رغدة عوّاد في مقالها:
الى متى ستبقى قضايا المجتمع العربي والمشاكل التي يعاني منها، مجرد مشاكل مدونة على ورق
العنصريّة الاخذة بالازدياد في المجتمع الإسرائيلي تزيد من أزمة السكن في لدى المواطنين العرب
أزمة المسكن التي يعاني منها المجتمع العربي تختلف كثيراً عن مشكلة ارتفاع الاسعار في المدن الإسرائيلية
يقاسي المجتمع العربي في إسرائيل وبالأخص الأزواج الشابة من أزمة جِلفة، لا بل يصح القول بأنها خانقة في مجال السكن، فبالإضافة إلى ارتفاع أسعار السكن الذي بلغ المواطنين في اسرائيل على حد سواء، تشكّل الأزمة لدى المجتمع العربي خلاصة للتمييز الذي يعاني منه على مر سنوات طويلة بكل ما يتعلق بالأرضي المتاحة للبناء، والخرائط الهيكلية وتخصيص موارد سكن. هذا التمييزُ المستمر حصر المواطنين العرب أمام خيارات إسكان محدودة جداً داخل البلدات العربية.
إنّ أزمة المسكن التي يعاني منها المجتمع العربي تختلف كثيراً عن مشكلة ارتفاع الاسعار في المدن الإسرائيلية، والتي تداولها الاعلام والصحف منذ بضع سنوات. فإن كان العامل الرئيسي في ارتفاع أسعار البيوت في المدن الإسرائيلية، هو طلب ورغبة الشباب اليهود بالسكن في منطقة المركز بالأخص وقلة توفر العرض هناك، فان أسباب الأزمة في البلدات العربية تعود إلى عوامل عديدة، منها عدم توفر أراضٍ للبناء؛ عدم توفر خرائط هيكلية؛ عدم توفر بناء حكومي أو عمومي؛ عدم إقامة اي بلدة عربية جديدة منذ العام 1948؛ ومصادرة الأراضي.
مركبات الأزمة ومميزاتها
عدم توفر أراضي للبناء ومناطق نفوذ نتيجة لمصادرة الأراضي التي يمتلكها العرب، التي بدأت مع إقامة دولة إسرائيل، وتصاعدت مع مرور السنوات، تقلّصت الأراضي المُعدّة لبناء المساكن في البلدات العربية. مثلاً، على الرغم من نمو المجتمع العربي بوتيرة سريعة، فقد قلّ احتياطيّ أراضي هذه الشريحة السكّانيّة بنحو النصف !! بالاضافة الى ذلك، منذ قيام دولة إسرائيل، لم تُقام بلدة عربيّة واحدة ، مقابل نحو ألف مدينة وقرية يهوديّة أُنشأت منذ ذلك الحين.
عدم توفر خرائط هيكليّة محدَّثة
غالبيّة المدن والقرى العربية تفتقد إلى خرائط هيكليّة محدَّثة، المقصود هو تلك الخرائط التي تنظم البناء القانوني، وتمكن من إقامة مبانٍ سكنيّة بحسب الاحتياجات المتصاعدة. لم تتغير المساحات المُنسقة للسكن منذ أن تمت المصادقة على الخرائط الهيكلية قبل نحو عشرات السنين، في المدن والقرى العربية. إجراءات تجديد وتغيير الخارطة الهيكليّة لبلدة عربيّة تستقصي سنين عديدة، أي أنّ التغييرات والتحديثات في الخرائط، حتى وان تمت في وقت ما، فأنها لا تسد أبدًا فجوة تصاعد الاحتياجات. وبسبب عدم توفر الخرائط الهيكليّة، أو وجود خرائط غير محدَّثة، لا يتمكّن سكّان المدن والقرى العربيّة والأحياء العربيّة في المدن المختلطة من الحصول على تراخيص للبناء القانونيّ. في ظل عدم توفر الخيارات الأخرى، يضطر الكثير من المواطنين العرب لبناء بيوتهم دون ترخيص، والعيش في دوامة التخوّف الدائمة ممّا قد ينتج عن ذلك، أي هدم البيت.
عدم توفر مشاريع اسكان حكوميّة وتنمية في البنى التحتيّة
مشاريع الإسكان الحكوميّة، البناء العمومي والمِنح الاقتصادية، مثل مِنح وقروض الإسكان، ومِنح الأزواج الشابّة، تجاهلت ولا تزال تتجاهل المدنَ والقرى العربيّة والمواطنين العرب. بالاضافة الى ذلك، فأن الشروط التي تم تعيينها من قبل مناقصات توزيع الأراضي المنسقة للسكن، أقصت بشكل مباشر المواطنين العرب، نحو شرط الخدمية العسكرية. ان هذه السياسة التمييزيّة، إلى جانب الإهمال المدروس في تنمية البنى التحتيّة والخدمات العامّة في المدن والقرى العربيّة، أدّت إلى تأزم في الوضع ،وجعلت من البلدات العربية بؤر فقر وأزمات.
ظاهرة العنصريّة والتشريعات التمييزيّة
ظاهرة العنصريّة والتمييز يحاصران المواطن العربي عندما يخوض عملية البحث عن حلول سكنيّة خارج المدن والقرى العربية، اذ ان هنالك مشاريع إسكانية ليست بالقليلة مُعدّة لخريجي الجيش، الأمر الذي يؤدي الى اقصاء المجتمع العربي منها، بالاضافة الى قانون لجنة القبول الذي يُشرع سياسة إقصاء المواطنين العرب عن بلدات معينة ويمسّ بخيارات السكن لديهم، بسبب عدم ملائمتهم الاجتماعيّة، التي يدعوها
العنصريّة الاخذة بالازدياد في المجتمع الإسرائيلي تزيد من أزمة السكن في لدى المواطنين العرب، وتُضيق أكثر من خيارات السكن المتاحة لهم، تجدر الإشارة إلى الدعوات التي تُطلق من قبل وجهات معينة للامتناع عن تأجير أو بيع الشقق للعرب في المدن اليهودية.
غياب التمثيل في مؤسّسات التخطيط ومواقع صنع القرار
يصح القول، ان التمثيل اللائق للمجتمع العربي والسلطات المحلّـيّة العربيّة في مؤسّسات التخطيط المختلفة والأجسام المسؤولة قانونيًّا عن إدارة الأراضي في دولة إسرائيل، تقريباً معدومة وغير متوفرة. على سبيل المثال، التركيبة الحالية لمجلس إدارة دائرة أراضي إسرائيل، لا تضم أيّ مندوب عربي إطلاقاً، بالرغم من التمثيل لصالح اليهود فقط، على يد الكثير من المنظّمات الصهيونيّة في هذه الأجسام والمجالس.
سنة تلو الأخرى، نشهد تفاقم في ضائقة المسكن لدى المجتمع العربي، وعلى الرغم من عرض هذه المشكلة أمام المسؤولين، ووضعها على طاولتهم، وابراز أبعادها الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية، لا يزال الوضع على ما هو عليه، بل ويزداد سوءاً، مع وتيرة النمو السريعة للشريحة التي تعاني من هذه الأزمة. الى متى ستبقى قضايا المجتمع العربي والمشاكل التي يعاني منها، مجرد مشاكل مدونة على ورق، في أخر اهتمامات المسؤولين، وحتى عدمها على الاطلاق؟ الى متى ستبقى قضايانا مغيبة عن خارطة العمل؟ الى أين سيصل بمجتمعنا الحال بظل هذا التضييق السكني الخانق؟
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net