حينما يحتلك الحزن لا يلبث الا ان يستوطنك المرض: وقفة مع كتاب "مستوطن في رأسي" للكاتب محمد سليم يوسف

قد يهتم احدنا وينزعج حال سماعه بمرض من يحب او المه الما جسديا، ويبدأ تلقائيا في التفكير بالطريقة المثلى للتخفيف عنه كأن يقترح عليه ان يأخذه الى الطبيب مثلا، ومنا من يذهب الى ابعد من ذلك، ويقترح عليه ان يأخذ قرص دواء مسكن للألم، على الرغم من انه ليس متخصصا في الطب ولا في اي مجال قريب أصلا و لكنه حب المساعدة و التطوع التي نبررها دائما بالنية الطيبة، ولكن هذه الطيبة تتحول في اغلب الأحيان الى لامبالاة، واهمال اذا كان الألم نفسيا ليس فقط من محيط الشخص بل للأسف من الشخص نفسه أحيانا.
فمنذ الصغر يربى الطفل في بعض المجتمعات ان الرجل لا يبكي، وان الألم النفسي عادي "كلنا تعبانين"، وهنا تكمن المشكلة حيث ينتج هذا المنطق اشخاصا يعانون من شرخ في مشاعرهم يحتاج الى علاج مداواة، واحتضان خوفا من ان يصبحوا اباء وأمهات غير مؤهلين مستقبلا لتربية جيل صالح للحياة من الممكن ان يتحمل مسؤولية مجتمع وامة.
ولكن ما ابحثه تحديدا في هذا المقال هو مسألة ان صح التعبير عنها انها عضوية صحية حقيقية مستندة الى الآية الكريمة في سورة يوسف حيث قال تعالى واصفا حال يعقوب عليه السلام في حزنه على ابنه و قرة عينه يوسف عليه السلام "وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)" سورة يوسف.
فقد ابيضت عينا نبي الله يعقوب عليه السلام وكف بصره وهو من هو في الصبر والاحتساب والمقام في النبوة من اثر الحزن وهذا ان دل فإنما يدل على وقع الأثر النفسي على الحالة الجسدية الصحية فإن الله تبارك وتعالى اعلم حيث يضع رسالته وليس ابيضاض عينا نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام دليل نقص ايمان وتسليم لله معاذ الله فأنبياء الله هم اكثر الناس رضى وتسليم لأوامره تبارك وتعالى ولكنه الهم و تأثيره على النفس البشرية.
وان كان الحزن قد اذهب بصر يعقوب عليه السلام وهو من هو فما بالك في ما قد يحدثه في غيره من الناس ؟
هذا المعنى يظهر جليا في كتاب "مستوطن في رأسي" للكاتب محمد يوسف حيث يصف الكتاب كيف يمكن للضغوطات النفسية والحزن ان تحول الجسم الى مرتع للأمراض التي قد تصل الى الأورام أحيانا، يروى الكتاب كيف تتراكم الاحداث والمسببات تاركة وراءها جسد منهك يعاني صاحبه من ضغوط نفسية قادت الى تكون ورم كبير في رأسه، وكان كل ذلك نتيجة لإهمال نفسي وصحي ظنا منه ان الحالة النفسية والصحة امران منفصلان تماما، وهو ما ثبت له خطأه في نهاية الكتاب وانه يجب ان يدفع هذا الثمن، وان يتعايش مع الورم الحميد الذي يحتاج متابعة دائمة ويعاني من بعض العوارض أحيانا وكان هذا هو الحساب الذي سيدفعه طيلة حياته ربما ومن يعلم ان كان سيدفع أي تكاليف أخرى!
حيث ان الورم الحميد لم يكن اول فاتورة بينه وبين جسده، ولكنه الفاتورة الأكبر فقد سبق اكتشاف هذا الورم اكتشاف الرجفان الاذيني والرفرفة الاذينية، وهما مرضان قلبيان في كهرباء نظم القلب يسببان الشعور بالاعياء وزيادة النبض وصعوبة التنفس، ويحتاجان الى علاج دوائي دائم او شبه دائم وهذا ما وصفه يوسف في كتابه المذكور كثمن لضغوطات نفسية سابقة أيضا.
دراسات علمية استند عليها الكاتب في كتابه لإثبات علاقة المرض العضوي بالحالة النفسية
1) دراسة للمركز الوطني للأورام في أمريكا أظهرت أن الضغط النفسي قد یسبب تكون ھیاكل تعُرف باسم "مصائد العدلات خارج الخلیة " والتي تساھم في بیئة تساعد على نمو الأورام وانتشارها.
2) دراسة نشرت في مجلة "Heart Rhythm" والتي تناولت العلاقة بين الضغط النفسي و الرجفان الاذيني، وجدت أن الأفراد الذین یعانون من مستویات عالیة من الضغط النفسي، سواء الناتج عن العمل أو الحیاة الشخصیة، كانوا أكثر عرضة لتطویر الرجفان الأذیني. كما أظھرت أن القلق والاكتئاب یمكن أن یسھمان في تفاقم الأعراض لدى الأشخاص الذین یعانون بالفعل من الرجفان الأذیني.
3) في تقرير جمعية القلب الأمريكية عن الضغط ودوره في زيادة هجمات الرفرفة الأذينية، نشر موقع جمعية القلب الأمريكية تحليلًا أكّد أن التوتر النفسي لا يمكن تجاهله كعامل مساهم سواء في ظهور الرفرفة أو تفاقم نوباتها. النصيحة كانت أن السيطرة على التوتر جزء أساسي من إدارة المرض، جنبًا إلى جنب مع العلاج الطبي.
نصائح ممن قطع شوطا في المرض لحياة نفسية افضل:
ابتعد عن كل ما يستنزفك :- قلل من نشرات الاخبار المزعجة و التي لن تستطيع ان تغير من واقعها شيئا، ابتعد عن أي نقاش مشحون لا طائل منه، حافظ على عادات صحية كمواعيد النوم المنتظمة مثلا
حافظ على نشاط بدني خفيف، اجعل لك شخصا مقربا تشاركه ما يثقلك من خواطر، الصلاة في وقتها وقراءة القران، اجعل لك وقتا تعتزل الناس فيه، اذا زادت الضغوط و لم تستطع التأقلم ليس عيبا ان تستعين بمختص يساعدك في ان تتخطى مشكلتك.