الرئيسية مقالات

هل يمكن تحقيق الوحدة وإعادة بناء القائمة المشتركة؟

أحمد ناصر
نُشر: 14/08/25 14:46
هل يمكن تحقيق الوحدة وإعادة بناء القائمة المشتركة؟

كلنا نعيش على شاطئ واحد، نتشارك نفس الرمل ونواجه ذات البحر، لكن كل واحد منا يبني مركبه في زاوية منعزلة، يظن أن الريح ستدفعه وحده نحو برّ النجاة. هكذا هو حالنا اليوم؛ صوتنا العربي متفرق، موجاتنا تتلاطم في اتجاهات شتى، وقواربنا الصغيرة تتيه في عرض السياسة دون ميناء يلمّها. كانت القائمة المشتركة يومًا شراعًا واحدًا جمعنا، مهما اختلفت ألوان الأشرعة وتباينت اتجاهات الرياح، لكنها مع الزمن تشققت ألواحها، وتفرقت أيدي بحارتها بين حسابات المقاعد وحسابات القلوب.

الوحدة ليست شعارًا يُرفع في موسم الانتخابات، بل هي جسر طويل من الثقة المتبادلة، تبنيه إرادة صلبة لا تهتز أمام إغراء السلطة أو خوف الخسارة. إن إعادة بناء القائمة المشتركة تعني أكثر من مجرد التحالف بين أحزاب، إنها دعوة لإعادة صياغة مفهوم العمل السياسي العربي بحيث يكون الناس في المركز، وتكون قضاياهم اليومية هي البوصلة: التعليم، السكن، الصحة، الأمن، والحقوق المدنية.

لكن الطريق إلى الوحدة محفوف بالأشواك. هناك الخلافات الأيديولوجية التي تضخمها الكلمات، وتغذيها الذاكرة التاريخية للصراعات القديمة، حتى باتت الحوارات تُبنى على ما يفرق لا على ما يجمع. وهناك أيضًا المصالح الشخصية التي تختبئ خلف شعارات المصلحة العامة، كما يختبئ الصخر الحاد تحت وجه البحر الهادئ. وإلى جانب ذلك، نجد الجمهور نفسه متأثرًا بهذا الانقسام، يحمل ولاءات ضيقة كأنها جزء من هويته، فيدافع عن انتماء حزبي أكثر مما يدافع عن انتمائه الوطني الجمعي.

ورغم كل ذلك، فإن الوحدة ليست حلمًا مستحيلاً. التاريخ القريب يقول لنا إنها ممكنة حين تتغلب الإرادة على الكبرياء، وحين يدرك الجميع أن الكرامة السياسية ليست في احتكار القرار، بل في المشاركة فيه. لقد أثبتت التجربة أن الصوت العربي الموحد قادر على كسر جدار التجاهل وفرض نفسه على جدول القضايا الوطنية، بينما الصوت المشتت يضيع بين الجدران.

إعادة بناء القائمة المشتركة تحتاج إلى جرأة أخلاقية قبل أن تحتاج إلى تحالف سياسي، إلى قلوب تعرف أن الاختلاف سنة كونية، وأن اليد التي تصافح خصم الأمس يمكن أن تبني معه غدًا أفضل. نحن بحاجة إلى رؤية تتجاوز الأشخاص إلى المبادئ، وإلى ميثاق شرف يضمن أن تكون المصلحة العامة هي الحكم عند الاختلاف، لا الحسابات الضيقة.

قد يبدو الطريق طويلًا ومليئًا بالعواصف، لكن البحر علّمنا أن الموجة لا تقوى على الغريق إذا تشابكت الأيدي. لعل السؤال الحقيقي ليس: "هل يمكن أن نتوحد؟" بل: "هل نحن مستعدون لأن ندفع ثمن الوحدة من كبريائنا وأنانيتنا؟" فإذا كانت الإجابة نعم، فحينها فقط يمكن أن نعيد رفع الشراع المشترك، ونبحر معًا نحو أفق واحد، حيث لا يُكسر صوتنا ولا تغرق أحلامنا في عمق النسيان.

نحن أبناء الأرض الواحدة، والماء الواحد، والسماء الواحدة. يجمعنا الألم قبل أن تجمعنا السياسة، وتوحدنا الحاجة قبل أن توحدنا الشعارات. لسنا أعداء لأننا نختلف، ولسنا خصومًا لأننا نفكر بطرق متعددة. قوتنا ليست في تشابهنا، بل في قدرتنا على إدارة اختلافنا دون أن نهدم الجسر الذي نعبره معًا.

اليوم، ندعو كل قيادة وكل ناشط وكل إنسان يرى نفسه جزءًا من هذا الجسد، أن يضع الخلاف جانبًا، ويجعل المصلحة العامة هي الميزان. ندعو إلى قائمة مشتركة حقيقية، تُبنى على برنامج يخدم الناس أولًا، برنامج يواجه العنف والقتل والفقر، ويطور التعليم، ويضمن الكرامة والسكن والأمن لكل الناس.
نحن لا نطلب المستحيل، بل نطلب ما هو حقنا: أن نكون كتلة واحدة أمام من يحاول تفريقنا، وأن يكون صوتنا متحدًا حتى يسمع بوضوح في كل مكان. الوحدة ليست رفاهية، إنها شرط للبقاء والكرامة.
فلنفتح صفحة جديدة، لا نكتبها بأقلام الحزبية الضيقة، بل بأقلام الأمل والمسؤولية. ولنقلها واضحة: لن تفرقنا المقاعد، ولن تكسرنا العواصف، ما دمنا متمسكين ببعضنا، وما دامت أشرعتنا متجهة إلى أفق واحد.