النائب إبراهيم صرصور رئيس القائمة العربية الموحدة/ الحركة الإسلامية في مقاله:
نتائج الحرب على غزة خلقت ارتباكا سياسيا اسرائيليا داخليا في أوساط حرب الليكود الحاكم والائتلاف الحكومي والرأي العام الاسرائيلي اكثر تعقيدا من ذلك الذي نشأ بعد حرب لبنان 2006 والحرب على غزة 2008 والتي كانت بداية العد التنازلي لعهد رئيس الوزراء السابق ( ايهود اولمرت ) وحلفائه
شكل العدوان الاسرائيلي على غزة وأعمال القتل والتدمير التي مارسها جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وضد ما انجزه خلال سنوات طويلة من اللجوء كاشفا فضح الموقف الغربي والموقف الخياني العربي لأكثر من دولة خصوصا مصر الانقلاب والسعودية والامارات وغيرها
لقد أفشلت المقاومة في غزة المؤامرة التي قادها التحالف المصري - الصهيوني – العربي – الأمريكي والذي حرص منذ ما قبل الحرب على اجتثاث مشروع المقاومة الاسلامية في فلسطين
رغم الحرب غير المتكافئة ورغم الحصار المفروض على حركات الاسلام المقاوم ورغم التضحيات والألم والدموع جاء انتصار غزة ليؤكد على مجموعة ثوابت على رأسها أولا الإيمان بالإسلام كقوة متحركة تحتاج من أجل التبشير بها إلى تجمع حيوي ومتحرك يفهم دينه على الحقيقة ويستوعب أساليب الدعوة وفنونها كما يستوعب الواقع وتحدياته واحتياجاته
الانتصار العسكري والسياسي الذي حققته المقاومة الاسلامية في غزة على المستويين القريب بشل القدرات العسكرية والسياسية الاسرائيلية عن تحقيق أي من اهداف حربها ، ووصول أكثر خبرائها إلى أن " زمن الانتصارات ، ودعوا الجيش ينتصر " قد وَلَّتْ إلى غير رجعة ، والاستراتيجي من حيث تعزيز ثقة الشعب الفلسطيني واحرار الأمة من المحيط إلى المحيط بموعود الله بالنصر والتمكين ، وبقدرتها على تحقيق النصر الشامل بالرغم من الخيانة والعمالة التي مارستها كثير من الأنظمة العربية علنا أثناء العدوان الصهيوني على غزة . هذا بالإضافة الى ان نتائج الحرب على غزة خلقت ارتباكا سياسيا اسرائيليا داخليا في أوساط حرب الليكود الحاكم والائتلاف الحكومي والرأي العام الاسرائيلي ، اكثر تعقيدا من ذلك الذي نشأ بعد حرب لبنان 2006 والحرب على غزة 2008 ، والتي كانت بداية العد التنازلي لعهد رئيس الوزراء السابق ( ايهود اولمرت ) وحلفائه وخصوصا وزراء الدفاع العماليين في الحربين (عمير بيرتس) و (ايهود باراك) ...
شكل العدوان الاسرائيلي على غزة وأعمال القتل والتدمير التي مارسها جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وضد ما انجزه خلال سنوات طويلة من اللجوء ، كاشفا فضح الموقف الغربي والموقف الخياني العربي لأكثر من دولة خصوصا مصر الانقلاب والسعودية والامارات وغيرها .
لقد اخرج انتصار المقاومة الاسلامية ( وليس العلمانية ) في غزة ، شعوبنا العربية والاسلامية من ( حالة الصدمة ) التي واجهتها الأمة وما تزال منذ أكثر من قرنين ، وَصَلَتْ واحدةً من ذراها في سقوط فلسطين والقدس ، تعرضت خلالها إلى اجتياحات عسكرية وفكرية نجحت إلى حد بعيد في تحقيق أهدافها والتي يمكن أن نحددها في اثنين رئيسيين : الأول ، تمزيق الأمة إلى قبائل وَشِيَعٍ ودويلات بأسها بينها شديد ، لا تعرف طعما للراحة والاستقرار ، همها المحافظة على مجموعة من المكتسبات المادية والامتيازات الدنيوية البعيدة عن كل طموح ، والخالية من كل رؤية خلاقة وأي شعور بالمسؤولية الجماعية القادرة على الانجاز السياسي والحضاري . والثاني ، بعثرة الجغرافيا العربية والإسلامية كما بعثرة الفكرة المُوَحِّدَةِ للأمة . فكما تَحَوَّلَ عالمنا العربي من إقليم واحد إلى أثنين وعشرين إقليما ، من ورائها عدد اكبر من الأقاليم الإسلامية ، فقد أصبحت المرجعية الفكرية على مثل الوضع الذي آلت إليه الجغرافيا والأمة ...
تأثير نصر المقاومة الاسلامية في غزة له تأثيراته العميقة في البنى النفسية لشعوبنا بالذات في هذه المرحلة التي تواجه فيه ثوراته التي بدأت منذ ثلاثة أعوام تقريبا في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا ، تحديات جدية ومؤامرة خبيثة نجحت في مصر بوقوع انقلاب دموي أعاد الاوضاع إلى أسوا مما كانت عليه في أكثر عهود استبدادها ظلامية منذ ثورة 23 يوليو 1952 وحتى نهاية عصر مبارك . إلا أن هذا الوضع المتأزم بدأ في التحلحل نوعا ما ... لقد أفشلت المقاومة في غزة المؤامرة التي قادها التحالف المصري - الصهيوني – العربي – الأمريكي ، والذي حرص منذ ما قبل الحرب على اجتثاث مشروع المقاومة الاسلامية في فلسطين ، والذي وجد في الحرب على غزة فرصته السانحة ، فعمل أطرافه في تناغم وتنسيق غير مسبوق للقضاء عليها ، فلما فشل انتقل الى الخطة ( ب ) وهي افشال المقاومة في تحقيق أي إنجاز سياسي ، وتمكين الاحتلال الاسرائيلي من تحقيق ما لم يستطع تحقيقه عبر آلته العسكرية ، فلما فشل في هذه أيضا انتقل الى الخطة ( ج ) وهي التقليل من إنجازات المقاومة وتسخيفها ، والعمل على الصاق الانجاز لأنظمة الخيانة العربية وعلى رأسها نظام الانقلاب المجرم في مصر ..
نصر غزة أكبر دليل وأصدق شاهد على القوة الكامنة في أعماق شعوب هذه الأمة ... فرغم الأوضاع التي ذكرت ، لم تفقد الأمة على مدى تاريخها الطويل والمعاصر على وجه الخصوص القدرة على مواجهة الأزمات ، حيث نشأت من خلال هذا التدافع بين الغرب ومخططاته والمسلمين ومقاوماتهم ، تيارات متباينة ، منها من جهة واحدة ، ما دعا إلى الاستسلام للغرب والتخلي عن كل الموروث الإسلامي ، ومنها من جهة ثانية ، ما دعا إلى قطع الصلة مطلقا بإبداعات العالم فكرا وحضارة ومدنية ، واللجوء إلى موروثنا الذاتي درءا للمفاسد والذي هو أولى عندهم من جلب المصالح ، فسجن نفسه في الماضي خوفا ، وخرج من التاريخ تماما تقريبا . ومنها من جهة ثالثة ، من دعا إلى الجمع بين موروث الأمة المعصوم والحاجة الفطرية إلى التجديد والإبداع في فروع الحياة وحاجاتها ، والتفاعل الايجابي مع ما ينتجه العالم في حدود المرجعية الإسلامية الرصينة ، وامتلاك القوة المادية القادرة عل حماية مشروع النهضة ( المقاومة المسلحة ) ، والتي تمثلها بامتياز في عالمنا العربي عموما وفي فلسطين خصوصا المقاومة الاسلامية ذات المرجعية الوسطية التي تستقي قيمها من الاسلام الوسطي العظيم والذي تمثله الحركات الاسلامية الوسطية وعلى رأسها حركة الاخوان المسلمون ...
لقد انتمى ( الإسلام السياسي ) كما يحلو للكثيرين تسميته في ظل الربيع العربي ووصول الإسلاميين إلى مقاليد الحكم عبر صناديق الاقتراع ، ومنه طبعا حركتنا الإسلامية في الداخل ، إلى التيار التجديدي الثالث ، حيث سعت الحركات الإسلامية منذ ولادتها إلى تحقيق صحوة إسلامية معاصرة ، رغم الظروف المميزة التي عاشتها وما تزال تعيشها في مواجهة التحديات الكبرى كجزء من صراع حول صياغة شكل الأمة ، فرضته داخليا علمانية استئصالية عربية ، وفرضته من الخارج قوى الاستكبار التي لطالما دعمت قوى العلمانية الدكتاتورية في الداخل بكل الطرق والوسائل ، وتحالفت علنا هذه المرة مع إسرائيل المحتلة في حربها ضد الإسلاميين...
رغم الحرب غير المتكافئة ، ورغم الحصار المفروض على حركات الاسلام المقاوم ، ورغم التضحيات والألم والدموع ، جاء انتصار غزة ليؤكد على مجموعة ثوابت ، على رأسها أولا ، الإيمان بالإسلام كقوة متحركة تحتاج من أجل التبشير بها إلى تجمع حيوي ومتحرك ، يفهم دينه على الحقيقة ، ويستوعب أساليب الدعوة وفنونها كما يستوعب الواقع وتحدياته واحتياجاته ... وثانيا ، القناعة بأن جماهيرنا المسلمة قريبة جدا من إسلامها رغم القطيعة المتوهمة بفعل الواقع ، معتزة به وفخورة بإنجازاته ومساهماته في بناء الحضارة الإنسانية لأكثر من أربعة عشر قرنا ، وهم كغيرهم بحاجة لمن يذكرهم بهذه الحقيقة وَيُجَلِّي لهم جوانب العظمة في هذا الدين الذي ينتمون إليه . وثالثا ، كشف زيف الدعاوى التي يروج لها البعض من أن التجديد والعصرنة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال العلمانية / اللادينية المطلقة ، ورابعا ، اليقين بأن شعوبنا تستطيع تحقيق المعجزات في معارك التغيير والتحرير ، فإن تخلت الأنظمة العربية والاسلامية الخائنة عن دورها ، فليس أقل من ان تنبري حركات المقاومة الاسلامية لسد هذه الثغرة غير مساومة على ثوابتها مهما كانت التضحيات .
من النتائج الحتمية المتوقعة لانتصار المقاومة في غزة على اسرائيل ، أنها سَلَّطَتْ الأضواء على حجم الجهود التي تبذلها قوى داخلية وخارجية هدفها إفشال تجربة الإسلاميين مهما حاولوا أن يقدموا من تنازلات تحقيقاً لعمل مشترك حقيقي ، وإقامةً لدولة مدنية قوية عادلة ... لم يعد غريبا بعد ان انكشف الدور الخياني الذي تبناه الانقلاب في مصر ضد المقاومة في غزة منذ وصوله الى السلطة في مصر في الثالث من آب 2013 ، وانتهاء بوقوفه العلني الى جانب إسرائيل قبل الحرب وأثناءها وبعدها ، لماذا تم استهداف مصر أساسا ، ولماذا كان هذا الانقلاب الدموي على أول تجربة ديموقراطية في مصر منذ مئات السنين ؟!!! لماذا في مصر بالذات ؟؟؟ لأن مصر هي أم العرب وكنانة الله في الأرض ، حيث يشكل نجاح التجربة الإسلامية فيها ، إيذانا بنجاح المشروع والبديل الإسلامي في العالم العربي والإسلامي كله ، والذي يعني انتهاء أسطورة العلمانية الاستئصالية إلى الأبد .. ولأن مصر مرتبطة مباشرة بفلسطين ، ولأن مركز الثقل الفلسطيني المقاوم موجود في غزة ، ولأن القوة السياسية الأولى في غزة هي الحركة الاسلامية التي تلتقي في فكرها مع حركة الاخوان المسلمين ، ونهاية لأن أمن إسرائيل رهين بطبيعة الوضع في هذه المنطقة بالذات .. لذلك كان لا بد من المسارعة إلى قلب نظام الحكم في مصر لصالح إسرائيل ، ولا يعدو دور السعودية والامارات في هذه اللعبة الدموية ان يكون منفذا لأوامر سيدتهما الولايات المتحدة الأمريكية ......
بناء على هذا الفهم لحقائق التاريخ ولطبيعة الواقع ، نستطيع الجزم ان انتصار المقاومة في غزة ، وانتصار حزب العدالة التنمية ( أردوغان واوغلو ) في تركيا ، والانتصار الوشيك للشرعية في مصر وانتهاك عهد الانقلاب الدموي ، ونجاح الانتخابات في تونس ، وانتصار الثورة في سوريا ، ستضع المنطقة كلها امام واقع جديد ترسم فيه شعوبُنا خريطتَها الجغرافية والسياسية من جديد استشرافا لمرحلة لن يكون فيها مكان لخائن ، وستخلو الساحة لمن ولاؤه فقط لدينه ولوطنه ولوحدة امته تمهيد لتحرير وفتح يعيد لنا عبق الفتح العمري والصلاحي ..
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net