقص الذي قد يحدثه نقص أموال الزكاة في سنوات لاحقة وتأتي بأموال جديدة غير الأموال التي تجمع نقداً بالطريقة التقليدية ونلفت إلى أن مثل هذه المشاريع تحقق تمكيناً للمرأة العربية التي تحتاج لمثل هذا التمكين في المجتمع. في الخلاصة: لا ننتقص من دور أحد ولا نشكك في نية أحد لكن الحياة تستوجب تطوير أدواتنا وتقوية أدائنا لكي ينتفع بأموال الزكاة أكبر قدر ممكن من الشرائح الضعيفة وهي في النهاية عمل خالص لوجه الله تعالى.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.