المحامي أبو غوش:
القرار بت وتطرق لمسائل قانونية اساسية تتعلق في عبء الاثبات الجنائي وقاونين الادلة اضافة لاصول المحاكمات الجزائية
جاء قرار المحكمة العليا الاسرائيلية الهام في قضية طرشان، والذي كتبه القاضي سليم جبران، ليقر انه في القضايا المتعلقة بمحاكمة اشخاص متهمين بادخال او بتشغيل مواطنين من الضفة والقطاع في اسرائيل
اصدرت المجكمة العليا الاسرائيلية هذا الاسبوع قرارا هاما بخصوص كافة القضايا المتعلقة بادخال فلسطينيين او نقلهم او تشغيلهم داخل المناطق الاسرائيلية. وجاء هذا القرار استجابة للاستئناف الذي قدمه المواطن المقدسي محمد طرشان بواسطة المحامي ايهاب ابوغوش والمحامي ابراهيم خوري ضد قرار المحكمة المركزية في القدس والتي اقرت ادانة طرشان بمخالفة جنائية للقانون الاسرائيلي "قانون الدخول الى اسرائيل" بسبب تشغيله لمواطن فلسطيني من سكان الضفة الغربية لمدة شهر وذلك دون ان يكون بحوزة المواطن الفلسطيني تصريح دخول الى اسرائيل.
إيهاب أبو غوش
الملاحقة القانونية للفلسطينيين
وقال المحامي ايهاب ابو غوش، الذي ترافع باسم السيد طرشان امام المحكمة العليا الاسرائيلية (ولم يقم بتمثيله امام محكمة البداية في القدس), ان هذا القرار بت وتطرق لمسائل قانونية اساسية تتعلق في عبء الاثبات الجنائي وقاونين الادلة اضافة لاصول المحاكمات الجزائية. ففي السنوات العشر الاخيرة وخاصة منذ اندلاع انتفاضة الاقصى شددت النيابة العامة الاسرائيلية على تقديم الاف لوائح الاتهام ضد كل من نقل او اقل بسيارته او قام بتشغيل مواطن فلسطيني من سكان الضفة الغربية او قطاع غزة والذي لم يحمل تصريح للدخول او للعمل في اسرائيل. الواضح ان الاغلبية الحاسمة لمثل هذه الملفات الجنائية تم تقديمها ضد المواطنين العرب في اسرائيل الذين اصبحوا المستهدفين الاساسيين من تفعيل هذا القانون.
قرارات المحاكم المتهاونة في تجريم الفلسطينيين
وكما هو معلوم فهناك عدة امكانيات لدخول مواطنين فلسطينيين الى اسرائيل بواسطة تصاريح الصادرة عن السلطات الاسرائيلية, من ضمنها بواسطة تصاريح صادرة عن مكتب الادارة المدنية في الضفة, ومن وزارة الداخلية, ومن مكتب العمل التابع للادارة المدنية, وايضا بواسطة قرارات وأوامراحترازية الصادرة عن المحاكم الادارية. ففي السابق ولغاية صدور قرار المحكمة العليا في هذا الملف, صدرت عدة قرارات للمحاكم الاسرائيلية, الصلح والمركزية, ومن ضمنها قرار محكمة البداية بشان السيد طرشان, والتي اكتفت بتقديم ادلة اولية وبسيطة من قبل النيابة الاسرائيلية من اجل اثبات حقيقة دخول المواطن الفلسطيني الى اسرائيل او العمل فيها دون ان يكون بحوزته تصريح من احدى السلطات الاسرائيلية ولم تلزم المحاكم النيابة الاسرائيلية بتقديم كافة الادلة واقامة عبء الاثبات القانوني الملزم في قضايا جنائية. واضاف المحامي ابو غوش ان مثل قرارات المحاكم المذكورة المكتفية بتقديم ادلة بسيطة واولية من قبل النيابة الاسرائيلية, قد سهلت الطريق امام النيابة الاسرائيلية لتجريم مواطنين عرب بمخالفة قانون الدخول لاسرائيل ولادانتهم بارتكاب مخالفات جنائية بالاضافة لفرض العقوبات الصعبة على كل من تم ادانته مثل السجن الفعلي لعدة اشهر. في الوقت ذاته فرضت هذه القرارات واقع مرير على المتهمين وعلى محاميهم, وحملتهم عبء ثقيل وصعبت عليهم دحض وتفنيد مثل هذه التهم وصعبت عليهم اثبات براءة المتهمين.
قرار المحكمة العليا
جاء قرار المحكمة العليا الاسرائيلية الهام في قضية طرشان, والذي كتبه القاضي سليم جبران, ليقر انه في القضايا المتعلقة بمحاكمة اشخاص متهمين بادخال او بتشغيل مواطنين من الضفة والقطاع في اسرائيل, يجب على النيابة العامة في مثل هذه القضايا باقامة عبء الاثبات الجنائي كاملا ولا يمكن في مثل هذه الحالات تخفيفه او التهاون مع النيابة الاسرائيلية. كذلك اقرت المحكمة العليا انه لا يمكن الاكتفاء بتقديم النيابة الاسرائيلية لادلة بسيطة من اجل ادانة المتهمين بتشغيل او بنقل فلسطينيين خلافا للقانون الاسرائيلي, بل يتحتم على النيابة الاسرائيلية الحصول على كافة الادلة من السلطات الاسرائيلية المختصة باصدار تصاريح للمواطنين الفلسطينيين للدخول وللعمل في اسرائيل, بما في ذلك على النيابة الاسرائيلية الحصول على ادلة وافية ومقبولة من وزارة الداخلية والادارة المدنية وادارة الشرطة وغيرهم.
انتقادات موجهة للنيابة العامة
بالاضافة الى ذلك كررت المحكمة العليا في قرارها انتقادات واضحة لتصرف النيابة العامة الاسرائيلية بخصوص رصد الادلة اللازمة لاقامة عبء الاثبات في مثل هذه القضايا. وقد حاولت النيابة العامة خلال جلسات المرافعة امام المحكمة العليا بالتملص من مسؤوليتها لعدم تقديمها كافة الادلة المتوفرة لدى السلطات المختصة وتذرعت بالادعاء انه لا توجد جهة مختصة في وزارة الداخلية للقيام بمهمة اصدار الادلة اللازمة, وايضا بان هناك نقص في الموارد المادية اللازمة لتغطية المصاريف الخاصة بمثل هذه المهام. من جهتها رفضت المحكمة العليا قبول موقف النيابة العامة بشان عدم تقديم كافة الادلة من كل السلطات المختصة وشددت على توفر كافة الامكانيات القانونية والادارية والمادية لدى النيابة الاسرائيلية لتوفير مثل هذه الادلة للمحاكم المختصة.
اهمية القرار
واوضح المحامي ابو غوش ان قرار المحكمة العليا حسم الامر بالنسبة للتناقضات القضائية التي نجمت عن القرارات المختلفة للمحاكم في البلاد بكل ما يخص قضايا ادخال ونقل وتشغيل فلسطينيين داخل اسرائيل, وجاء هذا الحسم في صالح وخدمة الدفاع عن المتهمين في مثل هذه القضايا. واشار المحامي ابو غوش ان اهمية هذا القرار تكمن اولا بالغاء عبء الاثبات الجنائي المخفف والبسيط عن النيابة العامة من جهة, وفرض عبء الاثبات الجنائي الكامل والمستند لادلة كاملة تفي باقامة اليقين القضائي اللازم للادانة الجنائية من جهة اخرى. ثانيا, بموجب لقرار المحكمة العليا, اقرت المحكمة بانه على المحاكم الجنائية عدم الاكتفاء بتقديم النيابة لادلة اولية او معدودة او بسيطة كي يتم تحويل عبء الاثبات وتجريم المتهمين, بل واقرت انه لا يمكن ادانة متهمين بالقيام بمخالفات جنائية لقانون الدخول الى اسرائيل دون ان يقدم للمحكمة ادلة واثباتات مشروعة ووافية وصحيحة وواضحة والتي تثبت دون ادنى شك بان المواطن الفلسطيني دخل او عمل في اسرائيل دون ان يكون بحوزته تصريح يسمح له بذلك. وفي حالة عدم توفر هذه الادلة او بعضها عندها يجب تبرئة المتهم لعدم توفر الادلة اللازمة للادانة الجنائية. وقال المحامي ابو غوش ان لهذا القرار اثر هام ايضا في تعزيز وتقوية فرضية براءة المتهم, حيث ان الاصل في المحاكمات الجنائية ان كل متهم بريء حتى تثبت ادانته, وفي حالة توفر الشك, عندها يفسر هذا الشك لصالح المتهم ولتبرئته من التهم الموجهة له.
النتيجة العملية
واضاف المحامي ابو غوش انه في ظل الواقع القانوني الصعب في البلاد علينا ان نفهم صحيحا ماهية القرار ونتيجته العملية, فاننا نعيش في واقع اليم فيه يعتبر الشخص (وبالاخص الفلسطيني) مخلا بالقانون الجنائي لمجرد انه اقل في سيارته احد افراد عائلته وهوفلسطيني من سكان الضفة الغربية او قطاع غزة. وقد وصل الحال المؤسف انه قبل عدة سنوات ادانت محكمة البداية فلسطينيا من سكان احدى قرى المثلث لانه قام بنقل زوجته في مركبته داخل اسرائيل دون ان يكون بحوزتها تصريح للدخول لاسرائيل. وقال المحامي ابوغوش انه في مثل هذا الواقع الصعب علينا قراءة حقيقة واهمية قرار المحكمة العليا على الوجه الصحيح, فان المحكمة العليا من خلال هذا القرار لم تقم بالغاء جوهر قانون الدخول الى اسرائيل ولم تفتح المجال لنقل او لتشغيل فلسطينيين سكان الضفة والقطاع في اسرائيل دون ان يكون بحوزتهم التصاريح اللازمة, بل لا يزال يسري المنع القانوني لنقل ولتشغيل مواطني الضفة والقطاع بدون التصاريح اللازمة, ولكن قرار المحكمة العليا عزز فرضية براءة المتهمين, وجاء ليخدم المتهمين في كل ما يخص الاجراءات القضائية واصول المحاكمات الجنائية وخاصة في فرض عبء الاثبات الجنائي بكامله على النيابة وكذلك بالزامها تقديم كافة الادلة الصحيحة والمشروعة للمحاكم الجنائية.