المثقف الفلسطيني الحقيقي ليس من يحمل شهادة عليا أو يمتهن نشاطا ثقافيا فقط. بل هو الذي لا ينتمي إلا لفلسطين، ولا يؤجر نفسه وقلمه وعقله للغير وخصوصا إن كان الغير أنظمة وحركات سياسية تعمل من أجل مصالحها واجندتها كما انها حليفة لأمريكا ؛أيضا هو الذي يوظف ثقافته وموقعه الوظيفي في خارج الوطن لتعزيز الوحدة الوطنية وليس وضع نفسه موجها ومقررا ومتعالياً عن الشعب .
مع احترامنا لكثير من الأسماء الواردة في بيان إقالة أو استقالة الرئيس أبو مازن الذي تداولته وسائط التواصل الاجتماعي فإن هذا البيان محاولة ممن يقفون متفرجين على نضالات ومعاناة الشعب داخل فلسطين أن يكون لهم دور او تعبير عن حالة غضب على النظام السياسي ورئيسه لضعف تفاعلهم مع الاحداث، وإن كان من حقهم ولا شك ان يكون لهم دور الا انهم للأسف نهجوا الطريق الخطأ وبيانهم قد يثير الفتنة ويذكرنا بشعار (الشعب يريد اسقاط النظام) الذي تم رفعه في بداية ما يسمى الربيع العربي وقد رأينا مآل الربيع العربي، مع أنه في الحالة الفلسطينية الراهنة فإن من يرفع الشعار ويطالب بإسقاط رأس النظام مجموعة من النخبة وليس الشعب.
هذا لا يعني أن النظام السياسي لا يحتاج للتغير على كافة المستويات من الرئيس إلى المنظمة والسلطة والحكومة، فهو نظام بات عاجزا ومهترئا؛ ولكن على الشعب أن يغير النظام من خلال صناديق الانتخابات وليس من خلال الانقلاب وإثارة الفتنة والاملاءات الخارجية ويجب أن نستحضر ونتذكر البيانات والدعوات التي كانت تصدر قبيل اغتيال إسرائيل للرئيس أبو عمار 2004 وهي شبيهة بما نسمعه اليوم، مع الفرق بين شخصية ونهج الزعيم البطل أبو عمار وشخصية الرئيس أبو مازن ونهجه.
يمكن أن نفهم مطالبة الرئيس بالاستقالة وهكذا دعوة نجدها في كل الأنظمة حتى الديمقراطية، ولكن الدعوة لإقالة الرئيس فهو الخطأ والشيء غير المفهوم. مثلا من الذي يملك قرار الاقالة أو حتى مناقشته؟ هل هي حركة فتح ولجنتها المركزية باعتباره رئيسا لها؟ أم السلطة باعتبار الرئيس ابو مازن رئيساً لها؟ أم منظمة التحرير الفلسطينية باعتباره رئيسا لها ؟ أم الاجهزة الامنية الفلسطينية من خلال انقلاب عسكري؟ أم إسرائيل من خلال التخلص من الرئيس بطريقتها الخاصة كما فعلت مع أبو عمار مع الإشارة إلى أنه قبل تخلص إسرائيل من أبو عمار باغتياله جسدياً ارتفعت أصوات فلسطينية وصدرت بيانات ضد ابو عمار تتهمه بالفساد والعجز وتطالب بتغييره؟.
كما ان من يُقيل الرئيس عليه تعيين البديل، فهل في المؤسسات المُشار إليها من هو محل توافق ويصلُح للرئاسة؟ وإن كان المطلوب رئيسا من خارج هذه الدائرة أو المؤسسات فكيف سيتم اختياره وتنصيبه ان لم تكن هناك انتخابات؟ ويجب أن لا ننسى أن إسرائيل قادرة أيضاً على صناعة قيادة جديدة للفلسطينيين.
وهذا يرجعنا إلى المطلوب وهو حراك شعبي شامل يشارك فيه ولا بأس أن يقوده المثقفون والاكاديميون ومؤسسات المجتمع المدني من أجل إجراء انتخابات عامة متزامنة: مجلس وطني لمنظمة التحرير، والرئاسةـ والمجلس التشريعي، وإن لم تكن متزامنة فلتبدأ بانتخاب مجلس وطني جديد وتفعل المنظمة.