المدرسة والمكان: دعوة لتربية ترتبط بالجذور

المدرسة والمكان: دعوة لتربية ترتبط بالجذور
بقلم: د. غزال أبو ريا
في ظل التحوّلات المتسارعة التي يشهدها مجتمعنا، تبرز الحاجة إلى تربية تعيد بناء العلاقة بين الطالب ومحيطه، بين الإنسان والمكان. فالتعليم لا يقتصر على الصف والجدران، بل يمتد إلى الحقل، إلى العين، إلى المتحف، إلى الشارع الذي نسير فيه يوميًا دون أن نعرف قصته.
من هذا المنطلق، أدعو المدارس العربية إلى تعزيز نهج الجولات التعليمية داخل البلدة والمحيط القريب كجزء من العملية التربوية. ليس بوصفها نشاطًا ترفيهيًا، بل باعتبارها أداة فعالة لتعزيز الانتماء، واستحضار الذاكرة الجماعية، وربط الماضي بالحاضر.
تأتي هذه الجولات كفرصة تربوية للتفاعل مع الحي، مع الناس، مع التاريخ المحلي، ومع القصص التي لا تُدوَّن في الكتب المدرسية. فهي تعزّز الانتماء، وتُنمّي الهوية، وتفتح نوافذ لفهم أعمق للواقع والتاريخ، وتشجع على التفكير النقدي والانخراط المجتمعي.
مدينة سخنين نموذجًا حيًا
في سخنين، يمكن أن تكون زيارة سهل البطوف تجربة تعليمية غنية. في هذا السهل الذي طالما ارتبط بالفلاحة والعمل اليدوي، يسمع الطلاب من كبار السن حكايات “العزبة”، حيث كانت العائلات تسكن البطوف في الصيف، تزرع وتحصد، وتعيش روح التعاون والتكافل بين الفلاحين.
كما أن زيارة “العين” – التي كانت مصدر المياه الرئيسي قبل ربط البيوت بشبكة المياه – تفتح نقاشًا حول التحوّلات التي طرأت على الحياة اليومية، وكيف كان الناس يتعاملون مع تحديات الطبيعة بوسائل بسيطة وفعالة.
أما البلدة القديمة، المتاحف المحلية، مركز الخط العربي، ومراكز الفنون، فهي محطات تُثري الوعي الثقافي، وتُعرّف الطلاب على إبداعات الأجداد والآباء، وتُعزز تقديرهم للهوية الفنية والجمالية للمكان.
وربطًا بين الماضي والحاضر، يمكن دعوة شخصيات من المجتمع المحلي لحصص التربية، ليسردوا قصصًا عن التعاون الاجتماعي، والتكافل، والنضال من أجل التعليم والكرامة. فالكلمة الصادقة من إنسان عاش التجربة، تترك أثرًا أعمق من عشرات الدروس النظرية.
رؤية تربوية ومجتمعية
إن هذه الجولات، وما تحمله من مضامين، تخلق حالة من التواصل بين المدرسة والمجتمع، وتمنح الطلاب أدوات لفهم واقعهم، وتاريخهم، وهويتهم. كما أنها تفتح المجال لشراكات بين المدرسة، الأهالي، السلطات المحلية، والمراكز الثقافية.
إنها دعوة لإعادة النظر في دور المدرسة، وفي طرق التعليم، وفي أهمية “الاقتراب” من المكان لا “الابتعاد” عنه. فكل مكان يحمل ذاكرة، وكل شارع يروي قصة، وكل إنسان هو مرآة لقيم مجتمعه.
فلنربِّ أبناءنا على أن يكونوا أبناء المكان، لا غرباء فيه. ولنمنحهم الفرصة ليكتشفوا أن التاريخ يبدأ من عتبة بيوتهم، وأن التربية الحقيقية تبدأ حين نرى العالم من حولنا بعيون جديدة.