لقد شكك الكثير فيما يسمى بالربيع العربي، وأرجع أسباب الثورات العربية الحديثة في معظم الدول العربية إلى التدخل الأمريكي والتدخّل الصهيوني أو الطمع الإخواني في الحكم. لم يقتنع العرب أن التحرك هو تحركهم، وأن الشعوب العربية المقهورة والمغلوبة على أمرها لأكثر من مائة عام تستطيع أن تنهض من الركام وأن تنتفض ضد الظلم وضد الفساد وضد الطواغيت والدكتاتوريات. لقد استكثر المحللون السياسيون والمفكرون والمثقفون والأدباء على الشعوب العربية أن تثور على حكامها وعلى الأنظمة المستبدة وعلى الفقر والبطالة وقمع الحريات وسرقة خيرات البلاد لعشرات السنين. لقد عاش الشباب العربي جيلا بعد جيل ظلما وحرمانا ليس له سبب إلا جشع حكامهم، وخيانة العملاء وصمت النبلاء من الأمة. ليس عقداً واحدا، ولا عقدين أو ثلاثة، بل عشرة عقود من الذل والهوان والتوهان والضياع السياسي والاحتكار الاقتصادي.
ومع انفتاح الإعلام وانتشار الفضائيات والانترنت في العالم العربي، تمكّن الشباب العربي من الاطلاع على النعيم الذي يعيشه الشباب الأوروبي من حريات وديمقراطية ورغد في العيش. رأوا كيف يشارك الشباب الأوروبي وكثير من شبابا العالم في الحياة السياسية والبرلمانية وكيف يختار الأوروبيون قيادتهم بطريقة ديمقراطية من خلال انتخابات نزيهة وشفافة، وكيف تتداول الأحزاب السياسية السلطة والحكم بشكل سلمي. رأى الشباب العربي كيف تفصل الدول الديمقراطية بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية لتضمن نزاهة التشريع والقضاء وإمكانية محاسبة المسؤولين مهما كان منصبهم في الدولة بما فيهم رئيس الدولة. ومن ناحيتهم، استنتج الشباب العربي أنهم يعيشون داخل سجن كبير، بلا حقوق أو أدنى مقومات الحياة الكريمة. ولذات الأسباب، كان الشباب العربي يهاجر الى كل بقاع الدنيا هربا من القمع السياسي وطمعا في حياة مستقرة وكريمة. لم تكن البلدان العربية يوما أوطانا لشبابها، بل هي سجون يقبع فيها الشباب حتى الموت الرحيم أو فرصة للهجرة والهروب منها. وبعد كل ذلك، نستهجن على الشباب العربي أن يخرج إلى الشوارع طلبا للحرية والعيش والعدالة الاجتماعية. وبعد مائة عام من الدكتاتورية، نستكثر على الشباب العربي أن يطالبوا بالدولة المدنية. هل الشباب العربي أقل من غيرهم من شباب العالم، وهل نستكثر عليهم التعليم المجاني والتطبيب المجاني وحرية الحركة وحرية الرأي وحرية التعبير وحرية التظاهر السلمي! هل نستكثر على الشباب العربي أن يختاروا قيادتهم بشكل ديمقراطي! هل نستكثر عليهم الحياة الكريمة!
لقد انتفضت الشعوب العربية وبدأت ثوراتها ضد الظلم والاضطهاد والدكتاتورية في العام 2011، ولم تنتهي الثورات لأنها لم تحقق نتائجها بعد حتى لو أخذت عقداً أو عقدين. فالثورة الفرنسية على سبيل المثال أخذت عشر سنوات وكانت على مراحل. ولهذا، فالنتيجة المرجوة من ثورات الربيع العربي حتمية، ولا مناص للحكام من تحقيقها. لأن الحكم العسكري لم يعد مقبولا كحل دائم، ولا الحكم الدكتاتوري مقبول، ولا الحكم الديني مقبول، ولا الاستعمار الغربي مقبول، ولا الاستعباد مقبول. لن يقبل الشباب العربي أن يكون أقل من غيره من شباب العالم وسيظل ينتفض، موجة بعد موجة، وثورة بعد ثورة، حتى يحقق أحلامه وطموحاته في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
إن التغيير المطلوب في العالم العربي يحدث على مراحل متفاوتة، وعلى عدة مستويات وفي عدد من الدول في البداية، وتتصاعد وتيرته أحيانا وتخبو أحيانا أخرى. وبدأ ينتشر أفقيا وعاموديا، كالفيروس الذي يعدي الجميع، ولكنه فيروس إيجابي لأن القيم الإيجابية هي التي تنتشر في أوساط الشباب وفي أوساط الحكم والطبقة الحاكمة وفي أوساط المجتمع المدني وفي المدارس والجامعات وقطاع الأعمال وكل القطاعات. ربما لأن ّ عنصر التخطيط المنهجي غائباً في هذا التغيير، فإنه يحدث بطرق عشوائية وأحيانا مفاجئة، وعن طريق الصدمات حين تنفجر الظروف ولا تعد تحتمل. وهكذا دواليك، بلد عربي وراء بلد آخر، ثورة وحرائق ومن ثم إطفاء للحرائق وهدوء مؤقت واستمرار للظلم، وبعدها ثورة أخرى بعد فترة أخرى وحرائق جديدة ونزول الناس إلى الشوارع ثائرة على الظلم والاستبداد والفقر والبطالة والمرض. لقد أشرقت شمس الحرية والعدالة على عالمنا العربي وتكشفت العورات وظهر العفن والتخلّف، ولم يعد ممكنا العيش كما قبل والتستّر على كل هذا الكم من الظلم والحرمان. لم يعد ممكنا السكوت على الفقر والذل والاستعباد. ولم يعد ممكنا لأي دكتاتور عربي أو قوى استعمارية غربية أو شرقية، أن تمنع انتشار العدل والحرية والعدالة الاجتماعية في العالم العربي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com