الرئيسية مقالات

اسرائيل: توسيع حدودها و"الاستقرار بالقوة" في لبنان

أمير مخول
نُشر: 08/08/25 00:50
اسرائيل: توسيع حدودها و"الاستقرار بالقوة" في لبنان

منذ دخول وقف اطلاق النار بين اسرائيل ولبنان حيز التنفيذ في اواخر نوفمبر 2024، تسيطر اسرائيل على الاجواء اللبنانية، ويقوم سلاح الطيران بتحليقاته وغاراته المتتالية واحيانا المكثفة في المجال الجوي اللبناني وتنفيذ اغتيالات وتصفيات لعناصر من حزب الله واحيانا من تنظيمات فلسطينية، كما تتمسك اسرائيل بالمواقع العسكرية المستدامة حاليا في الاراضي اللبنانية، وتمنع اية عودة للنازحين اللبنانيين الى بلدات الجنوب وأية مساع لاعادة اعمار هذه البلدات او استغلال اراضيها للزراعة.
وفقا للتقديرات الاسرائيلية فإن قرار الحكومة اللبنانية يوم 5 اب/اغسطس بشأن حصر السلاح بيد الدولة لغاية نهاية العام الجاري، يشكل فرصة لتصعيد التدخل الاسرائيلي في لبنان مدعومة من الولايات المتحدة التي تدير المحادثات مع لبنان نيابة عنها وعن اسرائيل.
تفيد صحيفة معاريف 6/8 بأن الاضرار الكبيرة التي يتعرض لها حزب الله هي نتاج عمليات الجيش السوري في منع نقل الاسلحة والعتاد الحربي من ايران عبر سوريا الى حزب الله. كما تؤكد الصحيفة في تقرير لها بأن "نجاعة العمليات السورية تتفوق بشكل جوهري على ما يقوم به جيش لبنان".
بدورها، تنقل صحيفة يسرائيل هايوم عن المحلل الامني شاحر كلايمان بأنّ حالة من القلق الشديد تسود في حزب الله نتيجة للغارات الاسرائيلية غير المتوقفة. كما يساوره القلق من الضغوطات العلنية الاعلامية والسياسية على حكومة لبنان كي تتخذ قرارات ترضي اسرائيل وتتصالح معها. كما يترافق مع الضغوطات الدولية على لبنان لجدولة حصر السلاح في الدولة اللبنانية.
في تقرير اخر لصحيفة معاريف 4/8 نقلا عن وكالات الانباء، فإن سوريا على طريق التطبيع مع إسرائيل.. والآن ينتقل الضغط إلى لبنان "لمحاكاة النموذج السوري والاستعداد للتطبيع مع إسرائيل." هذا الاحتمال لا يتأتى من تلقاء نفسه وفقا لاسرائيل بل انه ينتج عن الضغط الحربي الاسرائيلي والتهديد المستدام، وكيّ وعي اللبنانيين وتطبيع حالة السيطرة الامنية الاسرائيلية على لبنان. بموازاة هذا التهديد تحضر الاغراءات باحتمالية ان يحصل لبنان  على مساعدات وثروات كما هو الأمر مع سوريا حاليا.
تقوم التقديرات الاسرائيلية، بناء على معاريف، على انه لم يكن صعود احمد الشرع إلى السلطة مصادفةً، بل هو نتيجة هندسة جيوسياسية مُدبَّرة. تتضمن هذه الخطة تركيز السلطة في مناطق مُعيَّنة، وتصوير مناطق أخرى على أنها مناطق فوضى تتطلب تدخلاً خارجيًا ولا سيما من إسرائيل وتركيا، وفي ظل الوجود الدائم للولايات المتحدة. فيما بانسحاب إيران وروسيا، اللتين دعمتا النظام السابق، خرجت سوريا من محور المقاومة، مما يُعزِّز رغبة مختلف الأطراف في ترسيخ واقع تقسيم فعلي.
بنظرة اسرائيلية لا يزال الوضع في سوريا هشًا. فالانقسامات الجهوية والمناطقية، وانهيار البنية التحتية، وغياب المؤسسات الموحِّدة، تجعل بناء دولة موحَّدة مهمة شبه مستحيلة في المدى المنظور. وبينما تتلقى سوريا مساعدات سخية، يواجه لبنان ضغوطًا متزايدة لتبني النموذج السوري، وهي خطوة خطيرة تتجاهل التعقيدات الطائفية والمؤسسية المميزة للبنان والتي شكّل اتفاق الطائف 1989 اطارا توافقيا سعودسا سوريا وداخليا لبنانيا لضبطها. فيما الضغط الامريكي الاسرائيلي قد يدفع إلى صراعات دامية.
تتعامل اسرائيل مدعومة امريكيا وفقا لمعيار الاغراءات بالقوة، وتستحضر النموذج السوري في الجانب الاقتصادي. فبينما يتنافس العالم على بناء البنية التحتية في سوريا، بما في ذلك خط أنابيب غاز من أذربيجان عبر تركيا بدعم قطري، لا يزال لبنان ينتظر وعودًا قديمة بإمدادات الغاز عبر الأردن وسوريا. هذه الوعود، التي أطلقها المبعوث الأمريكي السابق آموس هوشتاين ، أُلغيت حاليا. والنتيجة ان سوريا تحصل على الغاز ولبنان ينهار.
لا تنحصر هندسة الهيمنة الاسرائيلية على لبنان في الجانب الاقتصادي بل تتكرر فكرة تقاسم لبنان كما سوريا على اساس مناطق نفوذ. اضافة الى استحضار النموذج السوري في مسألة محادثات التطبيع بين البلدين والتي تتقدم رغما عن احتلال اسرائيل مناطق واسعة من سوريا منذ العام 2024 تضاف الى احتلال الجولان 1967. تواصل القوات الاسرائيلية عملياتها في سوريا بريا وجويا وتبني استحكاماتها الثابتة داخل الاراضي السوري في مسعى للهيمنة على كامل المنطقة جنوب دمشق ولغاية درعا شرقا والحدود اللبنانية غربا. الرسالة إلى لبنان واضحة حسب المصدر ومفادها بأن يستعد للتطبيع مع إسرائيل وتقسيم الأراضي. دخلت سوريا بالفعل في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، بينما تواصل القوات الإسرائيلية توغلها وعملياتها على الأراضي السورية.
يُظهر الواقع السوري سلطةً نجحت في ترسيخ وجودها بدعمٍ خارجي، لكنها لم تُنشئ دولةً موحدةً بعد. ولا يُخفي الدعم الدولي لحكم احمد الشرع واقع الانقسام الفعلي وخطر انتقال هذا النموذج إلى الدول المجاورة، وفي مقدمتها لبنان. اذ لا يكمن الخطر الحقيقي في السلاح أو الاقتصاد فحسب، بل في طرح "الاستقرار بالقوة" كبديلٍ للدولة ومؤسساتها، وهو ما يُمثل وصفةً لفوضى طويلة الأمد.
تربط اسرائيل بين الاستقرار في لبنان ومخططات متداخلة لكل من سوريا ولبنان. قبل فترة وجيزة نقل الاعلام الاسرائيلي المسعى لمخطط تبادل اراض بين اسرائيل وسوريا، والمقابل هو تبادل اراض لا تملكها اسرائيل باراض سورية تحتلها، والحديث عن ضم مناطق في شمال لبنان ومنطقة طرابلس حصريا الى سوريا مقابل تسليم سوريا بتوسيع حدود اسرائيل في اراضيها وعلى حساب سيادتها، وفعليا تحويل ما كان يسمى "طوق النار" الى طوق المناطق العازلة داخل دول الجوار.
استنادا الى تقديرات المحلل الاستراتيجي في هارتس تسفي بارئيل فإن اسرائيل تقوم بتوسيع حدودها، كما وتقوم بنسخ نموذج من سيطرتها في قطاع غزة الى كل من لبنان وسوريا. ينطلق هذا النموذج من المنطقة العازلة التي أنشأها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة والتي ينوي الحفاظ عليها حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار ينهي الحرب. يضيف بارئيل بأن إسرائيل تهدف إلى تطويق نفسها بمناطق عازلة ومناطق نفوذ  في لبنان وسوريا أيضا، حتى وإن كانت السيطرة عليها قد تحبط أي محاولة مستقبلية للتوصل إلى اتفاقيات سلام أو على الأقل ترتيبات أمنية وسياسية مستقرة.
يعتمد تسفي بارئيل على ان رؤية أرض إسرائيل الكاملة لم تعد تقتصر على الضفة الغربية وقطاع غزة. بل كما يصرح الوزير سموتريتش، فإن حدود الدولة ستمتد أيضًا إلى الأراضي اللبنانية، وبأن الجيش الاسرائيلي لن ينسحب من النقاط الخمس التي يتواجد فيها داخل الأراضي اللبنانية. و"لن يُعاد بناء القرى الشيعية التي دُمرتها اسرائيل. 

في الخلاصة، فإن مشروع اسرائيل القائم على توسيع حدودها في غزة ولبنان وسوريا هو قيد التطبيق الفعلي، ويبدو ان توازنات القوى الجديدة تتيح لها ذلك، فيما سياسيا تسعى الى ذلك حتى ولو على حساب اتفاقات سلام وتطبيع، بل فرض امر واقع بالقوة.
لا تكترث اسرائيل لسيادة لبنان بل ترى بها منطقة مصالح، وجزء من الملف الاسرائيلي السوري حتى وان كان الموقف السوري خلاف ذلك، وفعليا تسعى حكومة اسرائيل لتقويض كل الاسس التي قام عليها اتفاق الطائف 1989.
لا تأخذ حكومة اسرائيل بالحسبان الموقف العربي وحصريا السعودي المعني بحماية لبنان وضمان استقراره على اساس اتفاقات الطائف او اتفاقات مطوّرة تستند اليها، وكذلك الموقفين المصري والاردني المعنيين باستقرار كل من لبنان وسوريا. فكرة توسيع الحدود هي مصدر خطر ابعد من حدود غزة ولبنان وسوريا بل يشكل تهديدا للامن القومي العربي وحصريا لدول الجوار. فيما أن هذه االاطماع الاسرائيلية نتاج الحرب، هي مصدر خطر وقلق اقليميين لكن لا يعني انها ستنجح بالضرورة.