بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، تكاثرت التكهنات حول الشخصية التي ستخلف الراحل في حمل لقب "الرجل الأول" في القيادات الفلسطينية الثلاث( فتح، منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية). ولم يكن مستغرباً اختيار محمود عباس (أبو مازن) ليكون ثاني رئيس فلسطيني في التاريخ الحديث بعد وفاة الرئيس الأول عرفات في الحادي عشر من شهر تشرين ثاني/نوفمبر عام 2004. فأبو مازن هو من (الرفاق) الأوائل الذين أسسوا مع عرفات حركة التحرر الفلسطينية. وهو من القيادات الفلسطينية الرئيسية التي فتحت حوارا مع الجناح اليساري اليهودي والحركات الداعية الى السلام في اسرائيل خلال سنوات السبعينيات، قبل أن تنطلق المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. ويعتبر أبو مازن مهندس عملية اتفاقية اوسلو، ورافق ياسر عرفات في زيارته الى البيت الابيض عام 1993 للتوقيع على الإتفاقية. وفي عام 1996 أختير أميناً لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك جعله الرجل الثاني عمليا في ترتيبة القيادة الفلسطينية.
هذه المزايا التي تمتع بها أبو مازن تنطبق إلى حد ما على الراحل صائب عريقات، الذي كثيراً ما قيل عنه أنه الرئيس الفلسطيني الثالث القادم كونه محبوباً على الصعيد الشعبي، و(مرضي عنه) إسرائيلياً وعربياً ودولياً ولا خلافات له مع القيادات الفلسطينية. لكن صائب عريقات انتقل إلى جوار ربه. ومن ينتظرون لخلافته لا يزالوا في جوار الرئيس الفلسطيني. والكل يعرف على الصعيد الفلسطيني، أن المنصبين الشاغرين الآن: منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومنصب كبير المفاوضين.هما في غاية الحساسية والأهمية:
لقد كان الراحل عريقات قادراً على الجمع بين المنصبين بحكم قدرته ودهائه في إدارة المغاوضات وأمانة سر المنظمة. والمعروف في قيادة حركة فتح أن الذي يصل إلى تولي منصب أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية فإنه يكون على بعد خطوة من نولي رئاسة المنظمة، في حال حدوث أي مكروه للرئيس، أي هو (الخليفة المنتظر). وهذا ما جرى بالفعل مع الرئيس عباس عندما كان أميناً لسر المنظمة وأصبح رئيسها بعد وفاة ياسر عرفات.
الرئيس عباس طبعاً له الكلمة الفصل في هذا الموضوع، وقد يكون عنده شخصية مفضلة لتكون خليفة صائب عريقات. ويعتقد بعض المحللين أن عزام الأحمد هو لغاية الآن الأقرب إلى قلب الرئيس عباس لإسناد هذا المنصب إليه خصوصا أن عباس اختاره شخصياً لترشيح نفسه ليكون عضواً في اللجنة التنفيذية لأول مرة في مايو/أيار 2018. لكن رغم ذلك فإن هذا ليس بالأمر السهل، لأن عزام الأحمد سيلاقي معارضة من صقور "فتح" وأهمهم أمين سر اللجنة المركزية للحركة جبريل الرجوب ونائب رئيسها محمود العالول، إذ أنهما لن يسمحا لعزام الأحمد بالحصول على هذا المنصب الذي يقرّبه من رئاسة المنظمة، علماً بأن الرجوب الذي يقوم في الفترة الأخيرة بجهود كبيرة لإنهاء الانقسام بين حركتي "فتح" و"حماس" هو من أبرز المرشحين لأمانة سر المنظمة، حسب ما أكده لي قيادي فلسطيني مطلع.
أما على صعيد المفاوضات مع الأمريكيين والإسرائيليين، فإن منصب كبير المفاوضين يتنافس عليه عدد من قيادات فتح، وبالأحرى المرشحون لهذا المنصب كثّر، وكل له مبرراته وأسبابه لشغل هذا المنصب :
زياد أبو عمرو الذي رشحه أبو مازن لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كعضو مستقل، وهو مسؤول دائرة العلاقات الدولية، يحمل شهادة دكتوراه من جامعة جورج تاون الأميركية، فضلاً عن أنه يحمل الجنسية الأميركية مثل عريقات وله علاقات جيدة مع واشنطن. والملفت للإنتباه أن زياد أبو عمرو تم تعيينه بشكل دائم نائباً لرئيس الوزراء منذ عام 2013 وحتى اليوم، وذلك بناء على رغبة أبو مازن. الذي اختاره أيضاً ليكون مستشاراً له.
ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية الذي يُعتبر الرجل الأقوى في الضفة الغربية والأكثر قرباً من الرئيس الفلسطيني، سبق أن شارك في لقاءات "التقريب" التي أجراها وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري في عهد باراك أوباما لاستئناف المفاوضات عام 2014، وكان أبو مازن قد كلفه هو وصائب عريقات بتسليم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة عام 2012، حول شروط العودة للمفاوضات.
وتقول المعلومات المتوفرة أن فرج يعتبر واحداً من ثلاثة أو أربعة أشخاص يشكلون الحلقة الضيقة لعباس ويراهم بشكل شبه يومي، ولديه علاقات جيدة مع الأميركيين، ويجيد اللغة العبرية بحكم سنوات اعتقاله الست في سجون الاحتلال، لكنه ليس عضواً في اللجنة المركزية لحركة "فتح" ولا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، لكن باستطاعة الرئيس عباس لو شاء أن يدخله عضواً فيهما في أقل من 24 ساعة.
القيادي حسين الشيخ الذي يترأس هيئة الشؤون المدنية منذ عام 2013 برتبة وزير، لديه فرصة جيدة لقيادة المفاوضات. وتقول معلومات متوفرة أن كل مفاتيح التنسيق المدني في الضفة الغربية هي بيد حسين الشيخ منذ سنوات، وهو يعمل بشكل يومي مع المسؤولين الإسرائيليين في كل ما يتعلق بالحياة اليومية للفلسطينيين من تنسيق مدني وتنسيق حركة أي "مفاوضات يوم بيوم". ويرى محللون أن الشيخ من المستحيل استبعاده عن ملف التنسيق المدني مع الاحتلال، وهو من الحلقة المصغرة المحيطة بعباس، وعادة ما يكون رفيقه في جولاته خارج البلاد عربياً ودولياً، وتحديداً في الأعوام القليلة الماضية.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com