حقاً، إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا "أبا العز" لمحزنون
بمزيد من الحزن والأسى أُنعي الوطني الكبير/ لمعي قمبرجي، كأحد المناضلين المميزين في فلسطين، الذين قدموا نموذجاً في الزهد والعطاء والنبل في ساحات العمل والنضال الوطني كافة، وقد غيّبه الموت صباح يوم الأربعاء بتاريخ 17 آذار/ مارس 2021م في مدينة القاهرة
وفي هذا السياق، أود أن أورد بعض الذكريات المؤلفة من مواقف وطنية نبيلة ومساعٍ إنسانية خيرة شاهدتها، وهي غيض من فيض، ولتكون مثلاً من أمثلة عديدة، توضيحاً لبعض جوانب شخصية المرحوم لمعي قمبرجي الفذة:
عندما أعود بالذاكرة إلى الأيام الخوالي، حينما كنا نسافر إلى القاهرة في الصيف لقضاء الإجازة في هذه المدينة الهيفاء، مدينة الأهرامات، دائماً كان يخامرني الشعور بأن مدينة القاهرة هي ملكة الشرق الأوسط بلا منازع، وملتقى الشرق والغرب، وعندما أذكر القاهرة، هذه المدينة الساحرة يتمثل أمامي رجلٌ اسمه "لمعي قمبرجي"؛ ولأن لمعي اسمٌ على مسمّى، وصفة على موصوف، فهو رجل شديد التهذيب والصفات اللامعة بنفسه الجميلة، ووجهه الذي يوحي بالراحة والطمأنينة
عرفت هذا الرجل الفذ منذ سنين طويلة، وخبرت خلال تلك الفترة أمثلة عديدة من الخصال التي يتميز بها هذا الرجل، فهو مثال يحتذى به في دماثة خلقه وسيرته الحسنة، كان أصدق الناس لهجة، وأبعدهم عن الكذب والتدليس، فلم يعرف في حياته لغواً ولا لهواً، إنما استهدف الجد والنفع العظيم، كان يعمل بصمت وسكينة بعيدة عن الأضواء، لا يبتغي إلا وجه الله – عز وجل - إنه إنسان بكل معاني هذه الكلمة وما تنضوي تحتها من معانٍ وخصال فريدة ممتازة، وهو رجل في حنين دائم إلى البساطة، لم يكن يضمر لأحد سوءاً، وهي أمور لا يتحلى بها إلا كريم النفس، صريح الطبع، سليم الصدر، نقي السريرة
عندما تجتمع به ترتاح نفسك لملاقاته، وتحدثه، فيتحفك بكنوز أفكاره وثمار علمه وخبرته، فتتمنى أن يطول اللقاء، وأن يستمر الحديث إلى ما لا نهاية، وهو إلى ذلك بعيد عن الإدعاء والتبجح، وكان الرجل الوفي والوطني الذي أمضى سني عمره في العمل الوطني، يؤدي واجبه على أكمل ما يستطيع لوجه الله وللوطن، لا لشهرة أو لجاه، وكنت كثير الإعجاب به وبمقدرته وصفاته اللامعة التي يتحلى بها، وانطبق عليه قول الشاعر:
كأنكَ من كلِ النفوس مُركَّبٌ فأنت إلى كل النفوسِ حبيبُ
هذه ظلال من شخصية لمعي قمبرجي، حاولت أن أرسمها بعفوية كما لمستها وعرفتها وعاصرتها، والحق يقال من باب تقرير الواقع، لا من باب المديح والإطراء، وهي كلمة أقولها عن صديق، لا تصفه بمقدار ما تعبر عمّا في نفسي وفي قلبي
تغمده الله بواسع رحمته، وطيّب الله ثراه، وأسكنه خير مسكن مع الصالحين، وإنا لله وإنا إليه راجعون