هل يعفينا وباء الكورونا قانونيًّا من تنفيذ ما التزمنا به في عقد قانونيّ ؟

المحامي قيس ناصر
نُشر: 01/01 16:48,  حُتلن: 20:33

عطّل وباء فيروس الكورونا الذي تفشى في العالم أجمع كل مناحي حياتنا مثل العمل والتجارة وحرية التنقل والحركة وحتّى حرية العبادة والصلاة وغيرها من ركائز وضرورات الحياة والمجتمع. وفي الحقيقة ما من أحدٍ توقّع يومًا هذا الوباء، وما من أحد توقّع ضراوته وأضراره وما أحدثه من شلل في ممارسة حياتنا الطبيعية، وفي استمرار العمل الطبيعي للقطاع العام والخاصّ. وهذه الحالة غير المسبوقة طرَحَت بشكل بديهيّ سؤالًا مشروعًا يقلق كثيرًا من الناس والجهات: هل يعتبر وباء الكورونا حسب القضاء في اسرائيل "قوى عليا" (والمعروف قانونيا باللغة الفرنسية force majeure) تعلق وتعطل التزامات وواجبات الفرقاء لاتفاقيّة قانونيّة ما، ويعفيهم من تنفيذها حتى انتهاء الوباء؟ وعلى سبيل المثال، هل يُعفي وباء الكورونا المستأجر من دفع الايجار طوال فترة الكورونا خاصّةً مستأجرا فقد عمله بسبب الوباء؟ وهل يُعفي وباء الكورونا متعهدًا من تسليم شقة سكنية للمشتري في الموعد المحدد باتفاقية البيع بينهما؟
وردًا على هذه الاسئلة أوضّح أنّ قانون العقود الساري في إسرائيل ينصّ أنّه إذا أخلّ طرفٌ ما بالاتفاقية، وكان إخلاله نتيجة ظروفٍ لم يعلمها ولم يكن بمقدوره معرفتها عند توقيع الاتفاقية، وأن تنفيذ الاتفاقية غير ممكنٍ بسبب الظروف المذكورة فإنّ الإخلال المذكور بالاتفاقية لا يشكّل ذريعة لإرغامه على العمل حسب الاتفاقية، أو حصول طرف الاتفاقية المتضرّر على تعويضات نتيجة هذا الاخلال. عدا عن هذا المبدأ العام في قانون العقود فإنّ القانون في إسرائيل لا يحتوي على تعريفٍ واضحٍ للظروف التي يمكن اعتبارها "قوى عليا" تعفي فريقا ما من أداء التزامه حسب الاتفاقية دون أن يُعتبر ذلك إخلالًا بالاتفاقية من طرفه. بل إنّ المحاكم أيضًا لم تعطِ يوما قرارًا مبدئيًّا عامًا في هذه المسألة، بل بحثت كلّ قضية على حدة حسب حيثياتها الخاصة. على سبيل المثال قضّت المحكمة العليا في إحدى القضايا أنّ حالة حرب لا تُعدّ "قوى عليا" لأنّ اسرائيل بسبب وضعها السياسيّ معرضة دائمًا للدخول في حرب. وفي قضية أخرى قضت المحكمة أنّ الكوارث الطبيعة مثل الصقيع أو العواصف أو الشتاء الثقيل، لا تعتبر "قوى عليا" ما كان بامكان الاطراف توقعها وعليه فانها لا تعفي اطراف الاتفاقية ان يتفذوا واجباتهم حسب الاتفاقية التي أبرموها.
وفيما يخصّ وباء الكورونا تحديدًا، فقد قررت وزارة المالية مؤخَّرًا وبشكل مستهجنٍ عدم اعتبار وباء الكورونا "قوى عليا" لغايات مواعيد انهاء المشاريع الإسكانية، وتسليم الشقق فيها للمشترين، وذلك رغم إدراك الوزارة للصعوبات والعوائق التي خلقها الوباء والتي تحول دون تنفيذ عقود البيع والسكن في المواعيد المحددة. ولمـّا حظي هذا القرار باستنكار الشركات العقاريّة وسخطها لأنه قد يرغمها لاحقًا على دفع تعويضات طائلة للمشترين الذين لن يتسلّموا شققهم بالمواعيد المتّفق عليها، عيّنت وزارة القضاء طاقمًا مهنيًّا ليبحث ما إذا كان بالإمكان قانونيًّا الاعلان عن الكورونا "قوى عليا" لغايات تفسير العقود، وتنفيذها والنتائج الفعلية المترتبة على هذا الاعلان. إنّ تعيين الطاقم المذكور هو في رأيي خطوة ضروريّة ومباركة لأنّ قرارًا توجيهيًّا في هذا المسألة من قبَل وزارة القضاء من شأنه أن يرشد كلّ المعنيين، وحتى المحاكم إلى التعامل الصحيح مع الاتفاقيات التي عطّل وباء الكورونا تنفيذها، وإسقاطات هذا الامر على واجبات وحقوق الفرقاء المتخاصمين. مع ذلك، من الخطر والخطأ في رأيي أن يتخذ الطاقم قرارًا عامًا وجارفًا إن كانت الكورونا تُعفي الفرقاء من تنفيذ التزاماتهم حسب العقود التي أبرموها، لأنّ لكلّ عقدٍ حيثياته وظروفه الخاصة، سواء فيما يتعلّق بنوع الفرقاء أو نوع الاتفاقية وموضوعها، أو نوع المبيع أو المتفق عليه أو حجم أضرار الفرقاء وايضا إن كان وباء الكورونا قد منع حقًّا طرفًا ما من أداء واجبه أو أنّ هذا الطرف يتستّر بوباء الكورونا حتّى يتنصل من الاتفاقية. لهذا وعِوضًا عن اتخاذ قرار يطبّق بشكل عام وجارف على كلّ اتفاقية دون النظر إلى حيثياتها، أوصي بتبني معايير مرشدة للعمل في الاتفاقيات التي تأثرت من وباء الكورونا، على أن تراعي هذه المعايير الفروقات وأوجه الاختلاف بين انواع الاتفاقيات، أو بين أنواع الاجسام المتعاقدة أو بين مجال اختصاص الاتفاقيات. أعني أن توضع معايير خاصة وعينيّة لكل مضمار من مضامير العقود، وقد لا تكون المعايير المعتمدة في مجال عقود الايجار هي المعايير ذاتها التي يجب اعتمادها في مجال بيع العقارات أو في مجال البناء والإسكان او في مجال القروض البنكية أو في مجال بيع السلع. وبما أنّ المسألة هامّة وغير مسبوقة، أوصي كلّ الجهات المعنية من ذوي العقارات والمستأجرين والتجار وغيرهم من أصحاب العقود التي تعطّل تطبيقها بسبب الكورونا، أن يقدّموا موقفهم ورأيهم وطعونهم لطاقم وزارة القضاء المذكور حتّى يعتمد الطاقم في توصياته على نظرة شاملة وفاحصة لكل جوانب هذه المسألة.
إضافة إلى ما ذكرت، أرجو أن يُحكّم أطراف العقود عقولهم وضمائرهم في هذا الحالات، فقد علّمنا هذا الوباء مرة اخرى ما قاله السيد المسيح له المجد أن "اكنزوا لكم كنوزًا في السماوات حيث لا يُفسِد سوس ولا صدأ ولا ينقب سارقون ولا يسرقون"(متى 6: 19-21)، وهذا خيرٌ ألف مرة من أن نربح الأموال الفانية ونخسر الانسان والانسانية التي فينا فهي الكنز الباقي أبداً.

* باحث مرشح للقب الدكتوراة في القانون من جامعة تل ابيب.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة