بروفيسور اسعد غانم:
حري بالقيادة الفلسطينية، أن تدعو المجلس المركزي والمجلس الوطني وعموم نشطاء وقيادات الشعب الفلسطيني الى مؤتمر وطني مفتوح لنقاش ما العمل؟
تتصرف القيادة الفلسطينية وكأننا امام نهاية النضال الفلسطيني وامكانيات التحرك، وهي بذلك تخالف الواقع، الذي ينتج يوميا حالات مثل عهد التميمي في النبي موسى وصياح الطوري في العراقيب ونضالات يومية في اللجوء والوطن
يبدو أن القيادة الفلسطينية، ومن خلال اجتماع المجلس المركزي المقرر لبداية الاسبوع القادم، سوف تقوم بالإعلان عن فلسطين "دولة تحت الاحتلال" كأهم منجزات اللقاء، وهو اعلان يأتي برأيها ردا على سلسلة من التجاوزات الاسرائيلية والامريكية، والتي تتجاوز عنفا وصلافة وتغولا وتنكرا للحقوق الاساسية للشعب الفلسطيني وللقانون الدولي واستحقاقاته عما سبق، مقابل انعدام الحيلة من الجانب الفلسطيني، واستمراره في تقديم التزاماته تجاه "عملية السلام" واسرائيل، وخفض سقف العمل الوطني الفلسطيني وتوقعات شعبنا، سواء تحت الاحتلال، أوفي اللجوء أوفي الداخل الفلسطيني.
وبرأيي فإن القيادة الفلسطينية، مستمرة بهذا بنهج لم يجنِ منه الشعب الفلسطيني سوى القليل ايجابا، والكثير-الكثير سلبا. واول الامور التي يمكن أن نسوقها في هذا السياق، هو السؤال الاساسي: هل تعلن الدولة مرتان؟ فقد سبق واعلنت القيادة الفلسطينية في اجتماع المجلس الوطني في نوفمبر 1988 عن اقامة دولة فلسطين، وآنذاك كانت فلسطين تحت الاحتلال، فلأي حاجة تعلن هذه الدولة وبنفس سياق الاحتلال مرة اخرى؟، طبعا ليس هنالك حاجة الى سرد ما جرى منذ ذاك الاعلان وحتى يومنا، فالأمور واضحة ومعروفة، وعلى رأسها استمرار الاحتلال وجرائمه، واستمرار الاخفاق الفلسطيني في تحقيق ما وعدت به القيادة. وفلسطين المعلنة، والتي يعنى بها منطقة الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، بقيت تحت الاحتلال لفترة تفوق بكثير بقائها تحت نفس الاحتلال، لا بل ازدادت وحشيته وجرائمه، عن الفترة التي سبقت اعلان قيام الدولة الفلسطينية.
والادعاء بأن اعلان الدولة –مرة ثانية- سوف يمكن الفلسطينيين من محاكمة اسرائيل وفضحها امام العالم، وتعريف العالم بالاحتلال وجرائمه اكثر، ودفع العالم للاعتراف بفلسطين "كدولة تحت الاحتلال" الخ من التبريرات التي سوف تسوقها القيادة الفلسطينية، هو من قبل "طحن الماء بالماء"، فمنظمة التحرير معترف بها –بما في ذلك من قبل اسرائيل والولايات المتحدة- والدولة الفلسطينية معترف بها وتمارس الخارجية الفلسطينية وباقي اذرع السلطة دورها عالميا كدولة، وعمليا تقوم القيادة الفلسطينية في الجمعية العمومية ومؤسسات دولية اخرى، بالتصرف كدولة او تدعي ذلك، وبذلك فان اعلان الدولة هو استمرار لما هو موجود ولن غيرر جديا، سوى على ايهام الفلسطينيين انفسهم، مرة اخرى، بان قيادتهم تقدم شيئا جديا في مسيرة التحرر، الذي اصبح قريبا، قاب قوسين او ادنى، وهي نفس ما قيل عشرات المرات منذ اعلان الدولة في الجزائر، مرورا بأوسلو وكل ما تبعها... وعلى اساس هذا الوعد للشعب الفلسطيني، قدمت القيادة الفلسطينية التنازلات بعد التنازلات، اولها القبول باعتبار النضال الوطني الفلسطيني والتضحيات شكل من اشكال الارهاب، وصولا الى قمع اي تحرك شعبي سلمي مجابه للاحتلال، وحتى التعاون امنيا مع اسرائيل.... وبين هذا وذاك عشرات المواقف والتصرفات، المراهنة على نهج التسوية، كما وقع وقدم في اوسلو.
يحضرني هنا ما قالة موشيه يعلون عندما كان وزيرا للامن "فليعلن الفلسطينيين عن انفسهم دولة او امبراطورية، هذا لا يعنيني، المهم هو أن نتحكم نحن بالواقع"، أي أنه ليس غريبا أن يكون اعلان الدولة الان هو في مصلحة اسرائيل، لأنها سوف تعارض الاعلان شكليا وتعتبره اثباتا على عدم جدية الفلسطينيين في الوصول الى سلام- وسوف تقول عمليا –وليس رسميا، ان هنالك للفلسطينيين دولة، وأن ادعاءات الفلسطينيين بالنسبة للاحتلال هي غير صحيحة، وأن ما تقوم به اسرائيل هو دفاع عن النفس مقابل "الارهاب الفلسطيني".
يسأل السؤال، لماذا تقوم القيادة الفلسطينية بذلك؟ الجواب هو باختصار: لان القيادة لا تملك مشروعا اخرا"، وهي غير معنية باي تحرك يوقف "مسار التسوية"، لان القيادة الفلسطينية لا زالت تراهن على وهم "اقناع الاسرائيليين" بحل الدولتين، واكثر من ذلك، لان القيادة الفلسطينية معنية شخصيا بما انتجته "عملية السلام": حكم ذاتي محدود جدا، يسمح للنخب والقيادات ان تتحرك وتتصرف وكأنها في دولة، بينما واقع حال الاحتلال هو اسوأ بكثير مما سبق اوسلو.. وغني عن القول هنا ان القيادة التي تسافر، وتحصل بسهولة على تأشيرات الخروج والدخول من منطقة السلطة، ووفرت السلطة لجزء كبير منها امتيازات مادية جدية، وتحكم في الشارع الفلسطيني، وظهور اعلامي، الخ.... لا يمكن ان "تقلب الطاولة" وتحدث تغييرا جديا في نهجها- رغم الخطاب العالي.
ما العمل؟ تتصرف القيادة الفلسطينية وكأننا امام نهاية النضال الفلسطيني وامكانيات التحرك، وهي بذلك تخالف الواقع، الذي ينتج يوميا حالات مثل عهد التميمي في النبي موسى وصياح الطوري في العراقيب ونضالات يومية في اللجوء والوطن، وتحركات شبابية في كافة اماكن تواجد الشعب الفلسطيني، منتجة مرة اخرى، جيلا سوف يهز الجيل القادم "قاومت فقاوم". هذه التضحيات كان يجب ان تؤدي بالقيادة الفلسطينية، ومنذ زمن ان توقف "عملية التسوية" والعمل جديا على توحيد الشعب الفلسطيني والوطن الفلسطيني في مطالبة جدية بتصحيح اثار النكبة وما تلاها من اعتداءات اسرائيلية على الشعب الفلسطيني، الان الوقت جاهز اكثر من اية فترة اخرى، ليس لزراعة الوهم في اقامة دولة فلسطينية في "الاراضي المحتلة"، بل الى الاستئناف على الواقع من خلال المطالبة بدولة واحدة ديمقراطية على امتداد الوطن الفلسطيني، ومطالبة العالم بمساندة الشعب الفلسطيني في نضاله هذا، والمراهنة على ان العالم ملتزم "بحل الدولتين" هو جزء من زراعة الوهم، بان حل الدولتين ما زال ممكنا وانه الحل الوحيد الممكن – وهي مسألة ينفيها المنطق البسيط.
القيادة الفلسطينية الحالية لن تستطيع القيام بذلك، وهي لا تستطيع ان تحمل وتنفذ مشروعا وطنيا متكاملا، وطبعا الاحتلال واسرائيل هو السبب الرئيسي لذلك، لكن هذا لا يعفي القيادة وخصوصا انها نفسها هي التي ساهمت في اعلان الجزائر، وتوقيع اوسلو، واقامة السلطة، والقبول عمليا بميزان القوى مع اسرائيل كموجه للتسوية، والتنسيق الامني، الخ... وعشرات الممارسات التي اوصلتنا الى هنا، وهي التي توهم الفلسطينيين بان الدولة قريبة والتحرر مسألة وقت (قصير جدا). هذه القيادة التي كان يجب ان تتنحى منذ زمن، لا تريد ان تتنازل عن امتيازاتها - وعلى ما يبدو فإنها لن تتنازل بسهولة، بعكس ما يتوجب عليه دورها ومصلحة الشعب الفلسطيني. طبعا يجب ان نذكر –والمقارنة هنا مستحقة- اين القيادات الاسرائيلية التي وقعت على اوسلو مقابل تمترس القيادة الفلسطينية؟
حري بالقيادة الفلسطينية، أن تدعو المجلس المركزي والمجلس الوطني وعموم نشطاء وقيادات الشعب الفلسطيني الى مؤتمر وطني مفتوح لنقاش ما العمل؟ وعلى رأس النقاشات يجب ان يكون مسالة اعادة بناء الحركة الوطنية بشكل جدي وليس من خلال مشروع "تقسيم الكعكة" بين فتح وحماس، وموضوع تغيير القيادة وانتاج قيادة فلسطينية متحررة من اعباء اوسلو والتزاماته ووهم حل الدولتين، وهذا يجب ان يكون من مصلحة القيادة الفلسطينية التي يجب ان تحضر قيادة تستطيع الاستمرار في النضال، اذا كانت معنية فعلا بالمستقبل الفلسطيني. وعندما نكون قادرين على الولوج في مسار انتاج قيادة جديدة وملتزمة تجاه الناس ومتحررة من الامتيازات... عندما نستطيع ان نخرج لشعبنا وللعالمين العربي والاسلامي وللعالم، بمشروع تحرر يعالج اثار النكبة وما تلاها.... لا ان نهدر طاقاتنا مرة اخرى – كما جرى منذ اوسلو- وان لا نقدم على نفس الخطأ مرتين... ومن نفس القادة!!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net