شلت الأيدي الّتي تمتد لقطف رأس حرية التعبير وحرية المعارضة المشروعة/ علي هيبي

علي هيبي
نُشر: 01/01 12:52,  حُتلن: 12:55

نستطيع نعت يوم الخميس الفائت بالخميس الأسود! ففي فجر ذلك اليوم ارتكبت أيادي الظّلام جريمة قتل بكلّ المعايير الوحشيّة ضدّ النّاشط السّياسيّ والمرشّح للمجلس الوطنيّ الفلسطينيّ "نزار بنات"، ووفقًا لما رواه أفراد من أسرته، كان نائمًا ملء جفونه، آمنًا بين أفراد أسرته، حالمًا بغد مشرق وعزيز، اقْتُحم منزله في ساعات الفجر الأولى في مدينة "الخليل" من حوالي 25 عسكريًّا من جهاز الأمن الوقائيّ الفلسطينيّ ورجال المخابرات الفلسطينيّة، من ذوي التّنسيق الأمنيّ مع الاحتلال الإسرائيليّ وضربوه ضربًا مبرحًا وقاتلًا، واقتادوه وكأنّه إرهابيّ مطارد إلى مكان مجهول قبل الإعلان عن موته. لقد مرّت ساعة واحدة فقط بين اعتقاله ووفاته، وبكل صلف سلطويّ رسميّ صرّح "البكري" محافظ الخليل عن وفاته بالسّكتة القلبيّة! فيا لهذا العار! وقد صرّح الطّبيب الّذي أشرف على تشريح الجثّة أنّه تعرّض للضّرب المبرح في جميع أنحاء جسمه ممّا أدّى إلى نزيف في الرّئتيْن ومن ثمّ الاختناق والموت.

ويذكر أنّ النّاشط "بنات" مارس حقّه الأساسيّ والطّبيعيّ والإنسانيّ في التّعبير عن رأيه وموقفه كونه من معارضي سياسة السّلطة الفلسطينيّة، وقد كان منتقدًا صريحًا للفساد المستشري داخل مؤسّسات السّلطة. وقد اعتقل قبل هذه الأخيرة عدّة مرّات، وعبّر لأحد أصدقائه بملاحقة أذرعة السّلطة له ولغيره من الصّحفيّين والنّاشطين المدافعين عن حقوق الإنسان، وهي سياسة غدت السّلطة الفلسطينيّة تمارسها بشكل مدروس ومنظّم لقمع المعارضة وسحقها.

وتشير بعض الجهات إلى أنّ السّلطة الفلسطينيّة والحكومة متورّطة بهذه الجريمة النّكراء، لأنّ رجال أمنها ومخابراتها هم الّذين اقتحموا منزل الرّاحل "بنات"، واعتدوا عليه وقتلوه، وفيما لو ثبت ذلك فإنّ المجرم ليس العسكريّين الّذي نفّذوا فقط بل هي الجهة السّياسيّة الّتي خطّطت للاغتيال وأرسلت العسكريّين للتّنفيذ. وعد رئيس الحكومة "اشتيّة" بمعاقبة المسؤولين عن الجريمة، وكأنّه طرف محايد ونزيه وذلك لامتصاص النّقمة الّتي عمّت في أوساط الشّعب الفلسطينيّ والرّأي العامّ، وأمر "اشتيّة" بإقامة لجنة تحقيق من رجال السّلطة بلا جهات خارجيّة محايدة أو حقوقيّة دوليّة، ولم يقبل أحد الدّخول في عضويّتها، واستقال من كان فيها، لأنّ نتيجة هكذا لجان تحقيق معروفة سلفًا. لا ننتظر من المشكلة أن تحلّ المشكلة، فالحكومة الفلسطينيّة هي المشكلة وهي الجريمة ومسبّبها والمخطّط لها ومنفّذها، بغضّ النّظر عن العسكريّ أو رجل الأمن المأمور بالتّنفيذ.

وبالرّغم من أنّ السّلطة أو الحكومة الفلسطينيّة أعلنت عن إقامة لجنة تحقيق – ماتت في مهدها – في الحادث المروّع والوحشيّ فإنّ ذلك لا يبرّؤها من الجريمة، وإذا كان لا بدّ من محاسبة ومعاقبة حقيقيّة فلا بدّ من استقالة هذه الحكومة الّتي عمل العسكريّون ورجال المخابرات بتوجيه منها، ولا تكفي الاستقالة يجب محاكمة المسؤولين على كلّ قطرة دم سالت من "بنات" وعلى كلّ زفرة ألم من أولاده وأسرته، إنّني أنظر بخطورة إلى هذه الجريمة بغضّ النّظر عن مقترفيها الفعليّين، وأرى أنّ أيادي الاحتلال الإسرائيليّ المجرم تقف من ورائها، لأنّ هذا الاحتلال الغاشم له باع طويل في ارتكاب المجازر والجرائم بحقّ أبناء شعبنا الفلسطينيّ، ومن المؤسف أن تتحوّل سلطة تدّعي أنّها وطنيّة لشعب مقهور ومحتلّ إلى سلطة تقمع شعبها ولا تحترم حقوقه الأساسيّة وحرّيّاته الطّبيعيّة في حرّيّة الرّأي والتّعبير والنّقد والمعارضة وتعمل كالاحتلال تمامًا. ونرى أنّها ضربة قاصمة في صميم حرّيّة التّعبير هزّت الضّمير الوطنيّ والإنسانيّ، ولعلّها أشدّ خطورة وشراسة من جريمة اغتيال الإعلامي السّعوديّ "جمال خاشقجي" على يد رؤوس النّظام السّعوديّ الظّلاميّ، كون الشّعب الفلسطيني يقبع تحت الاحتلال منذ عقود طالت، وهو ليس بحاجة إلى أدوات قمع وتنكيل أخرى. كما أنّنا نطالب بإجراء تحقيق موضوعيّ ونزيه وشفّاف ومحايد للكشف عن المجرمين الحقيقيّين ومحاسبتهم على ما اقترفت أفكارهم السّوداء وأياديهم الملطّخة بعار أبديّ. تلك الرّؤوس الّتي خطّطت وتلك الأيادي الّتي نفّذت حتّى لو كانت فلسطينيّة ما هي إلّا رؤوس وأيادٍ تأتمر بأمر الاحتلال وتجعل من نفسها امتدادًا قمعيًّا له. فشلّت تلك الرّؤوس وتلك الأيادي. كي تعيش حرّيّة الكلمة وحرّيّة التّعبير كحقّ إنساني أساسيّ على الشّعب الفلسطينيّ بنخبه وهيئاته ومؤسّساته وأحزابه وحركاته وجماهيره الشّعبيّة أن يكون متربّصًا ويقظًا لكلّ محاولات النّيل منه ومن حقوقه وحرّيّته وحياته الكريمة الّتي لا مساومة عليها مع الاحتلال الإسرائيليّ ولا مع السّلطة الفلسطينيّة أو مع أيّ جهة خارجيّة أو داخليّة تمسّ بحقوق شعبنا في كلّ أماكن تواجده. هذا الشّعب الّذي سطّر بتلاحمه قبل عدّة أسابيع فقط مجابهة المستوطنين الهمجيّين في "القدس" وَ "الشيخ جرّاح" وواجه العدوان البربريّ الصّهيونيّ على "غزّة" وتصدّى للانفلات اليمينيّ والسّلطويّ في حملته المكثّفة باعتقال شبابنا العربيّ الفلسطينيّ في مدننا وقرانا في الدّاخل. هذا الشّعب يستحقّ الحياة الكريمة والحرّيّة والاستقلال لا الإرهاب والجرائم والقمع وكبت الحرّيّات أيّها القابعون في مقاطعة "رام الله"!

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 


تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة