الرئيسية قصة

  العفو عند المقدرة

زهير دعيم
نُشر: 08/08/25 09:46
  العفو عند المقدرة

في سهل جميل أخضر بين أحضان الطبيعة الجميلة ، عاشت  فرس وأتان عيشة سعيدة ، مليئة بالاحترام المتبادل والتقدير .

وكان للفرس مهر صغير جميل يُدعى " مهرون" ، وللأتان  جحش صغير أسمته "حمرون" ، وكان مهرون  وحمرون صديقين حميمين يلعبان دومًا في ربوع الطبيعة الجميلة .

 وكان لكلّ من الفرس والأتان قطعة من الأرض تقع الواحدة بجانب الأخرى .

زرعت الفرس حقلها الصغير بالملفوف ، في حين زرعت الأتان حقلها بالخسّ ، على أن تأكل إحداهما من منتوج  حقلها وتبيع ما تبقّى.

لم تعجب الجيرة الحسنة التي ربطت الفرس بالأتان ، الثعلب المكّار السّاكن في المغارة القريبة ، فقرّر أن يضرّ بهذه العلاقة ، فتسلّل في إحدى الليالي إلى حقل الاتان المزروع بالخسّ ، وقلع وأتلف الكثير ، وحَمَلَ معه بعض الخسّ ورماها في حقل الملفوف ، وعاد إلى مغارته ينتظر طلوع الفجر بشوق .

  في الصباح الباكر حملت الأتان  كعادتها فأسها واتجهت نحو حقل الخسّ ، لتقلع الأعشاب الضّارة ، وكم كانت مفاجأتها كبيرة حين رأت الخراب الذي أصاب حقلها ، فترسّمت الأثر حتى قادتها قدماها إلى حقل جارتها الفرس ، فرأت الكثير من الخسّ مرميًا هناك ، فتأكّد لها أنّ هذا العمل من فعل الفَرَس ، فأخذت تصرخ وتلوم جارتها على فعلتها ، والفرس المندهشة تنكر وتقسم انها لم تقم بهذه الفِعلة الشنعاء .

وفي الليلة الثانية ، وكانت ليلة حالكة السّواد ، تسلّل الثعلب إلى حقل الملفوف ، وعاثَ به فسادًا ، وحمل كالمرّة السابقة بعض المنتوج ورماه في حقا الخسّ .

تأكّدت الفرس في صبيحة اليوم التالي أنّ جارتها الأتان ، هي التي قامت بهذا العمل ، فصرخت بها من بعيدٍ واتهمتها بالانتقام والتخريب.

تكررت أعمال الثعلب حتى أصبحت العلاقة بين الجارتين سيّئة جدًا ، فلا صباح الخير ولا مساء الخير ، بل نظرات محمومة.

على انّ هذه العلاقة السيئة لم تؤثّر على صداقة مهرون وحمرون فظلّا صديقين حميمين ، وان تضايقا من سوء العلاقة التي تربط أهلهما .

فكّر مهرون وحمرون طويلا في حلِّ المشكلة ، وأخيرًا قرّرا أن يفعلا شيئًا.

عندما حلَّ المساء أخذا يحفران سِرًّا بين حقليها حفرة كبيرة وعميقة ، غطياها بالقشّ ، ثم عاد كل واحد إلى بيته ، وناما حتى الصّباح والأفكار تدور في رأسيهما الصغيرين.

وعندما طلع  صباح اليوم التالي ، وكعادتها هبَّت الفرس والأتان تتفقدان حقليها وتتوقعان تَلَفًا جديدًا .

 وما أكبر المفاجأة حين سمعا من بعيد صُراخًا واستغاثةً آتيًا من الحدّ الفاصل بين الحقلين ، فتوجهتا إلى هناك لتجدا الثعلب المكّار يبكي ويصرخ في الحفرة العميقة.

تعانقت الجارتان وسالت دموع الفرح  من أعينهما ، خصوصًا عندما حضر مهرون وحمرون وكشفا السرَّ وأخبرا والدتيهما من أنهما كانا متأكديْنِ بأنّ هناك فتنة.

وكم كبر مهرون وحمرون في عينيّ الوالدتين ، حين اقترحا أن يُخرجا الثعلب من الحفرة ويسامحانه ، فالعفو عند المَقدِرة!!.

أدارت الفرس وجهها نحو حقلها ، وأنزلت ذيلها الطويل إلى الحُفرة ، فامسكَ به الثعلب وخرج وهو يعتذر ويدعو لمهرون وحمرون بطول العمر .

عاد الثعلب إلى مغارته منكّس الرأس ، وهو يتعهّد بانه لن يعود إلى خُبثه وحيله !!!

ثم افترشت العائلتان  التراب وراحوا يأكلون بنهم مرة من الخسّ وأخرى من الملفوف .