للوطن شبابٌ وخيمة| بقلم: محمد السيد

محمد السيد
نُشر: 01/01 11:59,  حُتلن: 08:29

في قلب النقب الذي يشكل ثلثي مساحة فلسطين التاريخية يعيش العرب البدو الذين كان تعدادهم عشية النكبة أكثر من مائة الف وصاروا عشرة الآف بفعل التهجير والتشريد لتتقطع بهم السبل في أصقاع الدنيا وخاصة الأردن.

اليوم وبفعل التكاثر الذي يميز أهل النقب عن غيرهم ضاعفوا أعدادهم ليصبحوا قوة تتجاوز الربع مليون. نصفهم أو أقل بقليل يقفون في وجه آلات الدمار والهدم والتشريد دفاعاً عن ما تبقى لهم من أراضٍ بعد استيلاء اسرائيل على نحو سبعةٍ وتسعين بالمائة من أراضيهم التاريخية ، وتشتد المواجهة ضراوةً لأن ضياع ما تبقى سيجعلهم غرباء في وطنهم يلفهم الحصار ويتجردون من طبيعتهم وعلاقتهم بالصحراء والعادات الحميدة ويتحولون الى دخلاء في عالمٍ لا طعم للحياة فيه إلا بالجريمة والقتل والاستجداء للحصول على لقمة العيش ونسيان التاريخ .

اليوم يكشف عن أنيابه سالب الأرض من جديد، لم يكتفِ بما سلبه ولا يريد للمسلوب حياة بل جحيم وظلم وحصار ، يريد ان يجعله وراء جدر ليتحكم حتى في حركته.
اليوم نشهد إرهاصات المعركة الحقيقية بين أبناء بادية النقب وعشائرها وبين السلطات التي تريد سلخهم عن طبيعة حياتهم وتجريدهم من أرضهم وماشيتهم وزراعتهم وتدعهم خلف بوابات موصدة يفتكون ببعضهم ويتجردون من مكارم أخلاقهم ويتحولون الى أدوات في أياديهم.

اليوم بدأت المرحلة الأولى من عزل العشائر المتآخية عن بعضها بجدارٍ حرشي ينهب آلاف الدونمات ليتمكنوا من إحكام القبضة عليهم وسجنهم في مبانٍ لا علاقة لها بحياتهم، تراقبهم عن بعد وتتحكم في حركتهم.

اليوم وصلوا الى الخاصرة، وصلوا الى خربة الوطن ذات الكثافة السكانية المتصلة ببعضها في مسعى شبه أخير لإنهاء نمط حياة الناس وسلخهم عن أصولهم وعاداتهم وتقاليدهم وأرضهم وجعل شعب بأكمله تحت احتلالٍ جديد.

لكن اليوم ليس كالأمس، فالقلة صارت كثرة والضعف صار قوة وصار قدر أهالي خربة الوطن أن يكونوا في مقدمة المدافعين عن الكرامة، فتداعوا الى النداء وأجمعوا على كلمةٍ واحدة تعاهدوا عليها أن لا كرامة لهم بدون أرضهم، وتسلحوا بماضيهم الذي منه يستمدون مواقف العز والشرف والرجولة عندما وقع أجدادهم عام ستةٍ وثلاثين على وثيقة الشرف المشهورة لعشائر القديرات التي تعاهدوا من خلالها على الحفاظ على الأرض ومساواتها بالعرض والدفاع عنها وهدر دم من يخونها .

اليوم خرج من قلب الصحراء شباب نهلوا من العلم والثقافة ومزجوا بينها وبين الأصالة ، شباب ابتكروا أساليب عصرية للنضال الحكيم والمواجهة، اعتمدوا على ذاتهم واستعانوا بذوي الخبرة ، جمعوا الناس حول كلمةٍ واحدة، وأقاموا خيمةً فوق رمال ارضهم المهددة وجعلوها دار لقاء وتشاور وحولوها الى وجهةٍ للشرفاء المتضامنين الذين توافدوا عليها من كل زاويةٍ من زوايا نقب العزة والكرامة ومن مثلث الأصالة ومن جليل الشهامة ومن ساحل النقاء.

شبان رابطوا تحت الخيمة وكونوا لجنة من خيار الناس ووضعوا برنامجاً عملياً ليس ارتجاليا ولا عشوائيا ، تمكنوا أولاً من وقف عمل الجرافات بالحجة والوعي مستندين الى وثائق تاريخية تثبت ملكيتهم للأرض وأوصلوا رسالة للمستخفين بعقولهم ان العمل في أراضيهم لا يستند الى القانون وان ما يقومون به يعتبر تعدٍ سافرٍ على أملاكهم ، وستنظر المحكمة العليا قريباً في شأنهم.

نعم للوطن شباب وخيمة يتحركون بجهود ذاتية لا يساندهم فيها أحد إلا بالكلمة والوقوف الى جانبهم وهذا جيد ، لكنهم بحاجة الى ديمومة ، وهذه لن تدوم إلا بدعمهم ، فالويل لمن يتمكن ولم يساهم في دعمهم لأنهم فعلاً في خط الدفاع الأول نيابةً عن الجميع.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة