الرئيسية مقالات

اسرائيل ومرحلة الترتيبات الأمنيّة لا الحلول السياسية 

أمير مخول
نُشر: 14/08/25 21:00
اسرائيل ومرحلة الترتيبات الأمنيّة لا الحلول السياسية 

في مقابلته مع القناة 12 الاسرائيلية 14/8 وعشية انهاء مهمته، يقول اوري غوردين قائد القيادة الشمالية في الجيش إنّ الوضع على الجبهة الشمالية هو الامثل مقارنة بأية مرحلة سابقة، ويدعو الى اعادة سكان البلدات الحدودية الاسرائيلية كما ويشدد على القرار الحكومي الخاطيء جوهريا بإخلائهم في بداية الحرب في اكتوبر 2023. يضيف غوردين بأن اسرائيل قد حققت انتصارا استراتيجيا غيّر جوهريا ملامح هذه الجبهة وأنهى مفهوم طوق النار الذي كان يحيط باسرائيل. 
فيما يشيد بهذه الانجازات تسفي هاوزر الضليع في السياسة والاعلام، الا انه يحذر من عدم استكمال المهمة بانهاء نزع سلاح حزب الله نهائيا، معتبرا اللحظة مؤاتية اسرائيليا ولبنانيا وامريكيا وفرنسيا وحتى إقليميا، واذا لم يحصل الامر فسوف يرتد على اسرائيل لاحقا. 
في القراءة:
يوجد قناعة واسعة داخل المؤسسة الاسرائيلية بضرورة الانجاز وبشكل سريع ومكثف لكامل اهداف الحرب على الجبهة الشمالية. تقوم هذه القناعة وفقا لتسفي هاوزر في يسرائيل هيوم 14/8 على التحولات الحاصلة في لبنان، والتي يعتبرها ارتدادية لحرب "السيوف الحديدية" التي هزمت فيها اسرائيل حزب الله. فيما تضاعف الأثر بسقوط نظام الاسد في سوريا وصعود نظام الشرع، والدور الاسرائيلي المتاح في هذا البلد وتحوّل سوريا من امتداد للاستراتيجية الايرانية حسب الكاتب الى تقطيع هذا الامتداد. 
تشير القراءات الاسرائيلية الى ما يورده كل من غوردين وهاوزر، باعتبار الحرب على لبنان هي الحرب المثالية من حيث الإعداد طويل الامد، والقراءات الاستخباراتية غير المتوقفة وفي الجانب الحربي الحاسم. كل ذلك الى جانب المخرج السياسي الاستراتيجي من الحرب والذي اتقنته اسرائيل بخلاف الحرب على غزة. يعتبر هاوزر بأن التحولين الاكثر أثرا في لبنان هما زعزعة شرعية حزب الله وسقوط النظام السوري وتسديد ضربة جوهرية لايران. كما يؤكد على أن الجمع بين ضعف حزب الله وضعف إيران أتاح فرصة نادرة للقضاء التام على تهديد حزب الله، وإن لم يحصل هذا الامر ودونما اي توقف، فإنه سيمنح الحزب أكسير الحياة ليعود مجددا بقدراته الكبيرة المتبقية، مما يتطلب حسب هاوزر الإجهاز عليه في هذه المرحلة وبالاستناد الى الوضع العسكري والجيوسياسي المستجد. بخلاف ذلك يرى المستوى العسكري ممثلا بالجنرال غوردن بأن احتمالية الرجوع للوراء لما قبل العام 2023 لم تعد قائمة.
بناء عليه، فإن التفاعلات اللبنانية الداخلية قد تكون مصيرية، لكنها لا تحدث ذاتيا فحسب، بل بفضل الضغط العسكري المكثف والمتواصل حتى ضعضعة المعادلات اللبنانية الداخلية. وتقوم اسرائيل باعتماد الدور الامريكي لتغيير موقف الدولة اللبنانية وخلق معادلة تقول اما تهديد استقرار الدولة وبقائها وإما احتكارها للسلاح. كما تستفيد اسرائيل من الموقف الفرنسي في مسألة نزع سلاح حزب الله، حتى وان تناقضت مواقف البلدين بصدد مصير الدولة اللبنانية والعدوان الاسرائيلي المتواصل، حيث ترى فرنسا بضرورة تعزيز السيادة اللبنانية بما يتماشى مع النفوذ الفرنسي التاريخي وعدم اخضاعها لمشيئة اسرائيل. 
لضمان ذلك هناك اجماع في الموقف الاسرائيلي بصدد مواصلة العمل العسكري الحربي في لبنان فيما يوفر الموقف الامريكي الضوء الاخضر اذ يقوم على تحميل الدولة اللبنانية المسؤولية، فإن ارادت ان تقوم الولايات المتحدة بإيقاف الهجمات الاسرائيلية واستباحة سيادة البلد، على الحكومة اللبنانية انجاز نزع سلاح حزب الله بالكامل وبرقابة امريكية دولية وضمن جدول زمني محدد. 
يأتي الموقف الامريكي على الرغم من احتمالية ان تؤدي هذه الضغوطات الى اقتتال لبناني داخلي يمس في جوهر سيادة البلد ويهدد وحدة البلاد كما تشير الاعلامية سمدار بيري، وهي تلمّح الى ربط الصراع اللبناني الداخلي بالتحولات والصراعات الهوياتية في سوريا والتي تهدد وحدتها الاقليمية، وبدورها تهدد وحدة لبنان ودول عربية اخرى.
تحذّر القراءات الاسرائيلية من ان ايران تقوم بخطوات نحو اعادة بناء وتطوير قدراتها لاحتمالية مواجهة مستقبلية مع اسرائيل، وبأنها لن تسلّم بانهيار "وحدة الساحات" بل سوف تلجأ الى معادلات ردع وفقا للمعطيات القائمة بعد الحرب مع اسرائيل وبعد وصول حزب الله في لبنان الى مرحلة من التهاوي حسب هذه القراءات، وعلى الرغم من انه لا يزال يحتفظ بقدرات قتالية كبيرة ولا تزال الجبهة الشمالية هي الاكثر تحديا، الى ان يتم حسمها سياسيا لبنانيا بعد ان حسمتها اسرائيل حربيا.
لا يبدو في الافق اي احتمال لتراجع اسرائيل عن ربطها هي بين الجبهات، فالمنطقة العازلة ونزع السلاح هما نمط الفعل الاسرائيلي الحالي المسنود امريكيا والمقبول الى حد كبير دولياً. كما انه مسنود عربيا رغم اختلاف المنطلقات جوهريا بصدد نزع سلاح كل من حزب الله في لبنان وحماس في غزة. عربيا بمفهوم الامن القومي ومن اجل سيادة الدول وليس التنظيمات وكي لا تقوم الاخيرة بفرض حالة من الحروب الاقليمية ذات الابعاد الدولية. فيما أنّ اسرائيل على الاقل في هذه المرحلة ليست معنيّة بأية حلول سياسية بل تعتمد الحلول العسكرية وفرض شروطها كأولوية تسبق التطبيع او الحديث عن انضمام سوريا ولبنان الى الاتفاقات الابراهامية. 
تدلل اولوية اقامة المناطق العازلة في سوريا ولبنان وفلسطين (غزة)، الى ان احتمالية انسحاب اسرائيل الكامل من قطاع غزة غير واردة، وهناك شبه اجماع قومي حولها. كما ستستخدم ذريعتها بنزع سلاح حماس وإنهاء حكمها واعتبار غزة منطقة منزوعة السلاح اي سيكون لاسرائيل النفوذ العسكري الحربي المستدام لمنع دخول السلاح الى غزة ولمنع تصنيعه او تصنيع ما تعتبره اسرائيل سلاحا. ثم ان منع عودة المهجّرين الى ركام مدنهم باتت سياسة حربية اسرائيلية في غزة كما في جنوب لبنان. 
في الخلاصة،  يوجد اجماع في القراءات الاسرائيلية بالانتصار التام على الجبهة الشمالية، وعلى تدهور وضعية حزب الله لبنانياً واعتبار ذلك فرصة اسرائيلية تاريخية مدعومة امريكيا. فيما لا يبدو حدوث اي تراجع اسرائيلي في المدى المنظور عن تطبيق استراتيجية المناطق العازلة في لبنان وسوريا وغزة، ما يعني فعليا احتلال مناطق وتوسيع حدود اسرائيل. كما أن استقرار لبنان داخليا ليس بالمسألة المفروغ منها حسب الاولويات الاسرائيلية، بل لا تزال الاخطار بتدفيعه ثمن الحرب الاقليمية على حساب سيادته.
تبدو الحلول الأمنية والاتفاقات الأمنية هي الطاغية في هذه المرحلة ولا من حلول سياسية حقيقية وعادلة حتى وإن كانت مطروحة سياسية ودبلوماسيا.