لماذا وقعتِ في المصيدة يا غدير؟| بقلم: هادي زاهر

هادي زاهر
نُشر: 01/01 00:08,  حُتلن: 08:30

قبل أيام التقيت بعم السيدة غدير مريح فأعلمني بان غدير في طريقها إلى البلاد، والحقيقة هي أنى اشتقت إلى غدير بالرغم من أنى لم التق بها ولم احاورها وجها لوجه ولكني اشتقت لتوجهها الذي كان فيه الكثير من الكبرياء، الذي يخلو من الشعور بالنقص مقابل السيد، اشتقت لكلماتها التي كانت ثاقبة.. اشتقت لخطابها الذي كان واضحًا.. اشتقت لطلاقة لسانها.. اشتقت لجراءتها وحضورها الملفت.. اشتقت لاتزانها.. اشتقت لحبكتها الفنية في خطابها الذي يُفحم الحجر بصدق توجهها، اشتقت لوقوفها منتصبة الهامة وذلك خلافا لخطاب الذل والتملق الذي انتهج أعضاء الكنيست الدروز في كل المراحل، ذاك الخطاب الذي يدلق الولاء بمناسبة وبغير مناسبة، خطاب التملق والممالأة، ذاك الخطاب الذي يعبر عن الشعور بالنقص، (ما عدا السيد سعيد نفاع الذي تحدى السلطات التي تسمح لكل المواطنين بالسفر إلى مختلف بلاد العالم ما عدا الدروز التي تمنعهم من السفر إلى سوريا ولبنان لزيارة أماكنهم المقدسة ذويهم هناك، وقد كلفه ذلك السجن سنة ونصف وسحب شهادة المحاماة).

وبالرغم مما تقدم كان موقفها يعرج أحيانا إلا انه كان عادة في الاتجاه الصحيح ولكنها جاءت بخطاب جديد لم نعهده من قبل أعضاء الكنيست الدروز، وهذا انعكس على أهلنا واشعر الكثيرين بأنهم ليسوا ضلعا ناقصا في حياة الدولة وذلك لم يخفَ عن أجهزة الظلام التي اوصت بالتخلص منها، الدولة هندسة العقل الدرزي في هذه البلاد على الشعور بالذل.. على ان تضطهد الطائفة الدرزية.. تحجب الميزانيات المستحقة.. لا توسع مناطق النفوذ وتصادر أراضيها وتجند شبابها في نفس الوقت.. هندسة العقل الدرزي من خلال البرامج الدراسية على ان يقول الشاب الدرزي الملاحق بدفع الغرمات التي تصل حتى300 ألف شاقل على بناء بيته ويقول إزاء هذه الصفعة القوية آححححح.. بدلا من اخخخ.. هندسة العقل الدرزي على ان يقول كيف كنا عايشين من زمان.. هندسة العقلية الدرزية في هذه البلاد على عدم النظر إلى الامام والمستقبل وإنما إلى الماضي.. هندسة سيكولوجيتنا على هذا النمط ووظفت الميزانيات الهائلة كي نرضى بكل ما تقوم به كي نكون مجرد أداة في يدها، من هنا جاء القرار لتخلص منها، طبعا التخلص منها جسديا امر صعب للغاية له انعكاساته السلبية على السلطة، لذلك جاء القرار من وراء الكواليس.. نركلها إلى اعلى.. نبعدها عن أهلها.. نقذفها خلف البحار في وظيفة دبلوماسية مرموقة ومغرية، لست أدرى فيما إذا كانت غدير استوعبت المخطط الذي أعدته السلطات، السلطات التي اعدت مخططاتها عمرا كاملا في سبيك تكوين البنية النفسية الذليلة لأبناء الطائفة الدرزية، لا تسمح لأمثال غدير ان يفشلوا ما بنته بجرة قلم، لقد رأت في خطابها العلاج النفسي الذي يعزز الشعور بالثقة والآنفة لأبناء عشيرتها وهي تريد مواصلة الاستفادة من بساطتنا، طبعا هناك من يقول بانها قدمت خطابا رائعا ولكن ماذا بعد، وهنا نقول ان التغيير لا يأتي بكبسة زر، لان المعلومات التي يتلقها الإنسان تتراكم في عقله اللاواعي لتشكل القناعة اللازمة الي تتدفق موقفا عمليا، من هنا نقول نحن بحاجة إليك يا غدير لماذا وقعتي في المصيدة، الا تدرين بان الصهيونية خلقت قبل ابليس بساعة لقد كنتِ "جدولاً رقراقًا تسقي من جانبية الحقول" فلماذا تحول مجرى هذا النهر ليصب في غير مكانه، وهنا اسأل هل انتقلتِ في وظيفتك الجديدة من الدفاع عن اهلك لدفاع عن من يضطهد اهلك.

هل فقدنا الفرامل؟
لقد وصلنا إلى ما كنا قد حضّرنا منه، قلنا ان ما تسمى بالخدمة الوطنية هي تهيئة ذهنية للخدمة في الجيش، في البداية في المدرسة ثم في المستشفى وهي خدمة إنسانية ولكن ذلك سيكون سم في دسم، لان بعد ذلك ستكون في عيادة القاعدة العسكرية لتجد نفسها الفتاة بصورة مباشرة تخدم في الجيش، هناك من علق الامل على القيادات الدينية، ولكن هذه القيادات لا تجرؤ على اتخاذ موقف عملي صارم ضد هذه الخدمة ذلك لأنها تقبض المعاشات من وزارة الأديان ومن ثم تخرج إلى التقاعد مع معاش، وهي مثلا تتشاطر على اظهار الورع لتخفي تخاذلها، خدمة فتياتنا في جيش يرتكب كل الموبقات يتعارض مع كل القيم الإنسانية، وهي جريمة أخلاقية تثني الكبيرتين، ويجب عدم السكوت عليه، وهنا الامتحان الحقيقي للضمير.

هناك فرقة على الوتساب تعمل على تجنيد من يفتش عن عمل وهناك نداء من احدى الفتيات تكتب ما يلي: مساء الخير يا صبايا اللي بتحب تعمل في قاعدة عسكرية تحكي معي على الرقم التالي: ............... وهنا نسأل: اين وصلنا، وأين سنصل.. هل فقدنا الفرامل كليا، وهل انسجام البعض اللا متناهي مع السلطات على استعداد أن تبيع ضمائرها بأبخس الاثمان، اين المشايخ (وهنا لا نعمم) ممن يحرمون كل تحرك في حين يغضون الطرف عن أمور جوهرية، اين الشرف.. اين القيم.. اين الحمية.. اين من يغني بني معروف الأسود والسر اللي فينا موجود، هل تحولوا من اسود إلى ارانب؟.


طباعة

لم اكن من انصار السيدة غدير مريح، لا بل كنت قد انتقدتها بحدة بسبب انضمامها لحزب الجنرالات، ولكن سرعان ما اعجبت بنهجها. غدير تتقن ثلاث لغات تقدم خطابها بحبكة فنية راقية ومقنعة تشنَّف الآذانَ، تتحلى بجراءة، بحضور ملفت، بثقافة عالية، بمحبة بالغة لأهلها وللمصلحة العامة.

لقد قدّمت السيدة غدير خاطبا مُطيَّبًا بالكبرياء، خطابًا مغايرًا لما عهدناه من قِبل أعضاء الكنيست الذين دخلوا إلى البرلمان ضمن الأحزاب الصهيونية، كانت خلافا لهؤلاء، حيث كانت مخلصة لأهلنا اكثر مما كانت مخلصة لحزبها الذي خذلها لا سيما من وقف على رأس الهرم وتعهد ونثر الوعود، ولكنه سرعان ما انبطح امام اقدام النتن وتنكر لكل وعوده.

قُدِّمت لها الكثير من المغريات كي تبقى ضمن الجوقة المرتشية، منها منصب وزير، ولكنها رفضت مستشهدة بقول الفيلسوف كمال جنبلاط: "إذا خُيّرت بين مصلحتك وبين ضميرك فعليك ان تختار ضميرك " لقد قرنت غدير النظرية بالتطبيق لم تلتفت إلى الوراء، ولعل معادة القوى الرجعية لها كانت الدليل الواضح على مدى تقدميتها، ووضوح الرؤية امامها.

نذكر انه في احدى المظاهرات ضد سياسة الاجحاف انقض عليها احد الأشخاص ونزع منها مكبر الصوت محاولًا منعها من الحديث، وهذا دلل بأنها تثير حفيظة القوى الرجعية، تثير حفيظة (الرجال) ممن يعانون من عقدة النقص، لا سيما في هذا المجتمع الذكوري. غدير استطاعت ان تكسر مسلمات، في هذا المجتمع المحافظ وخرج الناس في بلدها وغيرها بكل اطيافهم للتصويت لها، كان من بينهم نساء فاضلات مشايخ محترمين واشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة نُقلوا تحت اصرارهم بواجب دفعها إلى الامام، لقد رأوا فيها الانسان الخلوق المتزن والمخلص ولم تخيب الآمال، طبعا من يعمل يخطئ، وجل من لا يخطئ، كان موقفها يعرج أحيانا لا سيما عندما كانت تختم خطابها بمدى محبتها للدولة، واعتقد انه لا لزوم التأكيد على ذلك لأنه قد يبدو اعتذارًا عمّا تقدم في الخطاب، ثم ان ذلك لا يفيد، فالقرى العربية الدرزية لم تحصل على المستحقات أكثر مما حصلت عليه القرى العربية المواجهة للسياسة العنصرية التي تنتهجها الدولة ضد السكان الفلسطينيين في الدولة بكافة اطيافهم. وبالرغم من هذا الجزء من خطابها الذي لم استسيغه، وامل ان تتقدم وتتجاوز هذه الإشكالية كليًا، إزاء مشاهدتي لأداء أعضاء الكنيست الذين وصلوا ضمن الاحزاب الصهيونية أتذكر الاغنية التي تقول: "طنعشر شب بيسووا شب وصبية تسوى دزينة" و"الشيء بالشيء يذكر" أتذكر أيضا بان نساء عسفيا كنَ في طليعة المناضلين ضد الهوائيات.

اننا مع أن تتولى النساء أمثال غدير التي قدمت نموذجًا إيجابيا للفتاة العربية الدرزية في أداء الرسالة، من هنا أتوجه إليها وأقول: واصلي تغريدك ولا تغادري يا غدير، فأهلنا بحاجة إليك.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة