ورحلَ المربي بشارة رزق عن هذه الأرض الى الديار السماويّة انطلقت نفسه الوادعة لتلاقي وجه َ ربّها راضية ً. خبا كوكب كان وضاءً ساطعًا وانطفأ المشعل الذي أنار، وصمت اللسان الذي علّم وأرشدَ . وطوى الثرى معلمًا ومرشدًا اشتهر بعلمه الواسع وعُرِف بكفاءاته الاداريّة والتربويّة والتعليميّة . صادفت وفاته وقضى نحبه على رجاء القيامة في مطلع العام الدراسيّ، فأسلم روحه بين يدي معطي الحياة فاهتزت مدرسة راهبات الفرنسيسكان وعائلته وبلدته لهول المصيبة .
أعزّ الناس فارقنا على عجل خمسون عامًا ملأها محبّة وعطاءً وضجّت نشاطًا وانتاجًا فكريًا لبس المحبة التي هي رباط الكمال، وساد في قلبه سلام المسيح الذي اليه دُعيَ ، كيف لا وقد ترعرع في بيت عريق دينًا ودنيا وتحت كنف والدين في أجواء راسخة ايمانًا وتُقى . البيت مدرسة، منبت للسجايا والمكارم نما فيه أستاذنا بشارة ونقل هذا المناخ الى العائلة التي أسّسها وزوجته الوفية فكانت على مثال عائلة الناصرة المقدسة . "لنمدح الرجال النجباء فيهم أنشأ الرب مجدًا كثيرًا وأبدى عظمته" والمربي بشارة أحدهم بما ازدان به من فضائل ومناقب عزّ مثيلها وما أدّى من مبررات ومآثر ملأت الأسماع وتحدثت بها الأفواه لذلك انبرى طلابه وزملاؤه وأهل بلدته يلهجون بخصاله وأعماله . انّه المعلم المؤتمن على الطلاب أقدس ما يملكه الوالدون فهم امتداد حياتهم وتجسيد آمالهم . وقد صاغ الأستاذ بشارة أخلاقهم وساعد على بناء حياتهم ومستقبلهم وزوّدهم بالعلوم النافعة .
إنّه المربي الصالح صاحب الخبرة والذوق السليم والحبّ العميم ساعد دائما على إنماء شخصية طلابه لتصبح هي مصدر تطوّرها الذاتيّ على أساس القيم الصالحة التي ترتكز عليها .
إنّه رجل العائلة وقد بناها على أسس القيم الروحيّة والأخلاقيّة والحبّ المقدّس . في عائلته نشأت الفضائل وترعرعت ابنتان ابن فهم فخر والديهم شبّوا في أجواء المحبة والايمان فثابروا واجتهدوا إنّهم رجاء الوالدين، وقد ارتشدوا بخبرتهما وحكمتهما .
بشارة رجل مرّ بصعوبات فذلّلها ومعضلات فحلها، ودبّر شؤونه بحكمة، لم يظلم أحدًا، ولم يحدْ عن الطريق المستقيم جمع بين همة الشباب وحكمة الشيوخ .
إنّه رجل المسؤولية والرغبة في تأدية الواجب على أتمّ وجه . وصاحب الرأي السديد رأى الحقيقة وعرف طريقها وسعى اليها فوصل . استطاع أن يحصلَ على اللقب الثاني في الكيمياء ولو أسعفته الظروف لحصل على درجة الدكتوراة .
ماذا أقول بعد يا أغلى الأصدقاء ؟
أيّها الرجل الصلب الحازم الذي لا تفارق الابتسامة محياه أيّها المعلم الحصين والمربي الصالح والزوج الوفيّ والأب الحنّان، والابن البار . كنت أليفًا، أنيسًا، طلق اللسان، حاضر الذاكرة، طيّب القلب، موضوع محبة واحترام وتقدير . فلا غرابة اذا أسف وحزن عليك كل مَنْ عرفك . شيعك الآلاف الى مثواك الأخير عربونًا لمودتهم وتقديرًا لأعمالك الجمّة الحميدة.
أخي بشارة، يا فقيدنا الغالي، نَمْ قرير العين بعد أن عبقت حياتك بالفضائل الطيّبة التي تحفّزنا للنسج على منوالك والسير على خطاك في حبّ الله والقريب ورسالة التعليم السامية وخدمة القيم الانسانية والروحية . نسأل الباري تعالى أن يبلسم الجراح العميقة ويهب أهلك حسن العزاء ويبعد عن الجميع كل مكروه .
لروحك السلام يا بشارة الخير.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com