رفضت هيئة قضائية مكونة من ثلاثة قضاة اليوم الأحد في المحكمة العليا الإسرائيلية التماسًا قدمته عائلة بكر، وهم آباء أربعة أطفال قُتلوا في هجوم صاروخي لسلاح الجو الإسرائيلي أثناء لعبهم على شاطئ البحر. قُتل الأطفال في مدينة غزة بتاريخ 16 تموز/ يوليو 2014، أي قبل ثماني سنوات خلال الهجوم الحربي الإسرائيلي على غزة الذي أطلق عليه "عملية الجرف الصامد".
قدمت ثلاث منظمات حقوقية التماساً في عام 2020، وهي عدالة - المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، مركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (PCHR) من قبل مدير عام عدالة ، المحامي الدكتور حسن جبارين. والمحامية منى حداد.وطالب الملتمسون المحكمة بإلغاء قرار النائب العام الذي رفض استئنافاً تقدمت به المؤسسات الثلاث ضد إغلاق التحقيق في القضية، وان يأمر بفتح تحقيق جنائي يؤدي إلى محاكمة المسؤولين عن القتل. وأعلن المدعي العام قراره، بتاريخ 9 سبتمبر 2019، وتبنى بالكامل قرار المدعي العام العسكري (MAG) بإغلاق التحقيق.وقال الملتمسون إن مواد التحقيق تظهر أن سلاح الجو الإسرائيلي فتح عمداً نيراناً مميتة على الأطفال في انتهاك خطير لقوانين الحرب والقانون الجنائي الدولي، حيث استهدفوا الأطفال مباشرة دون تحديد هويتهم ودون اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
الاقتباس من الحالة: محكمة العدل العليا 8008/20، عاطف أحمد صبحي بكر وآخرون ضد النائب العام العسكري وآخرون
قدم الملتمسون أدلة تظهر عيوبًا كبيرة في التحقيق الذي أجرته سلطات التحقيق الإسرائيلية والعديد من التناقضات في الشهادات والتحقيقات. ومع ذلك، قضت المحكمة بأنها لا ترى أي سبب للتدخل في قرار المدعي العام، ولم تتناول أي من حجج المدعين فيما يتعلق بالعيوب الجوهرية التي شابت التحقيق. يتكون الحكم من 11 صفحة، وكتبته رئيسة المحكمة العليا إستر حايوت وتم قبوله بالإجماع من قبل القاضيين أليكس شتاين ويتسحاك عميت. ينص قرار المحكمة على أن قرار النائب العام العسكري بإغلاق القضية جاء بعد "إجراء تحقيق شامل ودقيق في الحادث"، مع الأخذ في الاعتبار المعلومات الاستخباراتية التي يُزعم أن الجيش احتفظ بها قبل الهجوم وأثناءه.
يعتمد الحكم - من بين أمور أخرى- على أدلة سرية، لم تتم مراجعتها إلا من قبل المحكمة العليا خارج حضور محامي الملتمسين، الأمر الذي يدعم - وفقًا للمحكمة - ادعاء الجيش الإسرائيلي بأن محيط المنطقة التي تعرضت للهجوم استخدمه فصائل المقاومة.
واستندت المحكمة الى قرار المدعي العام بأن الهجمات الصاروخية تمت وفقا لمبادئ التمييز والتناسب ووفقا للإجراءات العسكرية. وذكرت كذلك أن "هذه المحكمة أكدت مرارًا وتكرارًا على الطابع الفريد للعملية القتالية، التي تتميز بكثافة عالية، مما يتطلب من القوات العسكرية اتخاذ قرارات سريعة في الميدان والمجازفة في ظل ظروف عدم اليقين".
كما رفضت المحكمة ادعاءات الملتمسين بشأن تضارب المصالح المتأصل في الدور المزدوج للمدعي العام العسكري، حيث يقدم النائب العام العسكري المشورة القانونية للجيش قبل وأثناء العمليات العسكرية، وفي نهاية القتال، يقرر أيضًا ما إذا كان يجب فتح تحقيق جنائي وكيفية إجرائه. اعتمدت المحكمة في قرارها على تقرير لجنة تيركل (2013) حول توافق "آليات إسرائيل لفحص الشكاوى والادعاءات المتعلقة بانتهاكات قوانين النزاع المسلح" والتحقيق في انتهاكها لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي. وعلى وجه التحديد، أشارت إلى موقف لجنة تيركل بأن النظام مستقل ويتوافق مع القانون الدولي.
ويؤكد الملتمسون أنه وبموجب هذا الحكم، تمنح المحكمة العليا شرعية كاملة للجيش الإسرائيلي بقتل المدنيين مع الإفلات من العقاب على أوسع نطاق. وبدلاً من فحص قرارات الجيش أثناء القتال، صرحت المحكمة بشكل عام بشأن النطاق الواسع للسلطة التقديرية للمدعي العام والمدعي العسكري.
بالرغم من أم هذه القضية حظيت هذه باهتمام واسع من وسائل الإعلام الدولية والجمهور، لا سيما بسبب حدوثها بالقرب من فندق كان يقيم فيه العديد من الصحفيين الأجانب الذين شهدوا الواقعة. والجدير بالذكر أن الجيش الإسرائيلي، أثناء إجراء تحقيقه، لم يجمع إفادات من هؤلاء الصحفيين أو من شهود عيان فلسطينيين كانوا في الموقع وقت القتل.
وعبرت لجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق بشأن النزاع في غزة في عام 2014 في تقريرها الصادر في يونيو 2015 ، عن قلقها الشديد لإغلاق التحقيق في هذه القضية ، مشيرة إلى أن هناك "مؤشرات قوية على أن تصرفات الجيش الإسرائيلي لم تكن متوافقة مع القانون الدولي الإنساني وأن التحقيق لا يبدو أنه تم بشكل شامل "(الفقرة 663.(
ويضيف مركز عدالة والميزان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان:
"إن حكم المحكمة الإسرائيلية العليا في قضية أطفال بكر هو دليل آخر على أن إسرائيل غير قادرة وغير راغبة في التحقيق مع الجنود والقادة ومقاضاتهم على جرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين. هذه الحقيقة تسلط الضوء على الحاجة الملحة لإجراء تحقيقات مستقلة وفعالة، لمحاسبة جميع الجناة. توضح هذه الحالة طبيعة الاعتداءات العشوائية والقاتلة التي شنها الجيش الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين خلال حرب غزة 2014، والتي قُتل خلالها أكثر من 550 طفلاً، وتوجه النظام القانوني الإسرائيلي المدافع عن العدوان الإسرائيلي والسلطة التقديرية للجيش الإسرائيلي، مما يوفر حصانة تامة من العقاب. هذه القضية هي دليل آخر على الحاجة الماسة لقيام الجهات الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، بمحاسبة القادة الإسرائيليين ".
وأضاف عصام يونس مدير الميزان:"هذا مثال آخر على الظلم الفاضح في قصة غزة - مثال آخر على حياة الأطفال الفلسطينيين التي يجري التعامل معها وكأنها بلا قيمة. أولاً، الاستهداف غير القانوني للأطفال المدنيين الذين يلعبون كرة القدم على الشاطئ، ثم التبييض المتعمد من قبل إسرائيل لجريمة الحرب الظاهرة من خلال نظامها القانوني المفتعل. لا شك في ذنب الجناة في الجيش والمحاكم والحكومة المتورطين في هذا التستر الصارخ. سنستمر في تحدي سياسة الاعفاء من المسائلة والحماية المتعمدة للجناة دوليًا والسعي لتحقيق العدالة من أجل أطفال بكر وعائلاتهم ".
وعلق راجي الصوراني، مدير عام المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان قائلاً:يوفر النظام القانوني الإسرائيلي، كما هو موضح في هذه القضية، غطاءً قانونيًا كاملاً لجرائم الحرب المنظمة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي. إن الضحايا الفلسطينيين الذين نمثلهم وأسرهم يستحقون العدالة والكرامة، وسوف نكافح من أجل تحقيق العدالة من خلال الولاية القضائية العالمية والمحكمة الجنائية الدولية. في الآونة الأخيرة، اتخذت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إجراءات فورية ضد هجمات القوات الروسية على المدنيين الأوكرانيين، معربة عن إدانتها وفرض عقوبات عليها، ولكن عندما تقتل القوات الإسرائيلية الفلسطينيين، تستمر تلك الدول في دعم إسرائيل. لدينا التزام لضمان عدم نسيان أطفال بكر وجميع الأطفال والنساء وكبار السن والمدنيين، المستهدفين والقتلى من قبل القوات الإسرائيلية ".