تعزيز مكانة النساء البدويّات في سوق العمل – مسؤوليّة قانونيّة واجتماعيّة على عاتق الدولة

في ظلّ واقع أمني واجتماعي متواصل يشوبه التوتّر والاضطراب، وفي وقتٍ ما تزال فيه دولة إسرائيل تعيش حالة طوارئ إثر المعارك الدائرة في قطاع غزّة، تبرز الحاجة الملحّة لضمان حقوق جميع المواطنات والمواطنين، لا سيّما أولئك الّذين يعيشون على هامش المجتمع. من أبرز مراكز انعدام المساواة المستمر، تتجلّى معاناة النساء البدويّات في النقب، واللاتي يعشْنَ تحت وطأة تهميشٍ اجتماعي واقتصادي، إلى جانب ما يواجهنَهُ من تمييزٍ في سوق العمل.
في المجتمع البدوي في النقب، والّذي يضم نحو 300 ألف مواطن، تُسجَّل معدّلات فقر هي الأعلى في البلاد، إذ تتجاوز نسبة ال 50%! كما أنّ نسب التشغيل في هذا المجتمع متدنّية لا تتعدّى ال 30%، وفي أوساط النساء البدويّات في القرى غير المعترف بها، النسبة أدنى من ذلك بكثير: في عام 2019 بلغت نسبة تشغيل النساء البدويّات في النقب 21% فقط، وفي عام 2021 سُجِّلت زيادة طفيفة لتصل إلى 25%. ورغم هذه الزيادة، تبقى هذه النسب متدنّية إلى حدٍّ كبير مقارنة بعموم النساء العربيّات (41%) والنساء اليهوديات (83%) في العام ذاته. وفقًا لمعطيات مركز خدمة التشغيل للعامين 2023–2024، وخلال شهور الحرب (من تشرين الثاني 2023 حتّى نيسان 2024)، سُجّلت قفزة حادّة في أعداد النساء البدويّات الباحثات عن عمل، رغم أنّهن لا يشكّلْنَ أكثر من 22% من مجمل النساء في الجنوب. وقد بلغت نسبة النساء البدويّات الباحثات عن عمل في النقب خلال نيسان 2024 أكثر من 30% من مجمل الباحثات عن عمل في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، فإنّ معدّلات الأجور الّتي تتقاضاها النساء البدويّات في سوق العمل أقلّ من المعدّل العام. وفقًا لتقرير دائرة الإحصاء المركزيّة من عام 2023، بلغ متوسّط الدخل الشهري للنساء البدويّات حوالي 4,800 شيكل، أي نحو 40% فقط من متوسّط دخل النساء اليهوديّات في إسرائيل (نحو 12,000 شيكل)، وحوالي 60% من متوسّط دخل النساء العربيّات في البلاد (حوالي 8,000 شيكل). وعليه، فإنّ غالبيّة النساء البدويّات العاملات يتقاضيْنَ أجورًا أقلّ من الحدّ الأدنى! يُضاف إلى ذلك أنّ معظمهن يعملن بوظائف جزئيّة أو وفق منظومة الأجرة الساعاتيّة، وهي وظائف بأجور أقلّ أحيانًا حتّى من الحدّ الأدنى الّذي يكفله القانون.
هذه الفجوات ليست مشكلة خاصّة بالمجتمع البدوي وحده، بل تنعكس آثارها لتطال المجتمع الإسرائيلي بأسره. فحين تبقى عشرات الآلاف من النساء خارج سوق العمل، وتُشغَّل كثيرات منهن في ظروف غير منصِفة على أقلّ تعبير، فإنّ ذلك يُشكّل خسارة فادحة يدفع ثمنها المجتمع الإسرائيلي، وعلى جميع الأصعدة: اقتصاديًّا، اجتماعيًّا وأخلاقيًّا.
بدورنا كمنظّمة تُعنى بحقوق النساء، تصلنا العديد من التوجّهات من نساء بدويّات يعملْنَ في سوق العمل بوظائف وفق المنظومة الساعاتيّة، وبدون عقود منظّمة، ممّا يقصيهن إلى خارج نطاق الحماية القانونيّة الّتي تُمنَح لسائر العاملات. هذه الفجوة تُبرِز الحاجة الملحّة لتثبيت الحقوق من خلال تشريعات تتلاءَم مع واقع حياتهن، بما في ذلك توسيع دائرة الاستحقاق لمخصّصات البطالة لتشمل العاملات بالمنظومة الساعاتيّة، وتثبيت نموذج مرن لإجازة غير مدفوعة الأجر ضمن إطار قانوني في حالات الطوارئ، وهي للأسف حالات تتكرّر كثيرًا في البلاد.
علاوة على ذلك، تصطدم العديد من النساء البدويّات بعوائق بنيويّة تحول دون وصولهن إلى الخدمات الأساسيّة، وذلك بسبب ضعف في إتقان اللغة العبريّة، وغياب البُنى التحتيّة الرقميّة (الإنترنت) في القرى غير المعترف بها، وانعدام المقوّمات الاقتصادية، وافتقارهن لوسائل نقل ملائمة وسكن آمن.
في ظلّ هذا الواقع، لا سيّما في هذه المرحلة الصعبة، يبقى واجب الدولة الّتي تدّعي التزامها بمبدأ تكافؤ الفرص في سوق العمل لجميع النساء، لا سيّما للنساء البدويّات في البلاد، أن تتجاوز حدود التصريحات الرسميّة، وتنتقل إلى خطوات عمليّة جادّة وملموسة. هذا الواجب يقتضي تثبيت الحقوق بشكل قانوني ورسمي، إلى جانب التزام فعلي بإزالة الحواجز البنيويّة، والاستثمار في بنى تحتيّة متقدّمة، وتقديم حوافز لأرباب العمل من أجل دمج النساء البدويّات في سوق العمل، وتوفير دعم شامل لهنَّ من خلال برامج تدريب وتأهيل مهني، وتوفير حماية قانونيّة.
إلى جانب ذلك، على الدولة أن تتعاون مع المندوبات عن النساء البدويّات ومنظّمات المجتمع المدني الناشطة ميدانيًّا، من أجل ضمان تمثيل ملائم، وسنّ تشريعات تتناسب مع واقع حياتهن، وصياغة سياسات تُعزّز المساواة الجوهريّة في مجال التشغيل لجميع النساء البدويّات في النقب.
على الدولة أن تتحرّك، وهي قادرة على ذلك. ليس من باب المعروف أو كبادرة حُسن نيّة، بل باعتباره واجبًا مدنيًّا وقانونيًّا وأخلاقيًّا تجاه مواطناتها. النساء البدويّات يستحققْنَ ذلك، والمجتمع الإسرائيلي بحاجة إلى ذلك، وعلى الدولة أن تعمل بجدّيّة على دمجهن في سوق العمل كاستحقاق قانوني واجتماعي، يعود بالنفع عليهن أوّلًا، وعلى المجتمع والاقتصاد في إسرائيل.
الكاتبة محامية، مديرة مركز المساعدة القانونيّة في جمعيّة إيتاخ مَعَكِ - حقوقيّات من أجل العدالة الاجتماعيّة.