وجهت لصالح تهمة قتل مراد عمداً. كانت التهمة واضحة ومثبتة بالتأكيد في الكثير من تفاصيلها. وهناك شهود ادعاء سمعوا التهديد وشاهدوا الضحية برفقة المتهم في ليلته الأخيرة.. بعدها لم يعد مراد إلى لبيت، واختفت آثاره.
المشكلة التي واجهت المحكمة ان جثة مراد، الذي من المفترض انه قتل حسب الإدعاء.. لم يعثر عليها. مراد اختفى والجثة غير موجودة. وليس من عادة مراد ان يتأخر عن البيت بدون اتصال للتبليغ عن سبب تأخره، كما يقول أبناء عائلته.
اذا وقعت جريمة قتل فأين الجثة؟
أين أداة القتل؟
كل الدلائل والشهادات المجموعة تشير الى ارتكاب جريمة قتل.. ولكن لا أثر لارتكاب جريمة، لا الأداة ولا الجثة... ولا اعتراف من المتهم!!
صالح قال انه سيخفي مراد عن الوجود. وهذه الأقوال مؤكدة من عدد من شهود الادعاء.. وكانت محاولة من صالح لقتل مراد في السابق.. عوقب عليها صالح بالسجن لمدة سنة ونصف السنة.. تحت بند الاعتداء العنيف. ولكن رغبة صالح بإخفاء مراد من الوجود لا تعني تلقائياً انه قتله.
أين اختفى مراد اذا كان حياً؟
كل الإعلانات في الصحف، والبحث عنه في الأماكن التي اعتاد على ريادتها لم تسفر عن شيء.
وجد مع صالح مسدس، تبين انه مرخص، أثبت الكشف المخبري انه استعمل قبل فترة تقع ضمن الفترة التي اختفى فيها مراد. بل ووجدوا بقعة دم صغيرة جداً على ملابس صالح، بين فحص الحمض النووي انها من دم مراد.
اذن شبهة ارتكاب جريمة قتل مسألة واردة.
هل تكفي الأدلة التي بيد الشرطة؟
الشرطة تدعي انها إثباتات كافية لارتكاب جريمة، خاصة وان المتهم صالح، وحسب كل الأدلة، هو آخر من كان برفقة مراد.
صالح يصرّ انه أطلق رصاصتين اثناء الصيد عندما هاجمه خنزير برِّي. وشهد على صحة أقواله صيادان كانا برفقته.
هل يمكن محاكمة قاتل بلا جثة بالاعتماد على دليل، لم تثبت جهة استعماله؟
لست رجل قانون لأجيب على هذه الأسئلة. انما يهمني ما حدث فعلا في سير المحاكمة.
صالح حافظ على صمته وموقفه انه لا يعرف شيئاً عن مصير مراد بعد ان تركه في تلك الليلة، بعد ان تصافيا عن خلافات الماضي، وقد شاهدهما الكثيرون سويةً يتضاحكان، كما أصر صالح في أقواله... وأوكل الدفاع عنه لأحد أفضل محامي الجنايات.
الادّعاء عبر الدلائل التي يملكها، وعبر الشهود كان واثقاً بأن المحكمة ستدين صالح بالقتل عمداً.. حتى بدون وجود الجثة، اعتماداً على وجود بقعة الدم على ملابس صالح... التي ادعى صالح انه لا يعرف كيف وصلت قميصه، لأن مراد كان معصوب الأصبع مسبقاً من جرح، وان وجودهما معا في تلك الليلة، التي شوهدا فيها سوية، كان إشارة واضحة الى انتهاء الخلاف بينهما.
محامي الدفاع أصرّ انه بدون جثة كل الدلائل بلا قيمة.. وتعتمد على تأويلات وليس على حقائق مثبتة.
في جلسة التلخيص لجأ محامي الدفاع الى مقلب معين ليثبت براءة موكله صالح. قال في مرافعة دفاعه:
- المحكمة الموقرة.. اليوم سأفاجئكم.. خلال دقائق سيدخل قاعة المحكمة من بابها السيد مراد الذي يتهم موكلي بقتله.. رجاء انظروا إلى مدخل القاعة.
ونظر الى مدخل القاعة، كذلك نظر القاضي.. ووقف ممثل النيابة ونظر نحو المدخل.. ونظر الحضور في المحكمة نحو المدخل..
وبعد لحظة تابع محامي الدفاع :
- بالطبع لن يدخل أحد.. أوهمتُكم بأن مراد سيدخل الى القاعة، لأنكم غير واثقين من مقتله.. كلكم نظرتم نحو باب المدخل.. كلكم توقعتم ان يدخل مراد.. لذا أدعي أمامكم، انه في هذه المحكمة، يوجد شك معقول بأن أحدا ما قتل. وانا أصر ان تصدر المحكمة قراراً ببراءة موكلي.
وجاء يوم إصدار قرار الحكم. دخل القاضي، جلس مكانه، قرأ تفاصيل الملف ورقمه، ثم قال انه قرر إدانة المتهم صالح بقتل مراد عمداً...
ولم يستطع محامي الدفاع الصبر:
- كيف يجوز يا سعادة القاضي ذلك ، ألم تنظروا جميعكم الى باب المحكمة توقعاً بدخول مراد؟
رد القاضي :
- حقا.. هذا صحيح. كان لدينا شك في القتل، ونظرنا نحو باب قاعة المحكمة. ولكن المتهم صالح هو الوحيد الذي لم ينظر نحو الباب!!