- إستعراض لقصَّة الحلزونة سناء - للأطفال - للشاعرة والأديبة آمال أبو فارس -( بقلم : الدكتور حاتم جوعيه - المغار- الجليل )
مقدمة : تقعُ هذه القصَّةُ في 22 صفحة من الحجم الكبير - تأليف : الكاتبة آمال أبو فارس ، رسومات مروة مقلدة - إصدار مكتبة كل شيىء حيفا . تهدي الكاتبةُ القصة إلى أحفادها الغاليين وإلى كل أطفال العالم - حسب ما جاء في تقديمها للكتاب .
مدخل: تتحدَّثُ هذه القصَّةُ عن حلزونةٍ أطلقت عليها الكاتبةُ إسم ( سناء ) وتفتتحُ وتستهلُ الكاتبةُ القصَّة بشكل مباشر وبدون مقدمة تمهيديَّة وتقول : إنه في إحدى أيام الصيف الحارة جدا أخرجت الحلزونةُ سناء ( بطلة القصَّة ومحورها الأساسي) رأسَها من قوقعتها ( بيتها) وكان الطقسُ خارج القوقعة حارًّا جدا لا يطاق ، وجسم الحلزونة اللين غير مكيف وملائم لهذا الطقس فخافت على نفسها من شدَّةِ الحر فرجعت هذه الحلزونة للوراء وأختبأت في قوقعتها التي هي بيتها ومأمنها الذي تحمله على ظهرها .
وهذه الحلزونة من طبيعتها انها تحبُّ النوم كثيرا فنامت الحلزونةُ سناء في بيتها ( داخل قوقعتها) شهرا، شهرين ، ثلاثة شهور- كما جاء في القصة ...( تعطي الكاتبة هنا في هذه الجملة وهذا التعبير صورة واضحة للأطفال الصغار الذين يقرأون أو يستمعون لهذه القصَّة لفترة السباتِ التي تقضيها الحلزونةُ داخل القوقعة..ولم تذكر فترة السبات والنوم بكلمة واحدة بل كتبتها ومدتهاعلى مراحل ..شهر..شهران.. ثلاثة شهور..ووضعت فاصلة بعد كل فترة زمنيَّة لتُشعرَ الطفلَ وتحسِّسَهُ بطول المدة ) . فاقت الحلزونةُ من نومها بعد هذه المدة وأخرجت رأسَها من جديد من القوقعة وشعرت مباشرة برعشة في جسمها وسقطت قطرة من ماء على رأسها (صفحة 10 ) فدبَّ الإنتعاشُ والنشاطُ فيها وفرحت كثيرا لأنه جاء فصلُ الخريف وقريبا يليه فصلُ الشتاء البارد والماطر، وتستطيعُ ، بدورها ، في هذا الطقس أن تعيش وتمشي على بطنها وهي خارج القوقعة بكل ارتياح وحريّة .. فزحفت هذه الحلزونة بعد خروجها من قوقعتها على بطنها لتجمعَ المؤونة والغذاء ، وقد كانت جائعة كثيرا وجسمها كان ضعيفا بعد فترة السبات الطويلة التي قضتها داخل القوقعة ولها مدة طويلة لم تأكل شيئا. بحثت في الحديقةِ القريبةِ عن أوراق خضراء وبدأت تأكل الأوراق الخضراء الطريَّة ، وأصبحَ في الأوراق فتحة بيضاء..أي فراغ في المكان المأكول من ورق العشب..( وإنه لتعبير وتشبيه ذكي جميل - صفحة 16 ) . ونظرت الحلزونة سناء من فتحة الأرواق فرأت حلزونة أخرى قريبة منها ونادت عليها : (( يا صديقتي تعالي لنلعب معا ! )) ...فلبت الحلزوزنة الأخرى دعوتها بمحبّة وشوق ورحابة صدر..فلعبتا معا بمرح وسرور وتمتعتا معا بين الأوراق الخضراء وجمعتا الطعامَ والغذاء .
وتتابعُ الكاتبةُ القصة وأحداثها فتنتقلُ إلى مشهدٍ آخر وصورة أخرى من القصَّة فتقول:
بعد مرورالأيام انقطع المطرُ وصفت السماءُ واشتدَّ الحرُّ فعرفت وأدركت الحلزونةُ سناء إنَّ فصلَ الصيف قد جاء والذي لا يلائمُ بناءَها وتكوينها الجسمي البيولوجي فهو لا يحتملُ الحرَّ الشديد، بل يذوبُ من شدة الحر..فخافت الحلزونةُ سناء جدا أن تذوب وتموت، فدخلت قوقعتها ( بيتها) باطمئنان وارتياح ، وكانت قد أكلت ولعبت كثيرا قبل فترةِ السبات الجديدة التي ستقضيها ، وحان الآن وقت النوم والسبات الطويل..وتنتهي القصةُ هنا هذه النهاية المفتوحة وبهذه الجملة والعبارة(( فقد أكلتْ ولعبت كثيرا، وحان الآن وقت النوم ! )) .
تحليلُ القصَّة : هذه القصةُ جميلة وناجحة وراقية بأسلوبها وفحواها وأهادفها وأبعادها الأدبيّة والفنيَّة والجماليَّة والتعليميَّة ..إلخ .
لقد كتبتْ ونسجت الكاتبةُ القصَّة بلغةٍ أدبيَّة منمَّقة وأسلوبٍ جميل وسلس ومفهوم حتى للطفل الصغير .. ولا يوجدُ في القصَّة تعقيداتٌ وجملٌ مبهمة وكلمات صعبة وغير مفهومة . والقصّةُ من ناحية الكم والمسافة الجغرافيَّة هي قصيرة نسبيا إذا قُورنت مع الكثير من القصص الأخرى التي كُتِبَت للأطفال ، وهي ملائمة جدا لمرحلة الطفولة المبكرة ، وللطفل الصغير الذي يحبُّ ويريدُ الإختصارَ والإيجاز بطبيعته وفطرته ولا يوجدُ عنده النفس والصبرالطويل للإستماع للقصص الطويلة جدا والتي قد تدخلُ الملل .
تحوي هذه القصَّةُ في داخلها أبعادا وأهدافا هامّة ، وهي :
1 ) البعد الأدبي والفني
2) العنصر الترفيهي والتشويق.
3 ) العنصر والجانب التعليمي
4) الجانب الإجتماعي والذي يهدف إلى التعاون والتعايش المشترك .
5 ) العنصر الفانتازي الخيالي .
إذا نظرنا إلى أسلوب وطابع القصة من الخارج كشكل وبناء فالقصة سردية لا يوجدُ فيها عنصر الحوار (ديالوج ) بين الأبطال والشخصيات فالكاتبةُ هي فقط التي تتحدثُ عن البطلةِ ( الحلزونة سناء) في جميع أحداث ومشاهد القصة ..سوى في جملة واحدة فقط (صفحة 16 ) وذلك عندما ترى الحلزونة سناء حلزونة أخرى بجانبها من فتحة الأوراق فتنادي عليها وتخاطبها:
( يا صديقتي ! تعالي لنلعب معا !- صفحة 16 ).
وموضوع القصة إذا يرتكزُعلى الحلزونةِ سناء فقط سوى في حيز وجزء صغير بسيط عندما تتحدَّث مع زميلتها الحلزونة الأخرى التي تشاركها اللعب... ولا تطلقُ الكاتبةُ في هذه القصّة إسما أو لقبا لهذه الحلزونة زميلة سناء ... ولا تدخل الكاتبةُ شخصيات أخرى في القصة ليتّسعَ الموضوع والفحوى ومجال مجرى الأحداث والمشاهد .. وهذه القصة بالتأكيد تصلحُ للتمثيل الفردي - مونودراما - إذا أدخلَ إليها عنصرُ الحوار( ديالوج ) .
والقصَّة ترفيهيّة ومسليَّة من الدرجة الأولى ..ويقرأها ويستمعُ إليها الطفل بشغف واستمتاع وانسجام . ونجدُ فيها عنصرالتشويق والإثارة، وخاصة في بعض المشاهد وعندما نخرج الحلزونة من قوقعتها وتشعرُ بالحر الشديد الذي يشكل تهديدا وخطرا على حياتها، فهذا المشهد يُدخلُ إلى الطفلِ الإثارة والقلق والتفكير بمصير الحلزونة ، وبالتأكيد سيشعرُ معها بالتعاطف..ويثيرُ في نفسيته هذا المشهدُ الشفقة والأريحيَّة وحب المساعدة ... وتنتقلُ الكاتبةُ بسرعة إلى جملة أخرى ومشهد آخر يخرجُ فيه من جو الإرتباك والحيرة والقلق..وتقولُ الكاتبةُ فيه :إن الحلزونة سناء دخلت قوقعتها من شدة الحر.. والقوقعةُ هي جزء من جسمها وتكوينها البيولوجي ، وهي بيتها ومكان الأمان ..وتقضي الحلزونةُ عدة أشهر في بيتها حتى انقضاء فصل الصيف .
وأما الجانب التعليمي والعلمي في القصَّة فيظهر هنا من ناحية بيولوجيَّة حيث تعطي الكاتبةُ ( آمال أبو فارس) للأطفال وحتى للكبارالذين لا يعرفون كيف تعيشُ الحلزوناتُ وظروفها وأوضاعها البيئيَّة فكرةً وصورة كاملة لهذا الموضوع، فتوضِّحُ الكاتبةُ وبشكل غيرمباشرومن خلال مجرى أحداث القصّة انّ الحلزونات تقضي فترة الصيف والحرالشديد في سبات طويل حتى اقتراب فصل الشتاء فيتبدل الطقس وتشعر بالبرد فتخرج من بيتها وقوقعتها وتبدأ في التفتيش والبحث عن الغذاء والطعام ، وأن طعام وغذاء الحلزونات هو الأعشاب ( أي أن الحلزونات نباتية ولا تأكل اللحوم إطلاقا) ..وهي على عكس الدببة القطبية التي تنام نوما طويلا في فصل الشتاء وتستيقظ من سباتها عند اقتراب فصل الصيف . وتذكر الكاتبةُ أنَّ جسمَ الحلزونة ليِّنٌ جدا وشبه هُلامي لا يحتملُ حرَّ الصيف ، وهو مَبنيٌّ وملائم فقط لفصل الشتاء والبرد .
وأما الجانب الإجتماعي والإنساني في القصَّة فيظهرُ جليًّا في هذا المشهد عندما ترى الحلزونة سناء حلزونة أخرى وتطلب منها أن تلعبا سويا.. وهذا ما حدث بالفعل .. وتستمتعان في اللعب وتأكلان العشب مع بعض... ( تشيرُ الكاتبةُ إلى المحبَّةِ والرابط الإجتماعي الإنساني المتين والتقارب والتعايش المشترك - ومن خلال التحدث عن الحيوان-، وأنه لا يستطيعُ أيُّ كائنٍ حيٍّ على الأرض مهما كان نوعهُ أن يعيشَ ويحيا لوحده طوال الوقت،بل يحتاج إلى صديق أو لمجموعة أصدقاء يشاركونه ويشاطرونه حياته دائما في حلوها ومُرِّها وفي جميع ظروفها وتموُّجاتِها .
وأما الجانب الفانتازي الخيالي في القصَّة فهذه القصَّة بحدِّ ذاتها فانتازية خياليَّة لأنها كُتبت على لسان الحيوان(الحلزونة سناء) والحيوان فيها يتحدث ويتكلم . والجديرُ بالذكر ان الأطفالَ بشكل عام يحبُّون ويعشقون كلَّ قصّةٍ فيها العنصر الفانتازي الخيالي ، وخاصة إذا كانت على ألسن الحيوانات الاليفة والمسالمة لأن الطفل يحبُّ الحيوانات .
الخاتمة : أودُّ القول في النهاية : إن هذه القصَّة ناجحة بكل معنى الكلمة وتحققُ الهدفَ وتعطي الرسالة الكاملة للطفل وما يحتاجهُ من غذاء نفسي وفكري وعاطفي حيث أنَّ القصة تُسَلّيه وتمتعهُ وتدخلهُ الأجواءَ الترفيهيَّة والفرحَ والسعادة المنشودة ، وَتُدخلُ إلى نفسِه ووجدانهِ السكينة والراحة لانَّ القصَّة لا يوجدُ فيها مشاهد ولقطات مخيفة ومحزنة .. فمرتعُ ومسرحُ أحاداثها هو الطبيعة والحدائق والأعشاب... وتعلمُ الطفلَ في نفس الوقت المحبة وَتُحَفزِّهُ كثيرا على التعاون المشترك وحب اللعب مع الأصدقاء والأتراب الآخرين . وتعطي للطفل فكرة ومعلومات جيدة عن الحلزونات وبيئتها وعيشها وكيف تحيا وتتكيف مع الطبيعة على مرِّ فصول السنة . وهذه المعلومات البسيطة جدا(بيولوجيا) ربما العديد من البالغين والكبار في السن لا يعرفونها وليس فقط الأطفال الصغار .
وبالإضافة إلى هذا فالقصَّةُ كُتبت ونُسجت وصيغت بلغة أدبيَّةٍ جميلةٍ منمَّقةٍ سهلة ومفهومة وشائقة . والجديرُ بالذكر أن الأديبة القديرة آمال أبو فارس هي أيضا في نفس الوقت شاعرة كبيرة ومميزة من الدرجة الاولى ، وعبقريتها الشعريّة وطاقاتها الفنية تضيفُ للقصة جمالا ورونقا وطابعا جذابا وساحرا . إنَّ المشاهد والأحداث في القصَّة متسلسلة ومتتالية ومتناغمة مع بعض وفي كل مشهد ومشهد ، وملائمة ومناسبة لنفسية وفكر الطفل وعواطغه ومشاعره وأحاسيسة وحاجاته الترفيهيَّة ... وهي لجيل الطفولة المبكر... بيد انها تصلح لجميع مراحل الطفولة وحتى للكبار في السن . وهذه القصة تذكرنا بروائع القصص للكتاب العالميين التي كتبت للأطفال لما فيها من مشاهد جميلة وأهداف وأبعاد إنسانيَّة وإجتماعية وتعليمية و ترفيهية، بالإضافة إلى الجو الفانتازي الخيالي الذي يكتنفها.
( بقلم : الدكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل )
( الأديبة آمال أبو فارس تهدي كتبها للشاعر حاتم جوعيه )