بعد زيارة ويتكوف: المخاطر تتغلب على البشائر

تجري محادثات متقدمة بين اسرائيل والولايات المتحدة بصدد انذار اخير لحماس وفيه؛ نزع السلاح في غزة، إطلاق سراح جميع المحتجزين، حكم مؤقت في القطاع بقيادة الولايات المتحدة، وفي حال لم يتم التجاوب، ستقوم اسرائيل بعملية عسكرية لإخضاع حماس. هذا ما اورده الاعلامي اليميني المطلع عميت سيغل. فيما تتقاطع معظم التقديرات الإسرائيلية عند خلاصة ان الحكومة تقف عند مفترق طرق حاسم.
في هذا السياق يلخص المحلل العسكري والسياسي ناحوم بارنع الموقف القائم على أن الجميع بانتظار القرار الحاسم لمعرفة ما هي وجهة اسرائيل؛ لتوقيع الصفقة ام لتثبيت التواجد في مواقع دفاعية - احتلال جزئي يقوم على العمليات المحددة- أم احتلال كلي. وفقا للكاتب فإنه الخيارات اعلاه ليست بالضرورة هي حدود القرار الحاسم اذ ان خيار نتنياهو في مثل هذه الحالات هو "اللا قرار" وفعليا تبقى الامور تراوح مكانها.
فيما ان هذه الوضعية بحسب التقديرات قد تؤدي الى استقالة رئيس الاركان زامير، مقابل اصوات من الجيش في المنطقة الجنوبية وقادة وحدات احتلالية في غزة الذين يناصرون الموقف الحكومي بضرورة احتلال كامل القطاع والبقاء هناك واقامة حكم عسكري لسنوات طويلة بما فيه الاستيطان. هذه المؤشرات جارية بشكل متسارع أكثر في قوات الاحتلال في الضفة الغربية وفي شرطته في القدس وجميعها لصالح عقيدة الصهيونية الدينية.
بموازاة الحرب على غزة يتواصل الصراع على هوية الجيش. فالأصوات المناوئة لزامير في قيادة الجيش تلتقي مع اتهامات سموتريتش لرئيس الأركان بالفشل والاخفاق وتفويت الفرصة بالانتصار والتهديد المبطن باستبداله، ومع صمت كل من وزير الحرب ورئيس الحكومة.
تدلل هذه الاصوات على مدى التغيير الحاصل وتسييس هوية الجيش لصالح اقصى اليمين وحصريا الصهيونية الدينية. اذ يدعو قائد وحدة غفعاتي ووحدة الكوماندو في شمال القطاع الى تدمير كل بيت وتسويته الارض. بخلاف زامير، يعارض الضابطان الرفيعان فكرة التموضع في ثكنات ومواقع محددة ويريان بأنها لن تمكن الجيش من الحفاظ على انجازاته، بل ينظّران للحرب الدائمة بتفاخر وكي تذكرها الاجيال بعد عقود.
تغيير هوية الجيش ليس هدفا بحد ذاته، بل وسيلة وشرطا تمهيديا لتحوّلات يسعى التيار السائد لتطبيقها على ارض الواقع الفلسطيني، نحو تكثيف أثر سياسة التجويع بهدف التهجير، والسيطرة الاحتلالية المستدامة على قطاع غزة بما فيه بنية حكم عسكري واستيطان دائمين. وتكفي التقديرات الاقتصادية لتكلفة مثل هذا الامر والذي يعني بناء بنية دولاتية متكاملة في القطاع لتؤكد ان تكلفة عملية “عربات جدعون" ما هي الا تكلفة هامشية للغاية الى جانب المخطط له، اضافة الى الاستنزاف الهائل في الجيش وفقا لمعطيات قسم التأهيل النفسي فيه.
من اللافت الانتقال الحاد في موقف نتنياهو في الاسابيع الأخيرة، من التمسك بالصفقة الجزئية، الى التخلي عنها لصالح صفقة شاملة. لقد أفضى هذا التحوّل الى التغير في الموقف بتأثير من ادارة ترامب نحو تبنى فكرة الصفقة الشاملة وانهاء الحرب. اثار التحول الامريكي جدول اعمال سياسي اسرائيلي جديد.
كما وتشهد اسرائيل تطبيعا في الراي العام للتقليل من اهمية عودة الاسرى والمحتجزين، وهناك تيار حاكم يدفع بهذا الاتجاه. وهذا ما تعزز في اعقاب الفيديو الذي نشرته حماس للأسير افيتار، والذي استغلته اسرائيل لتعزيز النزعة الانتقامية وبناء روايتها عليه لتبرير مواصلة الحرب الاكثر كثافة.
ردّ اقصى اليمين بالضغط نحو احتلال كامل القطاع بذريعة انه يتيح حسم المعركة. فيما وجد نتنياهو نفسه في حرج القرار وحصريا مقابل الموقف الامريكي وحملة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، وهو ما يهدد مشاريعه في شطب قضية فلسطين ومنع قيام الدولة.
ينتظر الجيش توجيهات المستوى السياسي بشأن وجهة اسرائيل، ويحدد نتنياهو المهام بالتوجهات التالية: تحقيق اهداف الحرب وإخضاع حماس واستعادة المحتجزين وضمان نزع السلاح وان لا تشكل غزة تهديدا لإسرائيل. في المقابل لا يستعجل نتنياهو عقد الكابنيت لإقرار اتجاه الامور، مما يشير الى تردده بشأن احتلال كامل القطاع وفرض حكم عسكري. يبدو ان هذا التردد هو نتاج الموقف الواضح للجيش والذي يحظى بتأييد شعبي واسع ومتوافق مع الموقف الامريكي.
فيما تشير تقديرات اخرى الى ان موقف حركة حماس يشهد تراجعا عن التصلب في مسألة نزع السلاح وتحت مسمى "تنظيم السلاح في القطاع" وبمبادرة عربية استنادا الى التصور المصري القطري في هذا الصدد، ما يعني فعليا تراجع تدريجي عن الجناح العسكري لحماس (كتائب القسام) مقابل التحول الى حزب سياسي.
لا يزال الموقف الامريكي هو المجهول الأكبر، ففي لقائه مع عائلات المحتجزين عمّق ويتكوف هذا المجهول، فقد استمعت العائلات الى تكرار مقولة الالتزام الامريكي والشخصي من ترامب، فيما ألمح المبعوث الامريكي الى المسعى الى هيمنة اسرائيل على اعادة الاعمار وادارة غزة بما يضمن ان تتماشى مع سياساتها، وعلى خلفية زيارة ويتكوف بدأ الحديث اسرائيليا عن فرض حكم عسكري على قطاع غزة بقيادة الولايات المتحدة حتى وان لم تكن وحيدة وتضمن نزع السلاح وبقاء اسرائيل في المنطقة العازلة بما يعني احتلالا جزئيا.
على مستوى اخر يبدو ان الولايات المتحدة بدأت تدرك أن لا مفر مع اعتماد صيغة عربية كما الصيغة المصرية القطرية، وغير ذلك قد تتورط الولايات المتحدة في الحرب على غزة والتي تسعى لإنهائها. لقد اشار نفتالي بنيت بعد عودته من واشنطن الى احتمالية ان ينقلب ترامب على نتنياهو في الفترة القريبة ويقوم بفرض انهاء الحرب.
في الخلاصة؛ توحي التطورات الاخيرة اسرائيليا بإرجاء اضافي في ابرام صفقة او حل، فلا توجد تطورات ايجابية نحو انهاء قريب للحرب على غزة، سواء في سياق صفقة جزئية أم شاملة. وفي المقابل لا تزال النوايا بمواصلة الحرب واحتلال كامل القطاع سائدة في حكومة نتنياهو، ولا يبدو ان موقف الجيش المعارض بقادر على مواجهة للمستوى السياسي حتى وإن كان يحرجه. إذ يدفع أقصى اليمين بشدة نحو احتلال كامل بهدف تغيير الواقع جذريًا.
فيما الموقف الأمريكي بدأ يميل نحو صفقة شاملة مع غطاء عربي، لتجنب الانجرار لحرب طويلة، الا ان الموقف الحازم لم يصدر بعد بالزام نتنياهو بوقف الحرب. ثم ان الولايات المتحدة تشدد على الجوع وليس التجويع، ولا تطرح بدورها اي افق سياسي لحل قضية فلسطين.
هناك تسارع في تغيير هوية الجيش لصالح أجندة "الصهيونية الدينية"، ما يترجم إلى توجه نحو حرب دائمة وسياسات تهجير عبر التجويع والسيطرة المستدامة.
في ميزان المخاطر مقابل البشائر تطغى المخاطر، على الاقل حاليا.