على الرغم من الدعم الضخم وواسع النطاق لإدارة بايدن لحكومة نتنياهو الحالية بكل ما يتعلق بحربه على قطاع غزة ولبنان، فقد بات واضحًا أن نتنياهو لا يعيره أي اهتمام من حيث تحقيق أي إنجازات سياسية لهذه الإدارة في منطقة الشرق الأوسط، وقد ضخت هذه الإدارة أكثر من 40 مليار دولار لإسرائيل كدعم عسكري ومالي لإسرائيل خلال هذا العام، كي تدير هذه الحرب المُدمرة التي قضت على الأخضر واليابس في لبنان وغزة وفي النهاية فقد بات من الواضح أن هذه الحكومة تنظر إلى بايدن كرجل أخرق ومصاب بخرف جزئي لا تعير لأقواله أي اهتمام وانتباه.
وإذا انتبهنا إلى الشخصين المؤثرين لأدارته وهما مستشار الامن القومي جاك صاليبان ووزير الخارجية انطوني بلنكين، فإننا سنلاحظ انها لا تعيرهما أيضا أي اهتمام، وقد زار مستشار الامن القومي المنطقة، أكثر من سبع مرات، متنقلا ما بين القدس، القاهرة والدوحة، أما أنطون بلنكين فقد زارها أكثر من اثنتي عشرة مرة، لكن بدون أي نتائج تذكر، ولا نتذكر كثيرًا لويد أوستين وزير الدفاع ورئيس البنتاجون، الذي تركّز عملُه في الأساس، على تزويد إسرائيل في بالذخيرة والسلاح خلال هذا العام.
وفي ظل انتخاب دونالد ترامب ونشوء واقع جديد، فقد أرسلت إسرائيل وقبل أن يجتمع بايدن بترامب بعثةً من عائلات الاسرى الإسرائيليين المحتجزين في ايدي حماس، كي تعطي الأوامر للموظفين في ادارة بايدن الخارجين، كي يتعاملوا مع إدارة ترامب، ويعملوا على تحرير المحتجزين الإسرائيليين، ويحاول بنيامين نتنياهو في خضم هذه الأيام التفكير بإعطاء الهدايا السياسية لإدارة ترامب المقبلة في 20 يناير/ كانون الثاني 2025 بحيث أنه يريد حسم المعركة في الجنوب اللبناني، ويحاول أيضا تجنيده لأي حلول مقبلة، في قطاع غزة.
ويعمل ترامب هذه الايام جاهدًا بتشكيل إدارة جديدة، حيث تبين أن كافة موظفيه ووزراءه الجدد، هم من اليمين المتطرف في الساحة الامريكية، حيث عين مايكل والتز احد النواب السابقين في مجلس الشيوخ، كوزير للخارجية، كما عين بيتر هغيست وهو من كبار الصحفيين في شبكة فوكس نيوز الاعلامية المؤيدة للجمهوريين ودعم ترامب بشكل قوي ومتواصل في معركته الانتخابية الأخيرة، ليكون وزير الدفاع والمسؤول عن البنتاجون، وتجدر الإشارة إلى أنه لا يملك أي خبرة عسكرية، بل خبرة اعلامية، كما عين ويليام ها كابي حاكم ولاية اركنسو سابقا، وهو من زعماء المسيحيين الانجيليين، سفيرا للولايات المتحدة في إسرائيل، وكان يعمل هو أيضا في وكالة فوكس نيوز.
وتعتبر هذه المجموعة من الوزراء الجدد في إدارة ترامب مجموعة يمينية محافظة ومتطرفة، لكن غالبيتهم تعتبر رغبات ترامب، طموحاته وأهدافه بمثابة الأولوية لعملهم، وتحركهم السياسي، حيث يُعتبرون وسائل لتحقيق سياسته على الساحة المحلية والدولية، ولا يعرف الكثير ماهي أهدافه بعد العشرين من يناير/ كانون الثاني المقبل، عندما يتوج رئيسًا للولايات المتحدة للمرة الثانية، لكن من المؤكد أنه سيحاول التوصل إلى حوار واتفاق مع بوتين، في المسألة الأوكرانية، تمكّنه مِن انهاء الحرب مع أوكرانيا، ومن المتوقع أن يضحي بحليف الولايات المتحدة الأول رئيس أوكرانيا فلاديمير فلنسكي المعارض لأي حوار مع روسيا، حيث سيطالب بأجراء انتخابات في أوكرانيا، يمكن ان يُنتخب فيها شخص اخر.
كما أن الحوار مع بوتين يهدف إلى تقويض الحلف الروسي الصيني، لأن ترامب معني بالأساس، بالصدام مع الصين، التي بدأت تعتبر الدولة الأقوى اقتصاديا في العالم، بعد أن تبيّن أن الولايات المتحدة مدينة بأكثر من تريلون دولار( 1000 مليار دولار)، ومن هنا يمكن القول أن الرئيس الجديد ترامب، سيحاول إيقاف الحرب في أوكرانيا، وتقليص النفقات العسكرية لهذا البلد، ولا نعرف كيف يؤثر ذلك على اسرائيل فيما يتعلق باستمرار الدعم العسكري والمالي لها، وهل يستمر في نفس المستوى استمرار الدعم العسكري والمالي لها، لأنه يؤمن بتقليص الدعم الخارجي للدول الاخرى.
وتشعر حكومة نتنياهو التي تواجه جبهتين في أآن واحد، أن عليها العمل والتحرك بسرعة، من اجل إرضاء إدارة ترامب، وقد أرسلت هذه الحكومة رون ديرمير إلى واشنطن، كمبعوث خاص للعمل على إيجاد تسوية ووقف إطلاق نار على الساحة اللبنانية، وفي الوقت الذي يقومون بقصف المدنيين بدون هوادة، اذا كان ذلك على بيروت، صور وصيدا وبعلبك وتهجير مئات الالاف من السكان هناك، ويدير هذه المعركة الرائد إسحاق ادرعي الذي يأمر السكان بأخلاء بيوتهم، قبل القصف المدمر بدقائق، وتحاول هذه الحكومة الإسرائيلية اعطاء الانطباع للإدارة الأمريكية، على الرغم من القتل اليومي، بانها معنية بالتسوية، لكنها في واقع الامر معنية باستسلام كامل للطرف اللبناني.
هذا ويسود نوع من الخلاف في الأوساط السياسة والعسكرية في إسرائيل لما يجب العمل به على الجبهة اللبنانية، فعلى مدار 50 يومًا استطاعوا تدمير العشرات من القرى على الحدود اللبنانية الإسرائيلية تدميرًا كاملًا، ويحاول الجيش ان يتقدم الى عشرة كيلو مترات، داخل الجنوب اللبناني لتدمير المزيد من القرى، ويدفع بهذا الاتجاه، العديد من الإعلاميين والمحليين العسكريين، خاصة في الأجهزة الأمنية للتوغل حوالي 38 كيلومترًا حتى الحدود على نهر الليطاني.
ويأتي هذا التوجه بأمر ناجم عن الشعور بان إسرائيل لم تحقق أي انجاز في حرب الخمسين يوما هناك، بل إن الضحايا في صفوف الجنود الإسرائيليين، يزداد عددها يوميًا، ووصل هذا العدد إلى أكثر من 120 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا، إضافة إلى المئات من الجرحى، بحسب تصريحات الناطق العسكري الرسمية، وإذا استمرت هذه المعارك على الحدود الشمالية، فإن ذلك سيؤدي إلى المزيد من القتلى بدون تحقيق أي اهداف استراتيجية تذكر، تتمثل بتوقيع وقف إطلاق نار مع حركة حزب الله والحكومة اللبنانية، وارجاع سكان الشمال الى بيوتهم كأحد اهداف الحرب.
مهما يكن فإن الجانب الإسرائيلي يحاول التلاعب في البنود، وفي مفاوضات دير مير في واشنطن يعطي الانطباع بأنه يريد تسوية، لكن بضمانات أمريكية تسمح للطرف الإسرائيلي، بخرق الاتفاقية في حال قامت سوريا، او حاول حزب الله شراء أسلحة من الخارج، إضافة إلى أن لإسرائيل الحق في اختراق الأجواء اللبنانية بشكل دائم، بدون الحفاظة على القوانين الدولية للسيادة اللبنانية، ومن المؤكد أن إسرائيل بحاجة ماسة إلى مثل هذا الاتفاق، لكن الطرف اللبناني سوف لن يوقع على اتفاقية استسلام كهذه، الامر الذي يؤدي إلى استمرار حرب استنزاف على المدى البعيد.
أما في قطاع غزة وفي الجبهة مع الفلسطينيين هناك، فمن الواضح أن إسرائيل وحكومة نتنياهو غير معنية باي اتفاق مع الطرف الفلسطيني، وفي واقع، الامر فإن نتنياهو يريد الحفاظ على الوضع العسكري الراهن بمعنى استمرار القصف، وزيادة القتلى اليومي من المدنيين حتى يطالب الطرف الفلسطيني بالاستسلام وقبول رغبات واهداف إسرائيل، ويقول المحلل السياسي عوفر سيلح، إن هذا الوضع يكلف الجيش الكثير من الضحايا، لكنه لا يفهم خنوع الجيش الإسرائيلي لرغبات الجهاز السياسي لإسرائيل، المتمثل ببنيامين نتنياهو، حيث انه يعارض هذه الحرب العبثية، لكنه يستمر في القتل اليومي.. ولا يفعل أي شيء لتغير الواقع الراهن.
أما الأهداف البعيدة لنتنياهو، فإنها تتمثل في رغبته بأنه يريد قطاع غزة خاليًا من أي قيادة فلسطينية سياسية، ويريد القطاع، خاضعًا بالكامل لنظام عسكري إسرائيلي، يسيطر على كافة مناحي الحياة هناك، وأكبر مثال على ذلك هو بناء بنية تحتية وشوارع في منطقة نتسارين، ومنطقة محور فالدلفي عرضها سبعه كيلومترات وطولها أكثر من خمسين كيلو مترًا، أي ان الهدف مِن ذلك هو السيطرة العسكرية طويلة الأمد على قطاع غزة، كي يمنع أي إمكانية للتواصل مع الضفة الغربية، وإقامة الدولة الفلسطينية، وهو يأمل الكثير من صعود ترامب ودعم سعودي مرتقب للقضاء نهائيا على تطلعات الشعب الفلسطيني، وهذا ما يريده، لكن ذلك يحتاج إلى حرب طويلة ومريرة، يمكن أن تتحول إلى حرب إقليمية طويلة الأمد.