عمو روني.. وداعًا/ بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 01/01 11:31,  حُتلن: 13:26

عاش فنان الاطفال ومهرجهم المشهور روني روك، المعروف بلقب عمو روني، عمرًا قصيرًا نسبيًا في السنوات، لكن طويلًا في العطاء، فطالما اسعد الاطفال بعروضه الشائقة المثيرة، وقد تجوّل مع فرقته " كيفك هيه" في جميع انحاء البلاد، متنقلا بين المجتمعين العربي والعبري، ناشرًا البسمة على وجوه اطفال بلادنا مثريًا ذاكرتهم بما لذ وطاب في مجال الترفيه والاثراء المعرفي. لهذا شكّل رحيلُه يوم السبت 14-8-2021،ضربةً موجعةً للكثيرين من الاطفال والكبار الذين سيتذكرونه ويتذكرون عروضه كثيرًا.


الفنان روني روك من مواليد مدينة الناصرة ولد عام 1965، لعائلة روك المعروفة بميولها الفنية وهو من اقرباء الفنان الممثل المسرحي المعروف منذ السبعينيات الصديق اميل روك ونجله المنظم الفني يامن روك. ابتدأ مشواره مع الفن التهريجي للأطفال قبل نحو الثلاثة عقود من الزمان، ويذكر كاتب هذه الكلمات، ان ظهوره الاول الحقيقي كان ضمن برنامج مُوجّه للأطفال من "راديو الفين" النصراوي، وما زال يتذكر كيف انطلق روني روك بكلمة " كيفك"، حتى ردّ عليه طفل من الطرف الآخر للهاتف الاذاعي قائلًا " هيه"، لتتردّد فيما بعد هاتان الكلمتان، من روني " كيفك" ومن الطفل المتصل" هيه"، الامر الذي افرح روني كما اتضح خلال البرنامج، ليواصل هتافاته هذه عبر ذلك البرنامج وليواصل الاطفال المبهورون به، بأدائه القريب من القلب المحبب على الروح، حتى بات روني قِبلة انظار الاطفال وموطن احلام الكثيرين منهم، وهو ما حفز "عمو روني"، فيما بعد على تكوين فرقته" كيفك هيه" التي ستشتهر في طول البلاد وعرضها، وسوف تتحوّل هذه الفرقة إلى مركز اشعاع يجتذب اليه المؤسسات والتجمعات التجارية لتقديم عروضها الجذابة المثيرة للأطفال واهاليهم، المرافقين لهم، على حد سواء.
هكذا كانت بداية هذه الفرقة، التي التفّ حولها العديد من الفنانين، خاصة من النساء الميالات إلى نشر الابتسامات على وجوه الاطفال، بدايةً ارتجاليةً، إلا أنها ما لبثت أن تحوّلت، كما يحدث مع كل عمل جديّ، حقيقي ويستحق الحياة والوجود، إلى فرقة منظمة، تسعى لإعداد البرامج الملائمة للأطفال الموجِّهة لهم، عبر منطق " ضحك ولعب وجد وحب"، لتتنقل من برنامج إلى آخر، فمن اللعبة الشعبية الرائعة تستوحي برنامج "طاق طاق طاقية"، ومن الاغاني العربية الشعبية القريبة من القلب تستوحي برنامج " جدي عنده حمارة"، وعلى هذا المنوال تنطلق في العيد من البرامج اللهوية – نسبة إلى اللهو، في الظاهر، التعبوية- من تعبئة، في الباطن، لهذا وُجد هناك من يكتب في صفحته الفيسبوكية عن الجانب الوطني في مسيرة فناننا الراحل للتو.
يشهد كاتب هذه السطور على ذلك الاقبال العظيم من الاطفال واهاليهم على عروض فرقة "كيفك هيه"، فقد سبق وشاهد عن قرب أحد هذه العروض، في مجمع "بيج فاشن"، في الناصرة قبل سنوات، ورأى بأم عينه كيف ابتدأ الاطفال في التجمع وكأنهم في مهرجان شعبي، بل انه يتذكر ما همس به احد اصدقائه في اذنه عندما قال له ان ابنه الح عليه في ان يشاهد ذلك العرض تحقيقًا لحلم راوده منذ اليوم الاول لاستماعه برنامج عمو روني في راديو الفين.
بالعودة إلى عمو روني، يمكننا ان نسجل له حسه المرهف، المنطلق من محبةٍ متأصلة في روحه وقلبه لأطفال بلاده، وقد تمثّل هذا في أمرين واضحين جليين، احدهما سبقت الاشارة إليه وهو القدرة على التماهي الآني مع اللحظة الواصلة بين المرسل/ الفنان والمتلقي/ الطفل، والأخرى انه عمل طوال فترة نشاطاته وفعالياته اللافتة على تطوير أدائه وعطائه، بحيث يتناسب والفترة المستجدة. فيما يتعلق بالأمر الاول نقول إن عمو روني كان ذا حسٍّ مرهف، فهو يتجاوب مع اللحظة الابداعية، ويندمج فيها إلى اقصى ما يتطلّبه الاندماج الابداعي، غير انه لا يكتفي بهذا الاندماج التلقائي، وانما هو يُعمّقه ويطوره تماشيًا مع آفاق اللحظة، جماليتها وابعادها. اما فيما يتعلّق بالأمر الآخر فان عمو روني دائم السعي للتطور والتقدم وها هو لا يفوّت فرصةً إلا ويغتنمها من أجل اعداد البرنامج تلو البرنامج، مستعينًا بكل طاقة قادرة على العطاء، واذكر في هذا السياق ان هيئة تحرير صحيفة" الصنارة"، طلبت ابان عملي في الصحيفة محررًا ادبيًا واجتماعيًا، طلبت مني أن اعد عددًا من القصص المصورة ليكون العم روني بطلها، وانني استجبت لطلبها، وكتبت المجموعة المقترح علي كتابتها، إلا أن هذا المشروع لم يرَ النور لأسباب فنية. ليس هذا المهم حاليا، فالاهم هو ان الاخ روني كان دائم السعي لتطوير عطائه في مجال الفن للأطفال، وهذا ما اردت ان اقوله.
بقي عمو روني امينًا لرسالته صادقًا في ادائها، يرافقه رهطٌ من الفنانين المؤمنين به وبعطائه في مجال فن الاطفال، حتى المّ به المرض قبل سنوات، فابتدأت مسيرتُه بالانتكاس، واذكر بكثير من المحبة انه حاول ان يكون متفائلًا حتى لحظاته الاخيرة في الحياة، فقد قال بصوت باك في مقابلة اذاعية اجريت معه بعد اضطرار الاطباء قطع رجله اليمنى محافظة منهم على حياته ما مفاده: انني سأعود وسوف اواصل مسيرتي مع احبائي الاطفال. موضحًا أنه ابتدأ في الاعداد لبرنامج استوحاه من حياته ومعاناته مع المرض. هذا التفاؤل الذي ميز عمو روني حتى لحظاته الاخيرة في الحياة، تمثّل في كلمات حافلة بالأمل هي: " حتى لو بُترت جميع أطرافي سأبقى أغني ما دام صوتي وهذا القلب الذي أحبكم".
في المجمل نقول: يعتبر فناننا الفقيد واحدًا من ابرز فناني الاطفال ومهرجيهم المتدفقين لهوا وفائدة، وانه قدّم الكثير خلال عمره القصير، وهو ما جعله يستحق عن جدارة كل تكريم حظي به.. لا سيما تكريم مدينته الناصرة قبل فترة قصيرة له ولفنه الرائع.
عمو روني وداعا.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة