بداية وقبل كل شيء, نتوكل عليه تعالى ونحمده على كل أمر, دون أن نشير إلى زيادة أو نقصان في إيماننا به عز وجل. لقد أبدع العلي القدير هذا الكون الجميل المتكامل مع توازن طبيعي لجميع الأمور فيه, من أصغر جسم وحتى أكبره, أبدع الكائنات من بشر وحيوان ونبات, وأبدع المحيطات من ماء واليابسة من جماد, صخر وتراب, وأبدع السماء والفضاء من هواء, وكأن بي الريح يسري فوق وتحت هذه الإبداعات كلها ليحمل ما يحمله من مكان لآخر, لم يبقي للإنسان إلا نظرية واحدة في كل مسارات حياته وهي: نظرية النشوء والارتقاء، التطور شريطة أن لا يؤذي هذا التطور التوازن الطبيعي في خلق الكون وإبداعه على يد المولى القدير.
خارطة تحدد انتشار فايروس كورونا في الصين
نحن نؤمن أن كل ما يتحرك بإذنه تعالى الواحد الأحد فقط، وليست هذه الأمور من خلال دين معين وإنما من خلال تأمل عميق لهذا الكون البديع, يعجز الفكر البشري على فهم عظمة هذا الكون بكل ما فيه من عوامل ومؤثرات بين ثابتة ومتغيرة، ومتحولة من شكل لآخر لكن هذه المؤثرات لا تنتهي ولا تزول وتبقى بأشكال متحولة وخصوصيات تحافظ على ذاتها وفي النهاية تحافظ على التوازن الكوني، تعالوا نتذكر سنوات المجاعة في دولة الصين العظيمة بين السنوات 1958 - 1961 حيث قرر الزعيم الصيني الراحل, ماوتسي تونغ, في نهاية عام 1958 تنفيذ مشروع "الخطة أو( القفزة) الكبرى إلى الأمام". وتميّزت تلك الخطوة بممارسة قمع بربري وعنف دموي, ذهب ضحيتهما 36 مليون صيني. ومتابعة للأحداث كثيراً ما قرأنا عن مجاعة الصين الكبرى في العام 1961 ولكن الكثير منا لم يلتفت نحو السبب الرئيسي وراء تلك المجاعة القاسية, التي راح ضحيتها ملايين من بني البشر الذين ماتوا جوعاً بالإضافة إلى الأعداد التي ماتت بأعقاء القمع والعنف الدموي, ففي عام 1958 أمر الزعيم الصيني ,ماو تسي تونغ, شعبه بقتل جميع أنواع, طيور الدوري, لأنها تأكل المحاصيل وتقلل من الإنتاج الزراعي الصيني, وكان الفلاحون يقتلون عشرات الآلاف من طيور الدوري, وكان من يقتل أكبر عدد منها يتلقى جوائز ومكافآت, ويعامل معاملة الأبطال الوطنيون, وبسبب قتل هذه الأعداد الهائلة من الطيور وخاصة, طيور الدوري, انتشر لاحقاً الجراد الذي كانت تأكله طيور الدوري بشكل مأساوي في جميع أنحاء البلاد قاضيًا على المحاصيل الزراعية, تاركاً ورائه أرضاً خراب لا تصلح لشيء, وكانت هذه أحد الأسباب الرئيسية لمجاعة الصين الكبرى في العام 1961 والتي تسببت بوفاة 15 مليون إنسانًا بالجوع, إضافة للذين ماتو من العنف الدموي والقمع لمطالبتهم كمواطنين بدعم حكومة, ماوتسي تونغ, وهنا نقول سبحان الله تعالى, من أبدع في خلقه, فكل كائن على وجه الأرض مهما كانت أضراره إلا أنه خلق من أجل منفعة للبشر. في حينه تضررت المحاصيل الزراعية الأرز فشكا المواطنين من كثرة العصافير، فما كان من, ماوتسي تونغ, إلا أن أعلن عن جوائز محفزة للأشخاص الذين يصطادون تلك العصافير فاختل التوازن الطبيعي وأتت الديدان والجراد على جميع المحاصيل في الصين وقضت عليها تماماً, واليوم يأتي الشعب ذاته وبسبب طرق تغذيته على حيوانات يشمئز منها كل إنسان وهذه الحيوانات من فصائل مختلفة، كالخفاش والأفاعي والعقارب, والصراصير والفئران والجرذان والحشرات وغيرها . . . وبعض تلك الحيوانات يحمل فايروسات خطيرة تسيء لبني البشر بشكل مباشر, وابتلانا الله تعالى بفايروس كورونا ودخل العالم بأسره في حالة هلع وخوف من هذا الفايروس والذي سرعان ما يتحول إلى وباء معدي وقاتل, هذا ما انتشر حتى الآن ولربما نلتقي في القريب العاجل بفايروسات أخرى وسموم قاتلة كانت تحملها تلك الحيوانات التي يتغذى أبناء الشعب الصيني وغيره في دول جنوب شرق أسيا, عليها بكل شهية, طبعاً جميع الديانات السماوية حرمت على الإنسان أكل تلك الحيوانات, وفي دولة الصين العظيمة لا يوجد هناك أي ذكر لديانة سماوية, ترشد الشعب لما أنزله الله تعالى عز وجل, على عبيده, في كتبه السماوية التي هي الطريق لعبادته تعالى – كل على دينه والأرض للجميع, بالرغم من أن المبادئ التي يعيشون بموجبها في الصين, مبادئ بوذا, لم تحميهم من هذه الأوبئة المعدية القاتلة, يا للعجب يأكلون ما يريدون ويرجون ويتوقعون أن لا يساء إليهم أو لغيرهم من شعوب وأمم أهل الأرض, بعد التمتع بأكل هذه الحيوانات والحشرات, المحرم أكلها من ناحية دينية, تنتقل من هذه الحيوانات الفايروسات التي تحملها للإنسان, وبات من المستحيل أن نتوقع عدم تأثير هذه الفايروسات على الإنسان, لأن جسم الإنسان مبني بشكل مختلف تماماً عن
المعبد البوذي المقدس في مدينة ووهان
أجسام الحيوانات التي يتغذى عليها, وخاصةً في قدرته وطاقة ومدى تحمله للفايروسات التي تعيش في أجساد الحيوانات والبهائم, بشكل طبيعي, دون أن تتسبب لها بأي أذى, جسم الإنسان يحمل جهاز مناعة قوي جداً ليحميه من بعض الأمراض في تقلبات الطقس بين حرارة ورطوبة, جفاف ومطر, على كل ربوع الأرض, وهذا الجهاز سرعان ما ينهار وتتدهور صحة الإنسان إذا ما نالته العدوى من أمراض وأوبئة قاتلة يكون مصدرها الحيوان الذي تعيش على الأرض بجانب الإنسان أو في مياه المحيطات والبحار والأنهار.
عالمنا اليوم أشبه بسفينة كبيرة، أو قارب صغير, أكثر من أي وقت مضى, ونحن بني البشر ركاب هذه السفينة, أو هذا القارب الصغير, وعلى الجميع أن يعلم أن عالمنا في خطر, قبالة الكون الواسع المليء بالمجرات والنجوم والكواكب, كل ما يقوم به شعب ما على هذه الأرض, يؤثر على باقي الشعوب والأمم, حتى بتنا نخاف أكل الميتة والجيف كما حرم الله تعالى أكلها, وليس من حقنا أن نقوم بأي عمل يضر بهذه السفينة التي تقلنا في مشوار حياة الشعوب والأمم, والتي هي ملك للجميع, باستطاعتنا نحن بني البشر أن نقودها بتصرفاتنا كأمم وشعوب إما نحو الدمار والخراب والزوال وإما نحو الإعمار والتطور والتقدم والبقاء, بإذنه تعالى, عن طريق المحافظة على سلوك نظرية النشوء والارتقاء دون ما أن نسيء لأي كان من بني جنسنا, نحن بني البشر لسنا بأحرار لنفعل كل ما نريد وما نشاء,
التغذي على الخفاش كوجبة فاخرة (الخفاش يحمل فايروس كورونا)
فهناك على هذه الأرض, شركاء فعليين لنا في كل خطوة نقوم بها, نحبهم أو لا نحبهم, يحبوننا أو لا يحبون, يتعاملون معنا كأعداء أم هم من أصدقاء, هذا لا يهم أحد, لأن خطواتنا غير المدروسة تسيء وتضر بمجموعات بشرية كبيرة وصغيرة, ومجتمعات دولية, وتكبدها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات وربما تقضي عليها تماماً دون قصد وفي النهاية هذه الأضرار الجسيمة الناتجة عن أعمالنا كبني البشر, تضر بنا بعد أن تضر بباقي المجتمعات والدول في كل أقطار الأرض, وقد عُرضت أفلام سينمائية منذ عشرات السنين في دور العرض وعلى المحطات الفضائية, تشير لنهاية العالم وتضع البشرية جمعاء على خط النهاية, ليأتي البطل المنتظر ويخلصها من المأزق الحرج ويكون فضله على البشرية كبير جداً, ولاحظت في بعض الأفلام أن أحد الكواكب من المجرة الشمسية يرسل لكوكب الأرض محاربين ليكتشفوا ويحتلوا كوكبنا, أو تخرج مجموعة من القردة عن السيطرة من مركز أبحاث معين, في أحد حدائق الحيوان وتتصرف كمجموعة وشعب يهاجم الجنس البشري في كل شيء ويكاد يُقضى على البشرية تماماً, وشاهدت فيلماً يصور خروج فايروس قاتل عن السيطرة في أحد مراكز الأبحاث وسرعان ما يتحول لوباء معدي يكاد يقضي على الجنس البشري على هذه الأرض, وفجأة وبعد محاولات كثيرة يكتشف بطل الفيلم الدواء المناسب لهذا الوباء القاتل ويخلص الجنس البشري من مصيبة تكاد تقضي عليه, هذه الأفلام ما هي إلا توقعات لما قد يحصل لعالمنا المتواجد في خطر مستمر, قبيل دماره, واليوم وضعنا مشابه جداً لمثل أحداث هذه الأفلام التي يتحدث عن فايروس قاتل يغزو ويهاجم الجنس البشري ولولا حكمة الله تعالى لما صمدت البشرية التي مرت بحروب ضارية قاسية منذ القدم, ويعود الإنسان لمفاهيمه النابعة من الخوف المطلق لضعفه وقلة حيلته في مثل هذه الحالات, فيقول: لله عز وجل, في خلقه شئون, ولولا رحمته تعالى ورأفته بنا لأبيد الجنس البشري من هذا الوجود.
وجبة فاخرة من صغار الفئران الحية (هناك شريط مصور)
نحن كمجتمعات بشرية لسنا بأحرار بالتغذي على ما نريد من حيوانات وحشرات, وقطعان وكائنات حية او نباتات فالتغذية على حيوانات ونباتات معينة قد تتسبب لنا كبشر بأمراض وأوبئة كثيرة, وفايروسات خبيثة ليس لها أي علاج, أو أن العلاجات تستمر لفترة زمنية طويلة ولا نعرف نهايتها ومن الممكن أن لا نستطع السيطرة عليها وقد تودي هذه الفايروسات بحياة الكثيرين من دون أن نعرف السبب لذلك, كما هو الحال في فيروس كورونا الذي ينتشر كوباء في أماكن كثيرة من مجتمعات أهل الأرض.
خلال الأسابيع الثلاثة الماضية لقي نحبهم الآلاف من مواطني دولة الصين العظيمة, وخاصة في مدينة ووهان, وهي عاصمة مقاطعة هوبي وتعد أكبر مدينة فيها والأكثر اكتظاظا بالسكان في وسط الصين, وأعلنت الصين أن العدوى من الفيروس انتشرت في 34 ألف حالة, وهذا الأمر بحد ذاته خطير جداً, فقد ضاعفت العدوى نفسها بعشرات المرات, في صفوف أبناء الجنس البشري, في دول كثيرة وما زالت مستمرة, فبهذه العدوى والتي جاءت من التغذي على الحيوانات والحشرات وخاصة الخفافيش، تؤدي لانتشار الفيروس كوباء معدي في جميع أقطار الأرض, وهذا الوباء قد يتسبب بوفاة الملايين من أبناء بني البشر في عالمنا إن لم تجد البشرية بكل مفكريها وخبرائها وباحثيها, دواء مناسباً للقضاء على هذا الفيروس, والذي يسميه البعض الفايروس الخبيث, وقد أكدت مراكز أبحاث عالمية كثيرة أن هذا الفايروس, والذي لا يرى بالعين المجردة, منغلق على نفسه ولا يمكن لأي دواء تفجير غلافه الخارجي الذي يحميه من أي مضاد له, وهذا بحد ذاته يؤكد أن لا دخل للإنسان في صناعة هذا الفايروس والعلاقة الوحيدة لبني البشر والفايروس, هي عملية نقل الفايروس من إنسان لآخر, مما يساعد في نشر الفايروس كوباء قاتل, وقد توقع أحد الخبراء أن أعداد المتوفين من فايروس كورونا ستصل إلى عشرات الملايين, في حالة عدم تنفيذ والتزام بني البشر في الأوامر والتعليمات التي تعطى لهم على يد وزارات الصحة في الدول المختلفة, ومنظمة الصحة العالمية في هيئة الأمم المتحدة, وأهم هذه التعليمات الحجر المنزلي, وعدم التجمعات, والابتعاد عن المناطق الموبوءة بعد الخضوع لفحوصات دقيقة بعدم حمل الفايروس, والمحافظة على نظافة الجسد, وتعقيم الأيدي بعد الخروج من البيت لأغراض هامة, كشراء حاجيات ومواد غذائية وأدوية, هذا ويعود السبب المباشر لكل هذا الهلع في صفوف المجتمعات الدولية البشرية, أن فايروس كورونا بات مرض قاتل ووباء معدي بسرعة, ويتسبب بموت من يصاب به وخاصة من هم متقدمين في السن, والسبب المباشر لهذا الوباء المعدي, يعود للتغذية غير السليمة على يد شعب يكاد يأكل كل شيء يتحرك على الأرض وتحتها من دون أن يحسب أي حساب للضرر الجسيم الذي يسببه للبشرية جمعاء, والله تعالى حلل لنا الحلال الذي بارك فيه وهو يكفي لكل الجنس البشري لسنوات طوال, وكان أجدر لسكان الصين أن يتعلموا من الغرب والشرق الأوسط والدول الراقية كيفية التغذية السليمة التي لا تضر ولا تسيء لأحد ولا تتسبب بأوبئة تكاد تقضي على البشرية, إلى جانب الأضرار المادية التي تسببت بها لجميع دول العالم من دون استثناء, فقد توقفت الطائرات, وشُلت حركة المطارات الجوية والموانئ البحرية, وتعطلت كل الشركات وأماكن العمل, وأغلقت كل المصانع, وأقفلت الحوانيت على جميع أنواعها أبوابها لعدم السماح للناس بالتجول خارجاً كي لا يطالهم الوباء بعدوى تؤذي أسرهم, وأهم من كل ذلك بكثير, أغلقت وأقفلت دور العبادة في وجه المصلين وتفرق الناس, من دروز ومسلمين ويهود ومسيحيين, ومن لا يؤمن بالكتب السماوية أيضاً, وهم وحدهم أهل الصين السبب في كل هذه الأضرار الجسيمة, ويجب أن يحاسبوا بعد انتهاء هذا الوباء وزواله بإذنه تعالى, على شل حركة العالم بأسره, وما تسببوا به للبشرية جمعاء.
التغذي على ديدان وحشرات
أنتهز بمقالتي هذه فرصة لا تعوض, للوقوف وقفة احترام وإجلال وإكبار, للتقدم بأسمى آيات الشكر والعرفان والامتنان, للأطباء والممرضات والشرطة وجميع القياديين في العالم, من ملوك ورؤساء دول وطوائف, ومؤسسات ومنظمة الصحة العالمية, وهيئة الأمم المتحدة, والمتطوعين في عمل مجاني, ولجميع الخبراء والباحثين في تجارب لإيجاد دواء ضد فايروس كورونا, والصحفيين ووكالات الأنباء الذين نقلوا إلينا أخبار العالم, على عملهم الدؤوب ونشاطهم في محاربة هذا الوباء الخطير الذي يكاد يقضي على الإنسانية جمعاء, فالتقاعس وتسليم الأمور للغيب واليأس والاستسلام, لا يجديان نفعاً, وأخيراً أطلب من الباري تعالى عز وجل, الرحمة والرأفة بنا, وبجميع شعوب وأمم الأرض, وأن يسعفنا ويرحمنا برحمته وعينه التي لا تنام ويبعد عنا جميعاً هذا الوباء, هذا البلاء, عليه توكلت وبه استعنت, إنه لسميع مجيب.
واقبلوا فائق تقديرنا واحترامنا.
الشاعر رافع خيري حلبي
دالية الكرمل – إسرائيل
معاً وسوياً لنبني مجتمعاً حضارياً متجدداً أفضل . . .