الرئيسية خاطرة

الأسماء والمسمّيات

الشيخ عبد الله
نُشر: 12/08/25 20:56
الأسماء والمسمّيات

الأسماء والمسمّيات
الشيخ عبد الله عياش- عضو حركة الدعوة والاصلاح 
لقد استطاع الشيطان منذ القرون الأولى، أن يُضلّ الناس عن طريق الله بأسلوب خبيث غايةً في الدهاء والمكر، حيث عَمَد إلى الأصنام الصمّاء البكماء التي لا تضرّ ولا تنفع؛ فأطلق عليها اسم الآلهة، فانطَلَت الخدعة على الناس وابتلعوا الطُعم وصاروا يعبدون أحجارًا آلهة لا تضر ولا تنفع! فأرسل الله الأنبياء والرسل يبصّرونهم بخدعة إبليس ويقولون لهم: {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} سورة يوسف،40، قال الزمخشري: "يعني: أنكم سميتم ما لا يستحق الإِلهيّةَ آلهة، ثم طفقتم تعبدونها، فكأنكم لا تعبدون إلا أسماءً فارغة لا مسميات تحتها".

ولم يقف اللعين عند هذا الحدّ، لكنه صوّب سهامه بعد ذلك إلى الأنبياء عليهم السلام، فنعتهم بأسوأ النعوت، ونسب إليهم أقبح العيوب، كالكذب والسحر والجنون، قال تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون}سورة الذاريات،52 ،هذا وهم صفوة الخلق وخيرة البشر.

هذا الأسلوب الشيطاني الخبيث، تبنّاه أبالسة البشر في هذا الزمان، فلم يتركوا حلالًا طيبًا إلا وألبسوه أقبح الألفاظ، ولم يتركوا حرامًا خبيثًا إلا وخلعوا عليه صفات الجلال والجمال، والغاية من ذلك لا تخفى على المؤمن البصير؛ إنها محاولة لنقض عُرى هذا الدين، والنيل من شرعه المتين.

تتصفح وسائل التواصل فتجد خبرًا بعنوان (النجمة الفلانية في أحدث إطلالة)، ولا أقصد بهذا المثال عبارة (أحدث إطلالة) التي هي في الحقيقة إغراء وإثارة، وإبراز للمفاتن وإظهار للعورات، ولكني أقصد قولهم (النجمة)؟! فأي علاقة بين النجوم العالية المُرتفعة، التي تمتاز بالإنارة وتهدي الحيارى، وبين هذه المرأة التي تتمايل على المسرح بلباس فاضح وتنطق بكلام فارغ، فتجعل الجمر الذي يقبض عليه الشباب أكثر إحراقًا ونارًا! ولكنه التلاعب بالأسماء فتنبّه!

قل مثل ذلك في الربا المحرم، الذي هو من كبائر الذنوب، بل من السبع الموبقات، بل إن الله أعلن الحرب على آكله فقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}سورة البقرة،278-279. هذا الموت الزؤام والهلاك الأكيد يسمونه (فائدة)! تأمل كلمة: فائدة، مفيد، فوائد. ولكن أي فائدة تنتظر الإنسان الذي أعلن الله عليه الحرب! فيا لبُعد الهوّة بين الاسم والمسمّى.

وتلك الخمور والمسكرات، التي هي أم الخبائث والمفاسد والشرور؛ تُسمى اليوم (مشروبات روحيّة)، كأنهم يقولون لك: إذا تعبت روحُك ونفسُك، وازداد قلقُك واضطرابُك، فتناول (مشروبًا روحيًا) يزول كل ذلك عنك! مع أن المشروب الروحي الحقيقي هو كلام الله، قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} سورة الرعد،28. وقد أخبر النبي ﷺ عن وقوع هذا في أمته فقال: "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها"، فلاحظ قوله صلى الله عليه وسلم: يسمونها بغير اسمها!!

وإذا أرادوا إفساد المرأة بإقناعها أن تلبس ما تشاء، وأن تترك الحشمة والحياء، وأن تختلط بالرجال دون حدود وضوابط، وتمازحهم وتصافحهم بل وتعانقهم؛ سموا ذلك (تحرير المرأة)! وهكذا تستجيب الشعوب والجماهير، وتستسيغ هذا العسل الذي أشبع سُمًّا.

وفي المقابل؛ لم يألوا أولئك جهدًا في تشويه صورة الدين وأهله، فإذا التزم المسلم شرع ربه وصفوه بالمتشدد، وإذا طلب الرجوع إلى حكم الله نعتوه بالمتخلف، وإذا قال للظالم: كفى، وصموه بالإرهاب. والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكنك لا تجدها في كلام أحد كما تجدها في كلام القادة والساسة والناطقين باسم الحكومات شرقًا وغربًا، ومنها حكومات عربية مع كل أسف، فيا لَله من كثرة الأفواه التي تبتغي إطفاء نور الله، وصدق الله العظيم لما قال: {يريدون  ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون} سورة الصف،8.

فينبغي أن تكون أخي القارئ على وعي وبصيرة، لا تغرك الأسماء البرّاقة ولا المصطلحات الرنانة، ولا يؤثر في التزامك تشغيبهم على الإسلام العظيم، وقد منّ الله عليك بخير كاشف وخير دليل، دين كامل وشريعة تامة، فكل شيء يعترضك من هذه الأسماء فسلّط عليه ضوء الكتاب والسنة، فيكشف لك عن جوهرها، ويظهر لك مكنونها، ويريك حقائقها، والله يتولانا وإياك بحفظه.