من نافلة القول أن الطائفية لا علاقة لها بتعدد الطوائف والديانات، ومن الممكن أن يكون المجتمع متعدد الطوائف الدينية أو الأثنية، من دون ان يؤدي ذلك إلى نشوء دولة طائفية أو سيطرة الطائفية السياسية على الحياة السياسية، كما هو الحال في لبنان الذي تتآكله النزاعات والصراعات بين القوى الطائفية المختلفة.
والطائفية السياسية هي نتاج مجموعة من العوامل الأساسية أهمها، عجز الأيديولوجيا القومية عن تحقيق المثل الأعلى الجامع وتصارع مكوناتها، وما آل أليه المشروع القومي العربي وتثبيت واقع التخلف والتجزئة، فضلًا عن الفشل والإخفاق في بناء الدولة الحديثة العصرية، بسبب فقدان الشرعية والاستئثار بالسلطة من أنظمة دكتاتورية استبدادية قمعية.
وتدخل الطائفية السياسية في ارتباطات معقدة مع اشكاليات أخرى أعمق هي انعكاس ونتيجة لها، ومعالجتها ينبغي في الوقت نفسه أن تمر حتمًا عبر مراجعة أسبابها الموضوعية والذاتية كلها، ومحاولة تعديل المعطيات التي أفرزتها.
ويشكل المجتمع المدني بديلًا للطائفية السياسية، ويرى الكثير من المثقفين النقديين والمفكرين المستنيرين والدارسين الجادين الشروع في تحقيق التحول الديمقراطي النوعي والجذري بوصفه ضرورة لا خيارًا في المرحلة الراهنة حيث بلغ الصراع الطائفي والمذهبي أوجه، وبلغت الأوضاع الاجتماعية درجات حرجة كثيرًا في الوطن العربي.
وإذا نظرنا إلى المسألة من زاوية محددة فسنتحدث عن المجتمع الديمقراطي المدني الحضاري البديل لتسييس الروابط العمودية في المجتمع والوسيط الطبيعي في السياسة بين الدولة والمجتمع، عوضًا عن الطائفة والعشيرة وسواها.
وبناء على ذلك هنالك أهمية بالغة إلى تفكيك وتصفية الأيديولوجيا الطائفية العصبوية في المجتمعات العربية وبناء الدولة المدنية الحديثة العصرية.