لروحك سلام أيها الراحل المُقيم
"المتّقي الرب يطيب نفسًا، وينال خطوة يوم وفاته."
بقلوب يعتصرها الألم وعيون أدماها الدّمع وإيمان وطيد على رجاء القيامة ودّعنا أستاذنا الغالي بشارة رزق رحمه الله الرحمة العُظمى.
ذهبتَ مسرعًا على غير ميعاد، فنزل خبرُ رحيلك على أهلك ومدرستك وقريتك نزول الصاعقة ولكن:
إذا المنيّة انشبت أظفارها الفيت كل تميمةٍ لا تنفعُ
حُمَّ القضاءُ، وعاجلك الردى، لم يمهلك الأجلُ لإستثمار جنى كدّك وعنائك. رقدت في ميعة الصِّبا ونضارة الربيع وفورة النشاط وبسمة الأمل. سقطت شهيد العلم والمعرفة وساعة النضوج والكمال. هل رغبت يا أستاذنا العزيز في الذهاب مع يسوع لتكون في حضن العذراء أمنا الكليّة القداسة؟ هل ضاقت بك الأرض فاخذت السماء مسكنًا ابديًا؟ ماذا أقول والصمت الرهيب يُخيم علينا ولا أسمع إلا من يتغنى بخصالك الحميدة وفضائلك الكريمة، لا يطرق مسامعي إلا الثناء عليك أيها الرّاحل الى الديار السماوية. منذ صغرك تسربلتَ بالعصاميّة والجدّ والتصميم والطّموح، ولعتَ بالعلم، فثابرتَ عليه بعزم وعناء وثقة وإرادة صامدة. وأنت المعلم الرائد للإيمان والقيم والأخلاق والراي السديد ونتائج امتحانات البجروت في الكيمياء خير شاهد على عطائك ورسائل التقدير من وزارة التربية الواردة سنويًا تؤكد ذلك. إنك صاحب الضمير ومن المصححين الأوائل في الامتحانات الرسمية باعتراف الوزارة ايضًا.
انتَ المعلم والموجّه والقدوة الحسنة. قلتَ مرارًا: ليس المهم أن نُعلّم، بل ان نعرف كيف نُعلّم لنلقي بذور المعرفة في الأرض الخصبة لتنمو وتعطي غلالها وينجح طلابنا بتفوق. وانتَ المربي الصالح لأنك حرصت على تثقيف العقل والإرادة بحسب شرائع العدل، واعددت طلابك جيدًا في أجواء الفضيلة، وروّضت أخلاقهم ووطدت المناعة فيهم ضد الإنحراف لذلك أحبوك وبادلتهم المحبة أضعافًا. وانت نائب المديرة أتقنت عملك الإداري وكنت حريصًا على تقدم وتميّز مدرستك.
ايها الراحل عنا والباقي بيننا:يا من يعزّ علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم
كيف اخاطبك بصيغة الماضي وانت الحاضر والمستقبل. وقد اكتسبت سجاياك من البيت الوالديّ العريق بالإيمان والخلق الرضيّ والمكارم، وزوّدت بهذه القيم بيتك وطلابك.
إن الحياة قصيدة أبياتها أعمارنا والموت فيها القافية
استاذنا الغالي ما زالت أيامك في مطلع القصيدة، فكيف عبرتَ أبياتها لتصل قافية ختامها.
هل للفتى من بنات الدهر واقٍ أم هل له من حِمام الموت راقٍ
كلّ إناء ينضح بما فيه، قال الربّ: الرجل الطيب من الكنز الطيب في قلبه يخرج ما هو طيّب. لم تُغضب راهبًة أو معلمًا أو طالبًا أو ولي أمر. وكلّ شجرة تعرف من ثمارها من كنوز قلب زميلنا بشارة خرجت الثمار اليانعة عائلة كان سندها، استقرت فيها حرارة التقوى، وضاع عطر فضائلها، وقد كان إيمانُه مرشد حياته، وتقواه مائدة غذائه، وفضائله منبع سلوكه. طلاب تخصصوا في موضوع الكيمياء، تفوقوا وتميزوا وتابعوا دراساتهم العليا. فرقة الدبكة المدرسية أحياها وأشرف على إدارتها بنجاح تام فقدّمت اللوحات التراثية الجميلة بتدريب ابن بلده.
استاذنا الغالي صفاتك الأصيلة انعكست على وجهك فرصعتُهُ بشاشةً مقيمة، وعلى شفتيك فأذابت فيها حلاوة القول، وعلى لسانِك سالت رقةٌ منه الصوت العذب فدمغت مسالكك بالاستقامة والاخلاص والنزاهة والصراحة والتواضع.
ماذا أقول بعد يا ابن الطوباوية كاترينا البار يا ابن العائلة الفرنسيسكانية يا صاحب القلب الكبير، يا حلو المعشر، يا انيس الجلسات، ويا رجل السلام والوفاء، يا صاحب العقل الحصيف،وذكاء المتوقد والقول الفاصل، يا رجل الكرم والعطاء والتضحيات، أيها المحبوب ينقص مجتمعنا رجال قادة رُسل سلام مثلك. خسارتك لا تُعوض، ولكنها مشيئة الله تعالى ولا مردّ لقضائه.
نتعزى، تعازينا القلبية الحارة لزوجتك ولابنك عيسى وبنتيك نتالي وجويل ولوالدتك الغالية وقد سهرت الليالي الطوال قلقًا عليها، تعازينا لرئيسة ومديرة المدرسة الأخت فيليبا عرّاف والأم دانييلا والراهبات وللعائلة الفرنسيسكانية بكامل هيئاتها ومؤسساتها. لك إكليل البِرّ والمجد يجزيك به الديان العادل، ويسكنك نعيمه الخالد بين الأبرار والقديسين، والى روحك الزكية الف رحمة وجنّة الخلد.
استرح بسلام وليكن ذكرك مؤبدًا.