غَيْرة- قصة للأطفال

كثيرًا ما سأل أمجد الصّغير أمّه معاتبًا :
متى سيأتي أخي جميل يا أمي ، إنّني أشتاق إليه ؟
وتضحك الأمّ قائلة : قريبًا يا بُني ، عندما يريد الله فهو الذي يعطي....وتضيف ضاحكة : أتمنّى أن لا تندم ، وأن تُحبّه فعلا.
ويصيح امجد : بالأمس قلتِ لي قريبًا ، متى يأتي " قريبًا " هذا.
ويرفع امجد عينيه نحو السماء وهو يقول : أرجوكَ يا الله ، أرسل أخي سريعًا فنحن نشتاق اليه ونرغب بمجيئه.
وتبتسم الأُمّ ابتسامة خفيفة وهي تنظر الى صغيرها ابن السّادسة بحنان
وجاء " قريبًا" ...وجاء معه جميلٌ الطفل الصغير ، الطّفل الملاك ، " النغنوش " ...جاء وجاءت مَعَهُ الفرحة .
وعاد أمجد من صفِّ البُستانِ في ذلك اليوم متلهفًا لرؤية أخيه العائد منَ المَشفى ، ليجد العائلة كلّها تلتفّ حوله تلاعبه وتراقبه وتباركه. .
فها هي الجدّةُ أميرة تحملُهُ برفقٍ وتُقبّله وهي تقول :
ما أحلاك ... ما أغلاك يا أروع ملاك .
وتناغيه الخالة وداد : أغّو ... أغّو يا حُلو ، يا قَمَر ، أغّو يا بهجةَ النَّظَر .
وتُزغردُ العمّةُ وفاء فَرَحًا .
ويبتسم امجد من بعيد ؛ يبتسمُ ابتسامةً باهتةً ، ثمّ يبتعد قليلًا وهو يراقبُ المشهدَ ويقول في نفسِه : " جميل شو ؟ وين الجَمال ؟ لا شَعَر على رأسه ولا أسنان في فمه ، فماذا يُحبّون به يا تُرى ؟!!
فتنتبه الأم وتقوم إليه تعانقه:
أنتَ أنتَ الأمير يا أمجد، أنت الحُلُو فعلًا .
أنتَ الكبيرُ الذي سيساعدني عندما يستحمّ أخوك .
وتمرّ الأيامُ والفصولُ وجميل يكبر وينمو ويناغي ، وأمجد ينطوي على نفسه، وقد قلّت شهيته للأكل ، وأضحى يبكي في كلّ صباح ، إنه لا يريد أن يذهب إلى المدرسة ، وفي كلّ يوم هناك حجّة وسبب ، فبالأمس أحسّ بوجعٍ في بطنه ، واليوم في رأسه . حاولت الأم إقناع صغيرها أنّها تحبّ الاثنين ، بل تحبّه أكثر لأنه الكبير وخفيف الظّلّ.
وفي احدى الأُمسيّات أدخلت الأم امجد لينامَ في غرفته بجانب أخيه جميل ، وأوصته أن يُصلّي كما يفعلُ في كُلِّ مرّة .
ووقفت عند الباب تُراقبه .
فشبك امجد يديه الصغيرتين وصلّى ببراءة :
أرجوك يا ربّ ...أرجوكَ أن تأخذ اخي جميل ، إنّنا لا نريده...إنه يُغلّبنا...خذه أرجوك.
وسحّت الدموع من عينيه..
ثُمّ ما لبث أن قامَ واتجه نحو سرير أخيه ، وقلب الأُمّ يخفقُ بشدّةٍ وقالت : " دَخيلَك يا ربّ " .
واقترب أمجد من أخيه الذي كان على وشكِ النّوم فإذا به يبتسم له ويقول بلثغة جميلة : أ. م . ج . د. " بَحبَّك "
فارتمى امجد عليه وراح يُقبّله ويُداعبه :
جميل ؛ حبيبي جَميل ، حبيب أخي .وركع امجد من جديد ، ورفع عينيْهِ نحو العّلاء :
أرجوكَ يا ربّي ، احفظهُ لنا أرجوك ...انّني أُحبّهُ .
واجهشتِ الأُمّ بالبُكاء ؛ بكاء الفرح ، وراحت تُقبّل أمجدَ تارةً وجميلًا أُخرى.