زهير إبن عياد في مقاله:
قبل اسبوعين أو يزيد مر القانون وبالقراءة الاولى في الكنيست بأغلبية ضئيلة لكنها كافية للمضي قدما في تنفيذه وضامنة لفرض منتجاته القاسية
رغبة الدولة أن يحيا الناس كما تريد لا كما هم يريدون وتؤسس بذلك لمجتمع يتراكم به فقر على فقر وتهميش على تهميش وتبعية عمياء فوق تبعية وضع يتعذر معه حتى التطلع الى تاريخنا الاصلاني والإنتشاء به
يأتي هذا القانون لإستنزاف بداوة النقباويين العرب وتمسكهم بالارض لإقتلاعهم منها وتأطيرهم في أنماط لا تلائمهم البتة أطر بمثابة بؤر تشبه الى حد بعيد الضواحي التي يقطنها المهاجرون الافارقة في باريس وهولندا إن لم تكن اسوأ حالا
لم تكن الحكومة اليمينية جدية في تطوير البدو بهذه الدرجة التي يتخيلها مغفلو التيار لأنها لو صفت لها النية حول ذلك لما طرزت بندا في سياق القانون يقول إن تسوية الاسكان ستتم بالمقابل لمعالجة طلبات الملكية
قانون برافر - بيغن سيء الصيت ، الذي يتعرض بواسطته بدو النقب لنسف تاريخي أصلاني لا مثيل له ولا سابقة ، هو قانون تعجرفي يهدف لما يسوغ له بتنظيم استيطان البدو في النقب ، الذين توارثوا بلادهم وأرضهم كابرا عن كابر ، وكانت قيمتهم كبدو ومكانتهم هي من مكانهم الذي هم فيه ، قبل اسبوعين أو يزيد مر هذا القانون وبالقراءة الاولى في الكنيست بأغلبية ضئيلة ، لكنها كافية للمضي قدما في تنفيذه وضامنة لفرض منتجاته القاسية تهجيرا وإقتلاعا ، أغلبية أرادت تقويض مجتمع حي ذو قيم وهمم وحصره في أقل بقعة متاحة وتحصيلنا كخلاصة هامشية سيجري إعتبارهم كغزاه ومهاجرين إستولوا على بلاد النقب يوما.
يضعنا القانون - كبدو - قبالة الأمر المقضي ، فتتسارع الأحداث بهول درامي وسط تخاذل وقلة مبالاة من البدو أنفسهم ، هؤلاء الذين يراد بهم أن يبقوا أثرا بعد عين وحكاية بعد خبر كما أسلفنا ، بحجة مبتذلة تدعى " التطوير " ، فإستئناف إجراءات برافر - بيغن وشرعنته لهو تحد لوجود وأصلانية عرب النقب البدو واستنزاف بداوتهم وأنماطهم دون أدنى مراعاة لظرف تكوينهم وواقعهم وتاريخهم ، فيراد لنا مما يراد ببيروقراطية فظة القضاء على كينونتنا وكياننا وكوننا أي بإختصار ( قبر البدو ) ، والخطير في ذلك من جملة أخطار أمرين :
- القانون سيكون ( بمشاركة واسعة من قبل البدو وبمؤامة تامة معهم ومع ممثليهم ) بدورنا نتساءل من يكون هؤلاء ، وهل هم صنائع للتسويق العالمي أم خلاف ذلك؟!
- دعاوي التسوية على الارض وحق الملكية المقدمة بين سنوات 1971 , 1979 .
مصيدة
وللنقطة الأخيرة تاريخيا، أفادني أحدهم أن جل البدو قاموا يومها بتقديم طلب من هذا النوع وما زالت المحاكم تؤخر وتؤجل نطق العدالة الى ساعتك هذه ، وما يتمحص من ذلك بالمحصلة أن تلك مصيدة واضحة صريحة نصبها المتنفذون آنذاك ، غدا البدو رغم حقهم التاريخي هم المطالبون بتقديم الاثباتات على الملكية وليس الدولة ، ولو تم رفض ذلك من قبل البدو آنئذ لاجبرت الدولة هي على فعل ذلك وتقديم الأدلة. أما مرواغات اليوم فهي ذات الانانية القديمة، ذلك من خلال الضغط على كل هش للتنازل عن الارض وتنظيم استيطانه والاستقرار في قسائم بناء وخلق وضع شاذ مغاير لما عايشناه وبالتالي سهولة تطويعنا وتأطيرنا بما يتلاءم مع وضع سياسي قادم يستقرأه كل ثاقب بصيرة من خلال اسقاطات تاريخية معينة ...
فقر على فقر
لا شك عندنا البتة ، في أن رغبة الدولة أن يحيا الناس كما تريد - لا كما هم يريدون - وتؤسس بذلك لمجتمع يتراكم به فقر على فقر وتهميش على تهميش وتبعية عمياء فوق تبعية ، وضع يتعذر معه حتى التطلع الى تاريخنا الاصلاني والإنتشاء به ، وسيجري صنوا لذلك محاربتنا ديموغرافيا تعليميا تثقيفيا تاريخيا قوميا اقتصاديا ، بأقل حيز وبأقل جهد. عودا على عقب ، برافر هذا بإعوجاج بسيط يذكرنا بالبرابر الجرمان ، واستباحتهم لأوربا وإغراقها بواقع تعيس جرجرها الى القرون الوسطى ، فتاهوا تيههم ومضى سؤددهم ، ومع أن المقاربة تاريخيا هنا لا تتفق بأي حال من الأحوال ، إلا أننا نعاين ومضات سيئة لذلك خاصة بين ملاك الأرض - المارد النائم - فرغم ما يكاد لهم فغطاءهم التدثر بالحياد ، انعكس ذاك على قلة فهمهم وإدراكهم لتبعات الأمر وبالتالي إجتهادا ضعيف متواضع سيهز ويجز من تمكينهم في الأرض ، فانعدم لذلك عندهم أي حراك نشط ، والمصيبة إصرار البعض من عوائق النهضة والطفرات على تخلف البدو وأنهم عديمي القوى العقلية الفكرية وأنهم اشد كفرا ، فجاءهم برافر والكل يغني على ليلاه : جاءكم ما هو أشد فتكا وأدوم بقاءا فلا طاقة لكم به ، حتى كلت العزائم ووهنت.
نقاط مستعجلة
وهنا نفتح قوسا واسعا لنجمل نقاط مستعجلة حول مشروع القانون العنصري المزمع ، الذي طفق انصاره بالحشد له سنوات وسنوات ، نصب البدو فيها كفزاعة يهارق عليها كل ذي مطمع ومطمح ، فصور بدو النقب في الاوساط اليمنية على انهم غزاة متخلفون استولوا على الارض بطرق غير شرعية ، كل ذلك وزيادة دفع اليمنيين لاستصدار بتوجيهات نتنياهو قانون عنصري اعجف اول ثغراته أنه سن ضد فئة وأقلية إثنية يتم التعامل معها بكامل الندية ،أستدرك هي نقاط تخص القانون أجملتها عن المحللين والمفكرين ، خاصة د. ثابت ابو راس الذي بين تضاريس المشهد بحنكة وجلد ، وشخصيا لست فقيها قانونيا ، ولكن الكتاب من عنوانه ، فقانون برافر - بيغن وصمة وبصمة عار على جبين واحة الديمقراطية في الشرق الاوسط ، باستهدافة العنصري لفئة معينة من مواطني الدولة تتمتع كأقلية اصلانية بثقافة وتاريخ عريق ، فيعتبرها القنانون كأقلية عشوائية هامشية مصطنعة بحاجة الى تنظيم ومسك زمام ، يأتي هذا القانون بلا مرية لإستنزاف بداوة النقباويين العرب وتمسكهم بالارض لاقتلاعهم منها ، وتأطيرهم في أنماط لا تلائمهم البتة ، اطر بمثابة بؤر تشبه الى حد بعيد الضواحي التي يقطنها المهاجرون الافارقة في باريس وهولندا ان لم تكن اسوأ حالا ، يزعم بيغن كما ربيبه نتنياهو المسؤول عن تطبيق القانون انهم يريدون ان يطوروا هذه القرى بتجميعها لتستوعب كل البدو وبالتالي خدمتهم بقوة ، اقتصاديا وتعليميا بتوفير البنى التحتية "يا للسخرية "، هذه الاستحالة او بالاحرى الكذبة لم تعد تنطوي على اسماع بدو النقب ، وهم كبدو في القرى يرفضون اسلوب عيشة المدن واقعا وفكرا وجغرافيا ، خاصة ومع بئس الواقع الراهن لتلك المدن ، من السذاجة -والتي آمن بها البعض - النظر لتلك الخطة وكأنها حسن نية تجاه بدو النقب يراد لهم بها عصرنة وتقدم وإنجازات ، فهذه المفردات لا تعدو كونها ديكور معين فارغ المضامين ، وإلا ما كان قوام القانون ترحيل عشرات القرى بما فيها من عشرات الآف السكان وإلتهام مئات الآف الدونمات ، ومن دلائل عنصرية القانون واقصاءه المتعمد لعرب النقب انه كما يقول د. ثابت "سيمنح رئيس -سلطة توطين البدو- صلاحيات تفوق صلاحيات قاضٍ في المحكمة، مما يعني عدم القدرة على الاستئناف عليه ، بل ولن يحتاج هدم البيوت اوامر هدم اذ ستكون رقابنا تحت سياط رحمة موظف - سلطة اراضي البدو -، ولن تستطيع المحاكم ابطال او تأخير هذه القرارات، وكل هذه انتهاكات علنية لابسط الحقوق الديمقراطية التي تكفلها الشرائع الدولية".
عيوب القانون
من الطبيعي - والحال كذلك - لم تكن الحكومة اليمينية جدية في تطوير البدو بهذه الدرجة التي يتخيلها مغفلو التيار ، لأنها لو صفت لها النية حول ذلك لما طرزت بندا في سياق القانون يقول إن تسوية الاسكان ستتم بالمقابل لمعالجة طلبات الملكية ، وطلبات الملكية ستعالج فقط لمن يدعي الملكية بعد 1979 ، في حين أن أقاصي مطلبنا هي الاعتراف بوجود وواقع لـ45 قرية يشهد على ذلك تاريخها وامتدادها وهيكلها، وتحاجج الدولة بأنها لا تستطيع الاعتراف بهذا الكم ، وفي تناقض صارخ تعترف مسبقا من خلال قانون النبيذ بـ100 مزرعة فردية في النقب علاوة على المزارع القائمة. ومن عيوب القانون ايضا كما يفصل د. ثابت ابو راس هي اعطاء رئيس الحكومة نتنياهو مساحة واسعة من الصلاحيات في هذا المجال يحق له من خلالها التحكم بكل العملية ، ذلك بأن تنطيم الاسكان ومناطق التعويض وتعريف من هو البدوي كل ذلك منوطا باشارات نتنياهو نفسة ويستطيع ابطال تعليمات لا تروق له ، وهو المسؤول عن تعيينات لجة التعويضات المزعم انشاءها ، ويستطيع إخفاء معلومات عن الجمهور وأولي القضية ".
حكم عسكري في النقب
كما ويستشف من القانون ايضا بأنه يعتبر البدو كمهاجرين بحاجة الى توطين ، قبل أن يتحولوا الى خطر ديموغرافي بيئي. لم اجد اجمالا سريعا وسيرورة لما ذكر آنفا ، احسن من قول الاستاذ د. ثابت ابو راس عبر فيه عما يجري " رئيس الحكومة بينيامين تتنياهو نصب نفسه حاكما عسكريا بدون الاعلان عن حكم عسكري في النقب". هذا القانون الذي يعد بدأب وعجلة ، وتولت كبره حكومة يمينية بأقصى اليمين يرد عليه سكان القرى غير المعترف بها بلسان حال تجد ترجمته في صبرهم وتحملهم ومعاناتهم ورفضهم لتلك الخطط ، فيقولون بلا استثناء ، جميعهم بلسانا واحد : نحن سكان القرى غير المعترف بها ، القاطنون في برائك الصفح لن نكرر اخطاءا سابقة ، وسنصعد وجودنا السلمي الرافض لزحزحتنا قيد انملة ، انها وقعة تاريخية ستدونها الايام ، وقعة على كل من يملك ذرة إنسانية ان يتجند لها ذودا عن حرمة صحرائنا المعطاء ،وإلا تغريبة كتغريبة بني هلال وسليم لن يسع ابن خلدون القادم المام جوانبها لفداحة المصيبة وتفاقم دويها ، واجب استنفار الأمم والهيئات ورجال اليسار واستنهاض هممهم ضد هذا القانون ومحاربة تجاهل بدو النقب محليا وعالميا قدر الامكان ..
طمس الجيل الفادم
هذا من وجه اما الوجه الآخر ونحن بذات الصدد فقضية هدم البيوت واحتدام ذلك ، فعلى ضوء شرعنة عشرات المزارع في أصقاع النقب وفتح وسائل التمدد والرفاهية لها ، يتعرض النقباويون كأصلانيين الى جريمة وحشية بربرية بعيدة كل البعد عن أخلاقيات الديمقراطية وصون حقوق الاقليات ،لا أصعب من ألا تجد الأمن والأمان في بيتك ، هذا الأمان الذي سلب ويسلب من بدو النقب بوسائل ضغط ولي ذراع وترهيب لثني عزيمته واصراره في الثبات والتمسك بجذوره في الأرض ، إن هذه السياسة والتي لفظاظتها وقسوتها أنكرتها حتى الامم المتحدة ، لتهدف الى تضييق الخناق على الاجيال الصاعدة ومقدمة لطمس جيل بدوي قادم ودثر قيمته وما يتصل بذلك. هذه الأموال التي تستثمر في جهاز وهيكل الهدم لو بيتت النية السليمة لتم إستثمارها في حلول طيبة أريحية تجاه البدو تعود عليهم بالنفع والامكانيات ، وكما عالجت الدولة قضية ملايين القادمين الجدد من روسيا واوربا الشرقية تعجز أو تترفع عن حل قضية مئة الف بدوي أو يزيد!!
جهرا ودون حياء سياسي سن قانون مليء بالثغرات ، ينكره كل ذي خلق وكرم، فالامم المتحدة اتهمت الحكومة بالتهجير القسري للبدو ، وحذرت كذلك من مخاطر التهجير القسري لافتة الى تبعات سلبية تتضمن تدهور اساليب معيشتهم ونمطهم وفقدان تواصلهم القبلي ، وفي معرض الحديث هناك قانون دولي ينص على حظر الترحيل القسري للمواطنين بصرف النظر عن الدافع أو الوسيلة او الغاية ..
إستنزاف قانوني
القراء الاعزاء : هو النقب المعدن العربي ، والصنف الصحراوي والعنفوان الأزلي ، فهذا هو واقع العرب البدو في تلك البلاد الذين ذهبت بهمومهم عوراء الفوضى فلم يحظوا بقدر ، عالميا ومحليا وأقليميا ، يتعرضون لإستنزاف قانوني - بين مزدوجين - يهدف لتصفير النقب وإفراغه من أهله طوليا وعرضيا ، وهذا يتم بنحو شرعي علنا بمراسيم قانونية خاصة ، على احرار العالم والعالم الحر والامم المتحدة والمنظمات الحقوقية والعدالة العالمية والجامعة العربية واليساريون والحقوقيون في البلاد التحرك وتدارك امرا فظا غليظا له تبعات ، وأي تبعات !
النقب
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net