الرد على مقال النائب السابقة حنين زعبي:
جرافات الترف الفكري قد تبني دولة في الخيال لكنها عجزت عن بناء غرفة في مخيم لاجئين أو كفالة يتيم في غزة
مفهوم الوطنية في تعريف حنين قائم على شكل من اشكال التهور السياسي وهو نهج امتاز به العديد من التجمعيين الذين على المستوى التنظيري يعطون انطباعا انهم يمتلكون فكرا عقلانيا
- عبد الكريم عزام
اعتدت عندما اكتب مقالا في الرد على المتطاولين على الحركة الإسلامية ونهج الموحدة ان اذهب بداية الى معرفة هوية الكاتب اختصارا للوقت لان هناك "ابجديات" متداولة متكررة اجدها في الهوية السياسية لكل كاتب تختزل مقالته وتساعدني في توقع المكتوب قبل الخوض فيه، فالشيوعي له ابجدياته، والقومي له ابجدياته، وغلاة العلمانيين العرب لهم ابجدياتهم. وهذا الامر وجدته قمة في الصواب عندما نويت الرد على مقال النائبة السابقة عن التجمع حنين زعبي.
فقبل قراءة المقال توقعت خطابا فيه تكرار لمصطلحات من قبيل وطنية، مواطنة وهوية. وكذلك توقعت تساقط السهام السامة عن يمين وعن شمال على رؤوس كل من يحيد عن تعريفات الكاتبة للمصطلحات وعن فهمها للسياسة.
فلقد اختارت النائبة السابقة، بداية، عنوانا لمقالها: " جرافات بدعم الإسلامية الجنوبية تدخل سلوان ومستوطنو حكومتها يقتحمون الأقصى" فكان العنوان مستفزا الى الحد الذي اجبرني على قراءته وهذا يحسب لصالحها. لكن ما ان غصت في ثنايا كلماتها وجدت نفسي امام مقال مليء بالمغالطات المنهجية والفكرية الى الحد الذي يجعل عنوان المقال في واد ومضمونه في اخر، بل يجعل من كل المقال مجرد محاولة بائسة لإملاءات فكرية وفرض تعريفات لا تحاكي الحقيقة ولا تقترب منها.
فمن يقرا المقال يدرك في الحال ان كاتبة المقال تعيش بعيدة ليس فقط عن حدود الوطن انما أيضا عن حدود مفهوم المواطنة التي حملناها عنوة في العام 1948, وأنها تعيش في واقع رومنسي حالم أشبه في حقبة الستينيات وما حملته من أوهام الناصرية والنظريات "الكبيرة " والشعارات المركبة التي انتجتها الأنظمة العسكرية العربية والتي ما قدمت للعالم العربي الا هزيمة تتلوها هزيمة وتقهقر يتلوه تقهقر واحباط يتلوه احباط.
ان حنين التي شغلت منصب "نائبة" في الكنيست الإسرائيلي الصهيوني لثلاث دورات متتالية قدمت خلالها نموذجا عمليا للتناقضات التي يحملها مقالها. وهي تناقضات لا تعيشها حنين فقط انما هي تناقضات عامة يعيشها التجمع -ما بعد عزمي بشارة - في سلوكه وليس بدافع فكري اخلاقي انما بدافع "البقاء" السياسي الانتهازي خاصة ان التجمع لا يملك القدرة على البقاء السياسي دون وجوده في شكل من اشكال التحالف بعيدا عن جوهر او شكل هذا التحالف.
فالتجمع الذي ولد أصلا من خلال رفض التعايش مع فكر الجبهة والحزب الشيوعي الإسرائيلي لم يجد لاحقا أي حرج في تحالفه هذا متجاوزا كل العداء الفكري والخصومة التاريخية في سبيل "البقاء" لكنني اعترف انني في مقالي هذا لست بصدد نقد فكر التجمع وكذلك اشير وبعيدا عن السياق الحالي انني أكن الاحترام لمؤسسه الدكتور عزمي بشارة الذي لم تتجاوزه سهام كاتبتنا هو الاخر رغم ما يحمله من فضل على حزبها ووجودها السياسي.
ثم رأينا التجمع يتحالف مع الموحدة التي لم تسلم هي الأخرى من لسعات التجمعيين وكتاباتهم - وبخلاف الفكر الذي كان يطرحه عزمي بشارة الذي اعتز بهويته الحضارية الإسلامية- التي ترى بفكر الحركة الإسلامية فكرا متناقضا مع الطرح العلماني القومي.
وعودة الى كاتبتنا، ان مفهوم الوطنية في تعريف حنين قائم على شكل من اشكال التهور السياسي وهو نهج امتاز به العديد من التجمعيين الذين على المستوى التنظيري يعطون انطباعا انهم يمتلكون فكرا عقلانيا واعيا للعلاقة التي بين وطنتينا ومواطنتنا لكنهم من الناحية العملية لم يقدموا للخطابين ما يعززهما منذ ولادة التجمع الى يومنا هذا. فحنين التي تتحدث عن جرافات "بدعم الإسلامية تدخل سلوان وتقتحم الأقصى وتقصف غزة ...." لم تقدم لسلوان ولا لغزة ولا للأقصى سواء من خلال عملها كنائبة ام من خلال عملها خارج الكنيست ما يعزز ثبات اهل غزة وسلوان شيئا، بخلاف "الإسلامية" التي منذ ولادتها انشات الجمعيات التي هدفها تعزيز ثبات أهلنا في غزة والقدس وجنين وكل فلسطين التاريخية وعملت هذه الجمعيات ليس كجمعيات حزبية انما فوق التحزب والمصالح الضيقة بينما لم نسمع حنين او حتى التجمع يقيم جمعية واحدة لدعم أهلنا في غزة والقدس والاقصى رغم وجود عشرات الجمعيات التي تعمل في خدمة التجمع وأحيانا في خدمة افراد من التجمع. فمفهوم الوطنية عند حنين قائم على الشعارات وكثيرا ما كانت تلجا من خلال محكمة العدل العليا الى توضيح وتبرير هذه الشعارات حفاظا على وجودها السياسي معتقدة انها بذلك "تحرج الديمقراطية" الإسرائيلية وهي في الحقيقة تقدم خدمة ذهبية لها. أولا لأنها تلجا الى محاكمها وهي دون شك جزء من منظومتها السياسية ثم لأنه لا يمكن احراج الديمقراطية الإسرائيلية من خلال "اللعب" بعيدا عن ملعبها! وهو الامر الذي فهمه عزمي بشارة جيدا عندما ترشح لرئاسة حكومة إسرائيل.
ان الحركة الإسلامية تقدم لحنين ولكل أبناء شعبنا نموذجا عمليا للموازنة بين الوطنية والمواطنة من خلال رفع سقف المواجهة مع الديمقراطية الإسرائيلية من خلال ذراعها السياسي "الموحدة" ومن خلال أذرعها الاجتماعية الفاعلة في القدس وغزة وكل مكان. هذا النموذج النادر في فهم الواقع وفي تبني وسائل مواجهة ليس مع المحاكم الإسرائيلية انما مع الكنيست الإسرائيلي وهي السلطة العليا في إسرائيل وكل طالب حديث العهد في العلوم السياسية يدرك أن السلطة التشريعية وما تمثله من "مبدا حكم الشعب" تتقدم في المنظومة الديمقراطية من حيث أهميتها على المحاكم التي هي مجرد خادم طيع لها.
ثم ان حنين والتجمعيين الذين يطرحون فكرة "الدولة لجميع مواطنيها" وهو طرح دون شك معتبر لكنه غير مكتمل بل انه طرح يحمل في طياته تناقضات كثيرة، فحتى الان لم يقدم التجمعيون الية عملية للطريق المطلوب لإقامة هذه الدولة المرجوة، ولم يقدموا مشروعا عمليا لإحراج مفهوم "يهودية الدولة" الا من خلال القعود كمتفرجين في ملعبها الديمقراطي. وهذا السلوك السياسي نابع في أساسه من اعتبارات شعبوية لان التجمع يبني وجوده على استهلاك هذه الشعارات ويعلم التجمعيون تماما أن التنظير السياسي ملعب واسع بالإمكان طرح كل فكرة ونظرية فيه بل بالإمكان بناء نماذج جميلة ورومنسية لا متناهية من الأنظمة والمسميات من خلال الاغراق في التنظير والترف الفكري. هذا الترف الذي كما يبدو لم يلامس مرة الحقيقة العملية الواقعية للسلوك السياسي الوطني الحقيقي. هذا الترف الذي لم يقدم للأقصى او غزة او سلوان شيئا منذ النكبة.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com