في محاولةٍ منه لتأجيل العمل بالتعديل الجديد على انظمة الإجراءات المدنية، التقى رئيس نقابة المحامين، افي حيمي، مؤخرًا، ضمن وفد من النقابة شمل اعضاء من اللجنة المركزية واعضاء من اللجنة المهنية في نقابة المحامين، بوزير القضاء امير اوحانا، حيث قدم الوفد إليه شرحًا مُفصلًا عن موقف نقابة المحامين من التعديلات الجديدة.
وأكد الوفد على ضرورة إجراء تعديلات، لكن بصورة تدريجية، وليس وفق المطروح حاليًا والذي يعد تغييرًا جذريًا يمس بعمل المحامين، كما ويمس بجمهور المواطنين، ويحوّل القضاة إلى "سياديّ"، غير قابل للنقض والمساومة.
وأوضح الوفد على أنّ هنالك أهمية إلى العمل على تسريع الدعاوى وانهاءها، وخفض مستوى الضغط في المحاكم، والتوفير في الوقت القضائي، إلا أنّ هذا يحتاج إلى خطة مدروسة، بالتعاون مع النقابة، وليس فرض واقع جديد.
وحول الموضوع، حاورنا المحامي نضال عواودة، عضو اللجنة المركزية في نقابة المحامين، الذي قدّم لنا الشرح المفصل عن التعديلات المقترحة معللا مسها بالمحامي، مكانته، وايضًا بالمواطن المتوجه إلى القضاء.
وفد النقابة يجتمع مع الوزير اوحنا
وحول موقف نقابة المحامين من التعديلات؟ وكيف سيتم التعامل معها؟ قال المحامي نضال عواودة :" نقابة المحامين ترفض التعديلات بصيغتها الحاليّة، نحن على قناعة أنّ هنالك ضرورة للتجديد والتطوّر إلا أنّ هذه سيرورة يجب أن يشارك بها المحامون، فهم طرف فيها، التعديلات التي طُرحت استثنت المحامين، ولم يتم إشراكهم فيها. هذه التعديلات من المتوقع أنّ تقوم بإثقال كاهل المحامين، في عملهم، كما وستقلل فرص الحصول على محاكمة عادلة، حيث سيضطر المحامون إلى التعامل مع المحاكم من منظور تقنيّ وليس جوهريّ، فعلى سبيل المثال عندما يُقدم المحامى دعوى هو لا يقوم بعد صفحاتها، انما يحاول أنّ يفسر ما حدث، من وقائع، كما ويقدم ادعاءات لصالح موكله، فالمسالة ابعد من أمور تقنية".
واضاف المحامي عواودة:" كما أنّ هذه التعديلات، والتي استحدثت لكي تقلل من الزمن القضائي، قد تُشكل قوة مرتدة، حيث وبالعكس ستطول النقاشات في المحاكم عندما يقيد المحامين بأسئلة وطلباته وايضًا أختيار موقع محكمته، الأمر الذي يحتاج إلى زيادة في عددِ القضاة. في الخلاصة، التعديلات تتعامل مع جمهور المحامين والمُمَثلين على أنهم "جهة مزعجة" يجب التخلص منها بأسرع طريقة ممكنه، هي لا تتعامل معهم كأفراد شعروا بالضعف وتوجهوا إلى القضاءِ لإنصافهم، تتطرق إلى قضاياهم في المحاكم بصورة شكلية منزوعة تمامًا عن مشاعرهم، المهم واحاسيسهم، وللتبسيط أكثر، ماذا ستقوم لعامل سقط من موقع عمله وفقد رجله (لا سمح الله) ورب عمله يرفض أنّ يعترف أنه كان اثناء العمل؟! ماذا ستقول له إذا كان من سكان الناصرة وحددت محكمته في حيفا أو المركز؟! نعي انّ هنالك حاجة إلى خفض مدة النقاشات وتسريعها إلا أنّ الأمور ليست دائمًا شكليّة وتحتاج إلى تفاهمات وايضًا إلى واقعيّة، وهذه التعديلات تختزل الواقعيّة بشكل كبير".
واجاب عواودة عن متى سيبدأ العمل وفق التعديل الجديد لأنظمة الإجراءات المدنيّة؟ :" من المُقرر البدء بالعمل وفق التعديل الجديد لأنظمة الإجراءات المدنيّة نهاية شباط، 2020، لكن هنالك مساعٍ لتأجيل ذلك حتى نهاية عام 2020. التعديلات والتغييرات كبيرة وجذريّة، حيث يدور الحديث عن خفض الأوامر المعمول بها وفق الأنظمة من 532 امرًا إلى 180، عليه هنالك حاجة إلى التحضّر إليها مسبقًا وبالطبع هذا يحتاج إلى فترة أطول. التغييرات تتعامل مع المسار القضائي على أنه مورد جماهيريّ عام مقيّد، عليه يجب أن يُدار هذا المورد بأقصى حد من الفائدة مع أقل حد من التكاليف. لتحقيق ذلك، تمت صياغة التعديلات بشكل يضمن خفض كل المسارات القضائيّة المدنية، مما يُشكل ارتدادات على عمل المحامين وعلى عمل القضاة ايضًا-كما أوضحت أعلاه".
واضاف المحامي نضال عواودة لمراسلنا:"من التعديلات المُقترحة سيكون هنالك تقييد على طول الدعاوى واللوائح الجوابيةّ من قبل المحامي، حيث سيتم تقسيم الدعاوى إلى 3 اقسام أولها معلومات تقنية عن الأطراف والقسم الثاني الحقائق في الدعوى اما القسم الثالث فسيتطرق إلى تفصيل الحقائق، كما وبخلاف السابق سيتم ارفاق كل المستندات التي تدعم الدعوى منذ التقديم. اما اللوائح الجوابيّة فستتضمن ايضًا 3 اقسام فيما يكون القسم الثاني الرد على الادعاءات، والقسم الثالث تفصيل لماذا ترفض الدعوى بشكل قطعيّ.
وفيما يتعلق بطول الدعوى، وهو موضوع إشكاليّ، فسيكون محدد بـ 5 صفحات للقسم الثاني وحتى 6 صفحات في القسم الثالث إذا ما قُدمت الدعوى للمحكمة الصلح، فيما في المحكمة المركزية فقد سمح حتى 9 صفحات في القسم الأخير".
وقال عواودة:"يشار إلى أنّ طول الدعاوى سيكون متعلق ايضًا بملغ الدعوى كما وأنّ هنالك تقييدات على طول الاستئنافات. من التعديلات ايضًا، وهو تعديل اشكاليّ جدًا، تقليص امكانية اختيار المحكمة التي ترغب الأطراف بمعالجة القضية فيها، حيث سيكون ذلك على حساب المحامين وايضًا الأطراف التي قد تسافر إلى مسافات من أجل النقاش في الدعوى. إلى ذلك، سيتم العمل وفق لائحة اوقات، فعلى المحامي أن يقدم تواريخ لردوده أو أي مستندات سيقدمها لاحقًا، كما وأنّ هنالك وظيفة جديدة سيتم العمل بها وهي السكرتير القانوني والذي وظيفته متابعة الملفات، وصولها ولوائح الأوقات التي التزم بها المحامي. بالإضافة، تفرض التعديلات على الأطراف إجراء نقاش وحوار قبل التوجه إلى المحكمة، حتى دون وجود محامين، وبالتالي تقديم او تعبئة نموذج يفسر مدى تقدم أو عرقلة المفاوضات التي تمت خارج اروقة المحكمة وقبلها، كما ويطلب منهم التحضر للمحكمة التي قد تكون أقصر في مدتها حتى لو رغبت الأطراف خلاف ذلك". واضاف :" التعديلات طالت ايضًا مسألة محو الدعاوى، فمن خلال التعديل منحت صلاحيات للقضاة بمحو دعاوى وشطبها إذا لم يقم المحامون بتتبع الأنظمة او ما إذا تم استغلال المحكمة بصورة سلبية، وهذا طبعا قرار يعود لتقدير القاضي، الذي يتحول إلى سياديّ مُسيطر". وقال:"فيما يتعلق بطلبات اضافية يقدمها المحامين، مثلا طلب خطوة اضافية لصالح الموكل، فستكون هنالك امكانية وفق تقييدات معينة من حيث طول الطلب، موعد تقديمه، كما وسيسمح تغييرات في اوقات النقاشات في المحاكم لكن بصورة محددة جدًا، بذريعة ضغط العمل على المحاكم واضاعة وقت القضاة. إلى ذلك، تم السماح بسماع وتقديم شهادات شفوية وليست مكتوبة، وهذا مقيد بالطبع ومتعلق بنوع المحكمة وطول الدعوى وايضًا مبلغ الدعوى. من التعديلات ايضًا الغاء المسار المسرع للدعوى، فيما تم ابقاء مسار النقاش السريع في اروقة المحاكم، كما وتم التطرق إلى تكاليف المحكمة، حيث سيتم التعامل مع الموضوع بمنظور اوسع، يحدده فقط التكاليف الفعليّة للمحكمة، دون الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للأطراف المتنازعة".
وعن تأثير الأنظمة المعدلة على عمل القضاة؟ اجاب المحامي عواودة:" الأنظمة الجديدة تمنح القضاة صلاحيات واسعة، يمكن القول إنها تحولهم إلى "شيوخ أمة" أو بصورة ملطفة أكثر "الآمر الناهي"، على سبيل المثال التعديل رقم 3 يمنحهم امكانيّة المبادرة إلى دفع الدعوى قدمًا نحو حلها والتوصل إلى تفاهمات بين الأطراف، وهذه المبادرة ستكون ملزمة للأطراف. نحن نصل إلى المحاكم لعرض وجهات نظر امام القاضي، وكل طرف ممثل بمحاميه، يعرض وجهة نظره اعتمادًا على نصوص قضائية، وفق التعديل الـ3 يحق للقاضي أنّ يوقف كل النقاش ويقولها "خلص، بكفي هون انا بقرر"! ،هذا التوجه يمس بشفافية القضاء، كما ويقيّد القضاة بالحصول على معلومات، من خلال تقييد عدد الصفحات وكأننا نكتب روايات وليس لوائح مهمة للاطلاع عليها".
وقال عواودة:" نحن في نقابة المحامين نرى أنّ التعديلات حاجة عصريّة، إلا أنها تمس بجمهور المحامين، خاصة العرب منهم، والذين يعلمون اليوم في مكاتب أصغر من مكاتب الزملاء المحامين اليهود، وفي حالات معينة سيضطر المحامي العربي إلى ترك مكتبه والتوجه إلى محكمة في المركز، عليه هذه الأنظمة ستقوي الأطراف القوية وتعززها وستضعف الأطراف الضعيفة أكثر. إلى ذلك، تقييد عمل المحاميين، وفرض عليهم لوائح وازمنة، وتقييدات بالنسبة للشهود، وطول المحكمة، لا يصب في صالحه، الذي يدير في مكتبه عشرات الملفات، وسيضطر إلى تخصيص أوقات أكثر إلى ملف معيّن. كما أنّ هذه الأنظمة تنمح صلاحيات موسعة للقضاة، التي قد تصل إلى مرحلة عدم الرغبة بسماع المحامي ومرافعته والتعامل معها بصورة غير موضوعية".
وحول مصلحة المواطن من كل هذه التغييرات وهل تصب في مصلحته ؟قال المحامي عواودة :" ليس بالضرورة، فتقصير مدة الدعوى والنقاش فيها مهم جدًا رغم أني أوضحت أعلاه أنّ مدة النقاش قد تطول بخلاف الهدف الأساسي من الأنظمة، إلا أنّ هنالك حالات يتوجب على المحامي عرض حقائق اضافيّة، وتقديم طلبات اضافية على هامش المحكمة، وهذا سيمس بالمواطن. ناهيك على أنّ مصاريف الدعوى وفق الأنظمة الجديدة ستتغير، ففي السابق كانت تأخذ بعين الاعتبار الوضع المالي للأطراف المتنازعة، إلا أنّ الأنظمة الجديدة تمنح القاضي صلاحية تقدير تكاليف المحكمة دون التطرق إلى أمور إضافية كما وتمنحه فرض غرامات وتكاليف خلال مسار النقاش ذاته، وهذا يمس بالمواطن بالأول والأخير".