رحل عنا يوم السبت في العاصمة الاردنية عمان المناضل الكبير والزعيم التاريخي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومؤسس حركة القوميين العرب الدكتور جورج حبش,واتقدم لأسرته ولشعبنا والحركة الوطنية وقادة وكوادر وأنصار الجبهة الشعبية التعازي الحارة بفقدان مناضل فلسطيني جسور وبطل قومي عربي.
لقد كرس حكيم الثورة وضميرها، كما كان يطلق عليه الرئييس الشهيد ياسر عرفات، كل حياته في النضال والكفاح من أجل قضية فلسطين ومن أجل القضية القومية العربية.
اننا نفتقد وشعبنا العربي الفلسطيني وكل مناضلي وأحرار الأمة والعالم، هذا الرجل الكبير والقائد العظيم، في هذه المرحلة التاريخية الصعبة التي تواجه قضيتنا الوطنية، حيث شكّل على الدوام صمّام أمان في كل مراحل العمل الوطني، وعزّز العميق القومي العربي والدولي الأممي لصالح القضيّة الفلسطينية، وتحقيق تطلُّعات شعبه في الحريّة والعودة والاستقلال، مناضلاً صلباً وقائداً ثورياً شجاعاً.
إنّ شعبنا لن ينسى لهذا القائد مآثره ومناقبه ودروه الوطني، حيث حرص على تعزيز الثورة ومواصلة دربها لتحقيق الأهداف التي قضى من أجلها القادة والشهداء.
قبل ايام خلت قرأت مقالا للرفيق راسم عبيدات بعنوان:"حكيم الثورة آخر ما تبقى من عمالقة النضال الوطني الفلسطيني"..فهل كان الرفيق عبيدات يعلم بان الرفيق القائد والمعلم د. جورج حبش في ايامه الأخيرة على وجه هذه الأرض؟ اجزم يا رفيقي راسم بان الحكيم كان اكبر واعظم عمالقة النضال الوطني الفلسطيني..ولكنني على ثقة تامة بان رحم وطننا الغالي سيبقى ولادا ولن يبخل علينا بانجاب مثله. وقد اختتم الرفيق عبيدات مقاله قائلا:" وختاماً نقول أن الحكيم، كان لربما كالمسيح فهو لم يتلوث في أي من قضايا الفساد لا المالي ولا السياسي، وما زال قابضاً على مبدئه، ومتسلحاً بنفس قناعاته وآرائه، وهو يمثل آخر جيل عمالقة النضال الوطني الفلسطيني، الذين تركوا بصماتهم على النضال العربي والفلسطيني، وحافظوا على أن تبقى قضية شعبنا حية"
الدكتور جورج حبش: مناضل فلسطيني كرّس حياته للعمل الدؤوب والمتواصل من أجل القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي ومستقبل أفضل للأمة العربية. طبيباً تحول إلى طريق النضال ليعالج جراح شعبه ويعيش هموم أمته، مؤمناً بالهوية العربية وبحتمية الانتصار وهزيمة المشروع الصهيوني على الأرض العربية
عندما بدأت الاتصالات السرية بين القيادة الفلسطينية وإسرائيل بإشراف ورعاية أمريكية بعد مؤتمر مدريد عام 1991 ونتج عنها اتفاق أوسلو عام 1993
عارض الدكتور حبش بشدة تلك الاتفاقيات التي أدت إلى إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني في مرحلة لاحقة، إيماناً منه أن هذه الاتفاقيات لم تلب الحد الأدنى من طموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة فوق تراب فلسطين وعودة اللاجئين إلى وطنهم
بعد قيام "السلطة الفلسطينية" وعودة الكثير من القيادات الفلسطينية إلى أراضي السلطة الفلسطينية، ربط الدكتور حبش عودته إلى تلك المناطق بعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين، رغم المناشدات والرسائل الكثيرة التي وجهت له، رافضا التخلي عن اللاجئين.
لقد مثل هذا القائد عشقه للوطن والثورة في سياق رده على مناقشة أتفاق السلام مع العدو الذي قال عنه الشهيد ياسر عرفات "إن هذا الاتفاق هو الممكن" فرد عليه حبش "إن الثورة الفلسطينية قامت لتحقق المستحيل لا الممكن".
من اقواله: "تستطيع طائرات العدو أن تقصف مدننا ومخيماتنا وتقتل الاطفال والشيوخ والنساء ولكن لا تستطيع قتل إرادة القتال فينا".
"لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه".
"أنا مسيحي الديانة ، اسلامي التربية، اشتراكي الفكر".
"لا عذر لمن أدرك الفكرة وتخلى عنها".
الاستقالة :
عام 2000 قدم استقالته من منصب الأمين العام للجبهة في المؤتمر السادس، فاتحاً بذلك فرصة لرفاق آخرين، معطياً بذلك المثل والنموذج للتخلي الطوعي عن المسؤولية الأولى، رغم تزامن هذه الاستقالة مع عدم رضاه على بعض المواقف السياسية التي اتخذتها الهيئات القيادية للجبهة آنذاك, وبذلك يكون قد حرص على تنفيذ قاعدة لم نعهدها في التاريخ العربي والتي تقول بانه لا يجوز للقيادات ان تبقي في مواقعها الي أن "يأخذ الله امانته" منها فأعطى جورج حبش مثالا حيا علي هذا المفهوم.
استمر الدكتور حبش بتأدية دوره الوطني والسياسي، فالاستقالة من الأمانة العامة للجبهة لم تكن تعني أبداً التخلي عن النضال السياسي الذي أمضى ما يزيد عن خمسين عاماً مكرساً حياته من أجله، فاستمر في تأدية هذا الدور، وخاصة في ظل الانتفاضة الثانية والمتواصلة، وبقي على تواصل دائم مع الهيئات القيادية للجبهة ومع كافة الفصائل الوطنية والمؤسسات والفعاليات الوطنية الفلسطينية والعربية، الرسمية منها والشعبية.
في زمن كهذا قل أن تجد إنسان ملتزم بمبادئه ولا يحيد عنها قيد أنملة..هذا هو الحكيم الذي عرفناه عن قرب,جبل المبادئ قد رسى ... فطأطأت التلال رؤوسا...! لقد زرع الراحل اسس الانضباط في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفي هذا السياق تستحضرني مقولته الشهيرة-( والذي اطلق عليه الشهيد عرفات لقب"حكيم الثورة")- "إما وديع، وإما الانضباط" والتي قالها في اعقاب قرار الجبهة ايقاف اختطاف الطائرات والعمل العسكري الخارجي لانه استنفذ, ولكن وديع حداد رفض ذلك واتخذ قرار بفصله بالرغم من انه كان الرجل الثاني في الجبهة.. وانتصر الانضباط واستشهد وديع وحيداً لأنه لم يمتثل للإنضباط رغم عدالة موقفه الكفاحي.
رحل عنا حكيم الثورة الفلسطينية في وقت نحن بأشد الحاجة اليه..وقت تعصف فيه حالة من التشرذم والتمزق لم تشهد لها قضيتنا الوطنية مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني..ولكنه القدر الذي لا يرحم قد اتخذ قراره...!ستبقى ذكراه حية- فالمناضلون الذين وقفوا في مقدمة صفوف الكفاح ضد الظلم والاضطهاد لا يموتون إذ تبقى طريقهم وسيرتهم وتضحياتهم منارة تسترشد بها الأجيال المتعاقبة في مسيرة الكفاح من أجل تحرير الأرض والإنسان.
وفي الختام ادعو الى إلى استلهام سيرة القائد الكبير وذكراه العطرة في سبيل توحيد الصف الفلسطيني ووضع حد للانقسام والانشقاق الحاصل في الساحة الفلسطينية.