اعود اليوم، مرة اخرى، للكتابة عن القائد الشاعر الوطني توفيق زياد، احياء لذكراه، اثر رحيله المفجع في حادث سير مروع وقع له قبل سبعة وعشرين عامًا، لقد اودى ذلك الحادث المؤسي بحياة زياد وهو في ذروة عطائه وقمة تألقه. اما سبب عودتي هذه للكتابة، بعد يوم واحد فقط مما كتبته عنه، فانه يعود لسببين، احدهما سيتبينه الاخوة القراء خلال قراءتهم هذا الكلام، او بعده، والآخر ان زياد واحد من اكثر الشخصيات لمعانًا في سماء الناصرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم، فهو الشخص الوحيد الذي اطلق اسمه، خلال الانفعال الاسطوري برحيله، على شارع في الناصرة، اضافة إلى قرية تعليمية كاملة ومؤسسة ذات تأثير.
لقد كان تشييع زياد من بيت الصداقة في الناصرة بعد مصرعه في حادث السير انف الذكر بتاريخ 5/7/1994، واحدا من اكبر التشييعات التي شهدتها المدينة، ان لم يكن اهمها كما ذكرت امام صديق، فصوب ما قلته قائلا ان هناك تشييعات كبيرة جدًا ايضًا شهدتها الناصرة منها تشييع المرحومين فؤاد خوري وعبد العزيز الزعبي. أيا كان الامر، اقول انني ساهمت في ذلك التشييع، وكنت اقف قريبًا جدًا من الصديق الراحل القائد الكاتب الصحفي صليبا خميس، وما زلت اتذكر همسه لآخرين احاطوا به، مرفقًا اياه بابتسامة ذات عمق.. بما مفاده انه لو كان زياد يعرف اهميته هذه لدى جماهير مودعيه. لعاش عشرَ وربما عشرين سنة اخرى اضافية.
لا اخفي انني فكرت يومها بما قاله صليبا.. وتساءلت ألم يكن زياد يعرف موقعه لدى جماهيرنا جيدًا؟ ام ان انفعالاتنا الآنية عادة ما تغلب علينا، فلا يعرف احدنا قيمة الآخر إلا بعد رحيله الابدي، كما ذكر الشاعر الراحل محمود درويش في كتابة له عندما كتب.. يريدونني ميتًا.
يقينًا ان زياد ادرك منذ بداياته الاولى انه شخص مرغوب به لدى ابناء مدينته وابناء شعبه عامة، الا انه على ما بدا من كلمات صليبا عنه، ومن ممارساتنا الهوجاء الانفعالية ايضًا، لم يكن يعرف مدى معزة ابناء بلدته وشعبه عامة له. والسؤال الذي يلح الآن هو.. لماذا لا نعرف قيمة احبائنا الا بعد رحيلهم؟.. وهل يفترض أن يموت الشخص المبدع في بلادنا.. حتى يعيش؟ إنني اطرح هذا السؤال وفي خاطري وذاكرتي العديد من الشخصيات الرائعة التي افنت عمرها في خدمة بلدتنا الناصرة، ولم يطلق اسمها لا على شارع ولا على قرية تعليمية.
اي بلدة مجنونة هذه.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com