جاء في بيان صادر عن فضيلة الشيخ موفق طريق الرئيس الروحي للطائفة الدرزية:"الحمد لله وكفى وصلّى الله على السّيّد الهادي المصطفى، وجميع الأنبياء والمرسلين الدّاعين إلى الحقّ بالوفا.
إخواني أبناء الطّائفة الدّرزيّة في كلّ مكان،
شهرٌ مضى على توديع العام 2020 واستقبال هذا العام الجديد، الّذي يطلّ علينا في هذه الأيّام بأوّل زيارةٍ رسميّة تحييها الطّائفة الدّرزيّة خلال مناسباتها السّنويّة المقرّرة، ويطوي بيده سنةً مصيريّة استطاعت أن تقلب الموازين، وتخلق ثورةً في الواقع والمفاهيم.
منذ ستيّنات القرن الماضي، أقرّ شيوخ المنطقة وعلى رأسهم سيّد الجزيرة وشيخ العشيرة فضيلة سيّدنا الشّيخ أبو يوسف أمين طريف، تاريخ الخامس والعشرين من شهر كانون ثانٍ من كلّ عام، ليكون عيدًا رسميًّا وزيارةً سنويّةً لمقام سيّدنا الخضر عليه السّلام في كفرياسيف، يستذكرون من خلالها شخصيّة سيّدنا الخضر الّذي تناقلت الكتب السّماويّة أخباره وسيرته، وتناقلت الألسن قصص فضله ومعجزاته، إذ بعثه الله في البشريّة داعيًا بالموعظة الحسنة والحكمة، باذلًا علمه اللّدنيّ في سبيل إصلاح المجتمع، وتقويم نفوس الخلق من الهوى والاعوجاج.
في مثل هذه المناسبة الجليلة، الّتي اعتادت الطّائفة على إحيائها في المقام الشّريف، وسط لقاءٍ كان يجمع المؤمنين بسلامة القلوب على الذّكر الحكيم، فاتحًا لهم بابًا للعودة إلى الذّات في عالم تحكمه السّرعةُ والانشغالات، تطلّ علينا زيارةٌ أخرى تحت ظلّ جائحة الكورونا، الّتي حرمتنا أيضًا خلال العام الفائت من عقد اللّقاءات، وحتّمت علينا أن نغيّر النّهج والعادات، ونقدُم إلى باحات المقام زائرين قلبًا لا جسدًا، مستقلّين حوافل الرّضى على طرق التّسليم، وراجين أن تأتي حملة التّطعيمات الّتي انطلقت مؤخّرًا بالنتائج المرجوّة، لنعود في القريب العاجل إلى الاجتماع والتّلاقي بعد طول انقطاع واشتياق.
لا شكّ أنّ قرار تعليق هذه الزّيارة وغيرها من المناسبات، إضافةً إلى تمديد الإغلاق المفروض على دور العبادة، هو ممّا يُحزن الأفئدة والقلوب، ويبعث الحسرة واللّوعة في النّفوس، تلك الّتي اشتاقت وتاقت لكي تعود بعد طول انقطاع إلى موطنها الرّوحيّ، وتستقرّ مطمئنّةً بين الإخوان الّذين هم العدّة لكلّ شدّة، والسّعادة الحقيقيّة في الدّنيا والآخرة.
وفي هذا الباب نقول: لم يكن التّغييرُ يومًا محطّ ثقةٍ عند الإنسان الّذي يميلُ بطبعه إلى الثّبات، ولكنّه كان ولا زال عند المؤمن العارف وقودًا للتفكّر في غرائب الصّنع وعظمة الصّانع، وسببًا لإشغال الفكر فيما وراء الأحداث بحثًا عن الحكمة الرّبانيّة فيها. وممّا لا شكّ فيه، أنّ التّغييرات الكبيرة الّتي رافقت حياتنا خلال العام المنصرف ولا تزال، تقتضي منّا أن نتوقّف طويلًا مع النّفس، وأن نعيد النّظر في مفاهيم كثيرةٍ حول العلاقة بين الإنسان وخالقه.
ولعلّ أحد أهمّ هذه المفاهيم الّتي شاهدناها تُختبر يومًا بعد يوم أمام أعيننا خلال هذه الفترة، ما لاحظناه من قراءة البعضِ بشكلٍ غير دقيق لمعنى "التوكّل"، وتفسيره على أنّه إيداعٌ للذّات في ظلمة المخاطر، وتعليق النّتائج برحمة الخالق تعالى، دون الأخذ بالتّعقل والتّدابير. وفي الحقيقة، خفي عن هؤلاء الفرق الكبير بين مصطلحي "التّواكل" و "التّوكّل"، إذا كان الأوّل يُفسَّر على أنّه ترك الأسباب بالتّقاعس عن الأعمال ومتابعتها بحجّة الاتّكال على الله، وهو منحى مذموم. بينما "التّوكّل" هو الاستمرار في الجدّ والسّعي والمحاولة إلى جانب تفويض الأمر لله تعالى في جميع أمور الحياة، وذلك عملًا بالنّصيحة الخالدة: "اعقل وتوكّل"، وهو المنحى الدّينيّ المطلوب.
إخواني وأخواتي،
في هذه الأيّام المباركة، الّتي نحتفل خلالها بزيارة سيّدنا الخضر عليه السّلام، نتضرّع إليه تعالى أن تسود المنطقة أجواء السّلام والتّفاهم، وأن تعود الحياة سريعًا إلى سابق عهدها، ونطوي هذه الأيّام القاسية الّتي تركت ملايين النّاس معلَّقين بحبال الأمل الآتي، ومنتظرين الفرصة ليعودوا إلى أعمالهم ومصالحهم ومعابدهم، بعد طول انتظار. كنّا ولا نزال كأبناء للطّائفة الدّرزيّة، نعيشُ على اليقين أنّ الله لا يقدّر إلّا ما فيه الخير، وأنّ ظلام اللّيل وإن امتدّ لا بدّ بعده من تجدّد وإشراق.
في الختام، لا يسعنا إلّا أن نتقدّم باسم الهيئة الدّينيّة والمجلس الدينيّ الدّرزيّ الأعلى إلى جميع أبناء الطّائفة الدّرزيةّ في كل مكان، ناقلين لكم أعطر التّهاني وأسمى التبريكات بمناسبة حلول زيارة سيّدنا الخضر (ع)، داعين أن تكون زيارةً مقبولة بالنّيّات، لنا ولكم جميعًا".