- المحامي حسين أبو حسين :
* إسرائيل هي دولة عنصرية بامتياز والنظام العنصري لا يستطيع أن يكفل أو ينتج ثقافة عدل بل ينتج ثقافة عنصرية وعدوانية
* المرافعة القانونية لن تقودنا للمساواة بسبب طبيعة الدولة"؛ المحامي حسن جبارين: "على المرافعة القانونية أن تمتلك وعيا سياسيا وطنيا، فالمحاماة هي مهنة سياسية حرة تتدخل في علاقات القوة بين الطرفين"
- جرجورة :
* إن سياسة التمييز العنصري في جميع المجالات واضحة وبديهية، والمعاناة مستمرة منذ 1948 وحتى اليومكماوتوجد العديد من الأبحاث والوثائق التي تكشف عن الفظائع والجرائم
- حسن جبارين :
* فقط في عام 1976 ومع إعلان يوم الأرض تم الخروج عن الخطاب القانوني الحقوقي. "لا توجد أمة في التاريخ البشري تخلت عن المرافعة القانونية
التعامل مع القضاء يولد الغضب والاحباط، وعلينا إدراك محدودية مسار المرافعة القانونية. فتعريف الدولة كيهودية يعني وجود عناصر في الدولة غير قابلة للتغيير، وذلك بناء على عشرات القوانين التي تنص على تمييز عنصري واضح. وهذا يعني إننا كحقوقيين لا نستطيع تغيير الكثير من خلال القانون الإسرائيلي. ويبقى هامش المناورة خارج نطاق تعريف الدولة اليهودية، وهو نطاق محدود أصلاً"، هذا بعض ما قاله د. يوسف تيسير جبارين خلال ورشة عمل عقدها مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، تحت عنوان "العمل القانوني: أبعاد، تحديات وإشكاليات"، حيث يركز هذا الطاقم المحامي علاء محاجنة. يذكر أن مركز مدى الكرمل قد بادر لعقد عدة ورشات عمل ضمن مشروعه البحثي ("المشاركة السياسية" ) الرامي إلى فحص أدوات العمل السياسي التي استعملها المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل منذ عام 1948 وحتى اليوم، ومدى فاعلية هذه الأدوات وأسقاطاتها. وجاءت ورشة العمل القانوني لتختتم المرحلة الأولى التي تضمنت خمس ورشات عمل في مجالات مختلفة.
أفتتح ورشة العمل وأدراها، البروفيسور نديم روحانا، مدير عام مركز مدى ومدير مشروع المشاركة السياسية، حيث قال أن المشروع "يحاول إعادة التفكير بمجمل العمل السياسي للفلسطينيين في إسرائيل منذ 1948، وك لك خلق إطار للتفكير الجماعي بمشاركة الاكادميين، السياسيين والنشطاء السياسيين. نحن بحاجة ماسة للمراجعة والمشاركة الأكاديمية في اللعمل والتنظيم والفكر السياسي. فنحن هنا في قلب مواجهة فرضتها علينا الدولة اليهودية. ولكوننا العقبة المركزية أمام مشروع الدولة اليهودية، تتخذ هذه المواجهة طابعا خاصا وتفرض علينا العديد من التحديات". ثم تحدثت الباحثة في طاقم العمل القانوني، المحامية نسرين عليمي-كبها، التي عرضت أمام المشاركين الأسئلة البحثية لمناقشتها، مثل نوعية العلاقة بين العمل البرلماني والعمل القانوني ومدى التنسيق بينهما؛ نوعية الخطاب القانوني المستعمل: هل هو خطاب فرداني أم خطاب جماعي، وهل لدينا رؤية جماعية لعمل المرافعة؛ دور الجمعيات القانونية في المرافعة وتأثيرها؟ وغيرها.
"إسرائيل هي دولة عنصرية بامتياز والنظام العنصري لا يستطيع أن يكفل أو ينتج ثقافة عدل بل ينتج ثقافة عنصرية وعدوانية. لقد حان الوقت لتغيير خطابنا الحقوقي من خطاب أقليات إلى خطاب شعب أصلاني. هل إسرائيل هي دولة قانون، وما مدى صحة هذا السؤال؟ فأيضا جنوب أفريقيا كانت دولة قانون خلال الابرتهايد وكذلك ألمانيا النازية كانت تحكمها قوانينها الخاصة. لقد قطعت إسرائيل شوطاً كبيراً في الهندسة القانونية العنصرية المغلفة"، هذا ما قاله المحامي حسين أبو حسين، رئيس إدارة إتجاه، خلال محاضرته. وتوقف أبو حسين عند بعض الالتماسات التي بتت بها المحكمة العليا التي تكشف القناع عن الخطاب القانوني العنصري، مثل التماس ضد شارع 443 الذي يشكل نموذجا صارخا لنظام الابتهايد الذي تمارسه إسرائيل، حيث جاء في قرار المحكمة أن الأبرتهايد هو جريمة بشعة لكن المحكمة تنفي هذه الصفة عن الممارسات الإسرائيلية. وقال إن أكثر القوانين عنصرية في إسرائيل لا تذكر العرب أو الفلسطينيين بالاسم، باستثناء قانوني الجنسية والعودة.
أما د. يوسف تيسير جبارين، مدير مركز "دراسات" والمحاضر في كلية الحقوق في حيفا، فقال إن الخطاب القانوني يعتمد على خطاب المساواة ويجب إدراك محدودية هذا الخطاب بسبب طبيعة الدولة وتعريفها. وتساءل جبارين "هل المحاكم الإسرائيلية تستطيع أن تغيّر مكانتنا الجماعية؟ الجواب هو سلبي. لذلك يجب أن نقيس النجاح والفشل في عملنا القانوني بناء على محدودية الامكانيات التي يوفرها لنا القضاء الإسرائيلي". كما أشار أنه حتى من خلال هامش المناورة الضيق المتاح لنا فإن المحكمة الإسرائيلية تخذلنا المرة بعد المرة، فمن يقرأ قرار المحكمة العليا في قضية قعدان ضد مستوطنة كتسير، سيجد أن المحكمة اعتمدت في قرارها على رفع منسوب الدولة اليهودية، مقابل منحها عائلة قعدان حق السكنى في تلك المستوطنة. وقال إن المحاكم الإسرائيلية تعتمد في خطابها تعريفا أوسع ليهودية الدولة مما يحدده القانون الإسرائيلي نفسه. هذا وأشار د. جبارين إلى أن قرارات المحاكم الإسرائيلية تخلو من أي سياق تاريخي وقومي للملتمسين. وفي نهاية مداخلته قال: "ما هي إذن المعادلة الصحيحة في المرافعة القانونية؟ ُ فرغم ما أسلفت ثمة أهمية للعمل القانوني ضمن الهامش المتاح وخاصة بسبب وجود مؤسسات حقوقية ومعايير عالمية ولا يجب التنازل عن أي انجاز نستطيع احرازه. لكن يجب عدم المبالغة في الاعتماد على الادوات القانونية، وعدم التخلي عن أدوات الاحتجاج الجماهيري المختلفة خارج الاطار القضائي". المرافعة القانونية هي عملية سياسية، فالمحاماة هي مهنة سياسية حرة تتدخل في علاقات القوة بين الطرفين. ولا يجوز الحكم على المرافعة القانونية فقط بناء على النجاح في الالتماسات، هكذا قال المحامي حسن جبارين، مدير عام مركز عدالة. كما قال "إذا زار كائن غريب هذه البلاد سيجد فريقيين: أمة يهودية عندها السياسة فوق القانون، وسيجد الجدران، والاغلاقات، والحرب، والاغتيالات، وخرق القوانين والمواثيق الدولية؛ وفي الطرف الأخر أمة تحت الاحتلال وخطابها السياسي الوحيد هو خطاب قانوني، وكل عملها السياسي يقوم على أساس هذا الخطاب". وأشار جبارين أنه فقط في عام 1976 ومع إعلان يوم الأرض تم الخروج عن الخطاب القانوني الحقوقي. "لا توجد أمة في التاريخ البشري تخلت عن المرافعة القانونية. فكل شعب تحت الاضطهاد، وفي كل مكان توجد فيه علاقات قوة، توجد مرافعة قانونية، وخاصة في ظل نظام كولونيالي. طبعا يولد هذا الخطاب عدة اشكاليات".
كما قال جبارين أنه يجب التعامل مع المرافعة القانونية بناء على ما تقدمه لنا. "يجب أن نعرّف الذات الجمعية وأن نعرّف مطالبنا من الآخر، ومن هو الآخر. هذه خطوة أولى نحو مجال أوسع هو القانون الدولي. والخطاب القانوني لا يًخلق سيادة سياسية، بل على هذه أن تسبق الخطاب، وعلى الخطاب أن ينطلق منها". هذا وتطرق جبارين خلال كلمته لإشكاليات المرافعة القانونية، وأهمها خلق الوهم لدى الشعب الواقع تحت الاضطهاد بوجود نظام ديمقراطي وعدالة. لكنه نفى مقولة إن المرافعة القانونية تشرعن الاضطهاد. وفي نهاية كلمته قال جبارين أن ثمة ضرورة لفهم ووعي العمل السياسي وعدم التخلي عنه وضربه من خلال المرافعة القانونية، كما يجب عدم التخلي عن المرافعة لكن دون الاسراف بها، بل اتقان استعمالها لما قد تخلقه من اشكاليات لدى المؤسسة الحاكمة.
افتتح الجلسة الثانية وأدارها بروفيسور ميخيائل كريني من كلية الحقوق في الجامعة العبرية، فتحدث عن أهداف المرافعة الدولية، محدوديتها، خطورة النتائج الوهمية. وقال أنه وفي بعض الأحيان تكون النتيجة الفعلية تراجعا عن الأمر الواقع. ثم تساءل: هل ثمة جدوى من المرافعة القانونية، هل توجد نتائج فعلية، أم إن القوى المهيمنة هي التي تسيّر مجرى الأمور وتتحكم بها؟ بداية تحدث القاضي المتقاعد، رايق جرجورة الذي قال :" إن سياسة التمييز العنصري في جميع المجالات واضحة وبديهية، والمعاناة مستمرة منذ 1948 وحتى اليوم. وقال أنه توجد العديد من الأبحاث والوثائق التي تكشف عن الفظائع والجرائم، لكن السؤال كيف نواجه هذه المخاطر، أو كيف نقلل من خطورتها، هل عن طريق التوجه للمحاكم، أم هل نتوجه للعمل السياسي فقط، أم يجب الربط والدمج بين العملين. "التوجه للقضاء لن يغيّر الكثير، وخاصة إنه (القضاء) محكوم بقوانين عنصرية سيئة، وحتى لدى النجاح باستصدار قرار لصالحنا، فإن السلطة التنفيذية لن تطبق القرار كما حدث في قضية أقرث وبرعم"، قال جرجورة. وأكد أنه ثمة فرصة لحل بعض القضايا الفردية العينية من خلال المحاكم، لكن ليس القضايا الجماعية. ودعا سعادة القاضي إلى ضرورة محاولة التحدث إلى الشارع اليهودي لشرح أوضاعنا ومطالبنا بشكل مباشر ودون وساطة. بعده تحدثت د. هالة خوري-بشارات، من كلية الحقوق في جامعة تل أبيب، التي تحدثت عن المسارات المختلفة للمرافعة الدولة، وقالت إنها جزء من المرافعة القانونية المحلية، وجزء من نضالنا كشعب. وذكرت د. خوري ثلاث مسارات متوفرة للمرافعة الدولة: مسار الأمم المتحدة ولجانها؛ المحاكم الدولية؛ ومسار تقديم دعاوى في محاكم دول أجنبية مختلفة. وشددت د. خوري على ضرورة استنفاذ جميع الوسائل القانونية المحلية قبل التوجه إلى المحافل الدولية، لضمان قبول الدعاوى. كما أشارت د. خوري-بشارات إلى صعوبة المرافعة الدولية من قبلنا كأقلية وتقديم دعاوى ضد جرائم حرب، أو جرائم إبادة جماعية، أو جرائم ضد الانسانية، وقالت: "بالنسبة لنا يجب أن نفكر كيف نستطيع إدخال تعريف الجرائم الدولية لتقديم دعاوى ضد إسرائيل، وعلينا هنا استغلال الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل خلال حرب 1948".
"ما مدى امكانية توظيف الخطاب الحقوقي وما هي مخاطرة بالنسبة لنا كأقلية، كيف نفهم معنى الخطاب الحقوقي، وخاصة إن القانون على خلاف السياسة والأيديولوجية يقوم على التجريد من الماضي، المستقبل، والغايات. فالقانون هو جزيرة من الاتفاق في بحر من الخلافات"، قال د. رائف زريق، من مركز مينرفا للآداب في جامعة تل أبيب. كما قال إن القانون لا يطمح الى تحقيق العدالة الاجتماعية، فهو ينظر إلى الحدث القانوني والحقائق ذات الصلة، فالقانون هو لحظة متمحورة في الحاضر. ثم تساءل "كيف يستطيع أصحاب قضية سياسية عادلة أو جرح تاريخي مفتوح توظيف القانون بعلاقتهم مع الدولة. الفنتازيا الليبرالية تقول أن القانون فوق كل شيء، وعلى القانون لجم القوة، ويتم النظر إليه كملاذ أخير لانصاف المظلوم. أما الماركسية فتقول إن القانون هو ظل للسياسة، وإن الأساس هو العلاقات السياسية والأيديولوجية. فالقانون هو كلب حراسة السياسة، وبهذا المعنى فهو القناع الجميل الذي تضعه الدولة لتغطية وجهها البشع". وفي انتقاده لهذه التوجهات قال د. زريق إن النموذج الليبرالي يخفق في فهم علاقات القوة، بينما يغفل التوجه الماركسي عن حقيقة ضرورة إن يكون القناع نفسه جميلا حتى يستطيع تغطية الوجه البشع. فالقانون لا يستطيع تجميل وجه السياسة إن لم يكن هو نفسه جميلا. "ثمة مساحة بين القوة السافرة وبين محاولة التجميل، وهذه المساحة هي مجال المناورة الوحيد للحقوقيين والسياسيين. فالقناع لا يستطيع أن يصبح وجهاً حقيقياً"، قال د. زريق. كما قال أنه وفي الحالة الإسرائيلية فإن المجال الوحيد المتاح هو مجال القضايا العينية، ثم تحدث عن الثمن الذي تتطلبه المرافعة القانونية وقال: "ثمة خطورة في استبداد المهنيين، حيث تتم صياغة جميع الأسئلة بلغة مهنية تدفع إلى إغتراب بينها وبين الجمهور. ففي هذا المجال تتم قوننة كل سؤال وإعادة انتاجه قانونيا، الأمر الذي يتطلب لغة قانونية مجردة من التاريخ ومن المستقبل. هذا الأمر قد يخلق الوهم بأن المسألة هي فقط مسألة مهنية ويجب إتقان المهنية من أجل النجاح. ثم إن الإسراف في المرافعة القانونية يؤدي إلى الكسل الفكري والسياسي والأخلاقي. فالاصرار على الحقوق بلغة القانون يستوجب وضع التفكير جانباً. كما إن خطاب القانون يبعدنا عن ايجاد لغة مشتركة مع الأغلبية اليهودية، ويبعدنا عن ايجاد حل وسط تاريخي. حيث لا علاقة للبحث عن حلول وسط بالمحاكم".