في خطوة غير اعتيادية، ناشدت ثلاث نقابات ومنظّمات طبّيّة أجنبيّة خلال الأيّام الأخيرة كلّا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الإسرائيلي بيني غانتس ونقابة أطبّاء الأطفال الإسرائيليّين السّماح للمرضى الفلسطينيّين من قطاع غزّة بتلقي العلاج الطبّيّ غير المتاح بالنسبة إليهم، والجهات الثلاثة هي: نقابة الأطبّاء البريطانيّة (BMA)، الأكاديميّة الأوروبيّة لطبّ الأطفال (The European Academy of Pediatric) والمنظّمة الدّوليّة للطّبّ المجتمعيّ وصحّة الطّفل (ISSOP).
ويأتي نداء المنظّمات الطبيّة مرتكزا إلى المعلومات التي نشرتها منظمة أطباء لحقوق الإنسان بشأن تدهور قدرة مئات المرضى من قطاع غزّة، بما فيهم مرضى السرطان والقلب، والأطفال، على تلقي العلاج بسبب انهيار آليات التنسيق بين السلطة الفلسطينيّة والسلطات الإسرائيليّة. وقد أصبحت الجمعيّة، وفقا للمعلومات الصادرة عنها، هي الجهة الرئيسيّة التي تعالج طلبات خروج المرضى من غزّة منذ انهيار التنسيق بين السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل في أيار / مايو من هذا العام. عدا عن الارتفاع الشديد في الطلبات التي تعالجها الجمعيّة بحيث تضاعف إلى خمسة أضعاف وإلى جانب ذلك، فقد طرأ تدهور على السياسات الإسرائيليّة في ضمان تصاريح طبّيّة لسكان القطاع، ويتمثل الأمر من ضمن ما يتمثل فيه، في اقتصار موافقة الجيش على الطلبات الصادرة عن مرضى تعرّف حالتهم بأنها طارئة، مع انخفاض شديد في نسبة المصادقة على الطلبات إلى 50%، ناهيك عن تأخير مرور المرضى على حاجز إيرز.
هذا، وقد تمحورت النداءات حول المصاعب التي يواجهها أطفال قطاع غزّة في الخضوع للعلاج الطبي، وقد تم توجيههما إلى نقابة أطبّاء الأطفال في إسرائيل. وكان النداء الأول قد أرسل من قبل الأكاديميّة الأوروبيّة لطب الأطفال، الذي استعرض معطيات مفادها أن النصف فقط، من ضمن 50 طلبا قدّمتها جمعيّة أطبّاء لحقوق الإنسان خلال الشهرين الماضيين، باسم أطفال مرضى من غزّة، قد تمت الاستجابة له من قبل إسرائيل، كما أتى النداء على ذكر حالتي وفاة مأساويتين لأطفال رضّع فلسطينيّين، توفوا نتيجة مرضهم في غزّة من دون أن ينجحوا في الوصول إلى المستشفيات التي تم تحويلهم إليها خارج القطاع. "ما الأطفال سوى أطفال". "نحن نساند حق الأطفال الغزّيين في الصحّة وفي إتاحة المجال أمامهم للخضوع بسرعة وبشكل آمن للعلاج في كل من الضفة الغربيّة، القدس الشرقيّة، وإسرائيل"، حسبما ورد في نداء الأكاديميّة. أما النداء الثاني فقد أرسل من جانب المنظمة العالميّة للطب المجتمعي وطب الأطفال، التي حثّت نقابة أطبّاء الأطفال الإسرائيليّة على "بذل كل ما هو ضروري لإزالة العوائق والسّماح بمرور مجّاني وآمن للمرضى الغزّيين، وخاصة الأطفال الساعين للحصول على العلاج الصحي". وردا على النداءين، صرّح رئيس نقابة أطبّاء الأطفال في إسرائيل، البروفيسور شاي أشكنازي قائلا بأن صحّة الأطفال تعد أمرا مهما بالنسبة إليه، وقد أعلن بأنه قد توجّه بهذا الشأن إلى وزارة الصحّة.
وفي رسالة إضافيّة أرسلتها النقابة الطبيّة البريطانيّة إلى كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجيّة بيني غانتس، عبرت النقابة المهنيّة البريطانيّة عن قلقها الشديد من مسألة انعدام قدرة المرضى الفلسطينيّين على الخضوع للعلاج الطبي العاجل وغير العاجل. وقد جاء في النداء أنه "من وجهة نظر صحيّة ومن وجهة نظر حقوقيّة، فقد تقلصت قدرة الفلسطينيّين على الحصول على علاج طبي، وهذا ما يؤدي إلى إحداث ضرر زائد عن الحاجة، وخطير، بما قد يصل حد التسبب بالوفاة". وقد تم إرسال النداء من قبل د. جون شيشوهلام، رئيس لجنة الأخلاق، ود. تيري جون، رئيس اللجنة الدوليّة لنقابة الأطبّاء البريطانيّة (BMA) اللذان اختتما نداءهما بدعوةٍ نصّها "نطالب إسرائيل إلغاء قرارها بمنع العلاجات الطبيّة عن المرضى غير المحتاجين للعلاجات الطارئة، وإتاحة المجال أمامهم من أجل التمتّع بعلاجٍ طبّيٍّ في إطارٍ زمنيٍّ معقول، وفقًا لخطورة حالتهم الطبيّة".
إلى ذلك، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، أن منظومة التنسيق المؤقت التي تعمل بوساطة الأمم المتحدة قد شرعت في عملها ابتداء من هذا الأسبوع، وهو ما سيتيح خروج المرضى من غزة للخضوع لعلاجات طبية في المستشفيات الموجودة في إسرائيل، والقدس الشرقية، والضفة الغربية. وبحسب المخطط، فستعمل الأمم المتحدة من خلال منظمة الصحة العالمية كوسيط بين اللجنة المدنية الفلسطينية، الجهة المسؤولة عن تقديم طلبات استصدار التصاريح من جانب السلطة الفلسطينية، وبين السلطات الإسرائيلية العاملة في معبر إيرز.
هذا، وقد صرّحت دانا موس، مديرة مجال المناصرة الدُّوليّة في جمعيّة أطباء لحقوق الإنسان، قائلة: "نبارك تدخّل النّقابات المهنيّة في إسرائيل والخارج، وهذا ما يشهد على خطورة الحال في غزّة، وعلى ضرورة توفير حلٍّ عاجل. إنها لإشارةٌ مشجّعةٌ مفادها أن المجتمع الطّبّيّ يدرك مسؤوليته الأخلاقيّة والمهنيّة المتمثلّة بعدم الصمت إزاء المساس الخطير بصحّة الفلسطينيّين في غزّة، والمسؤوليّة ملقاة الآن على كاهل إسرائيل بالعمل بوجهٍ عاجلٍ من أجل إحداث التّغيير ومن أجل التّوقف عن هذا الخرق لحق الفلسطينيّين في الصحّة. على إسرائيل أن تقوم فورًا بإنهاء العمل وفقا لقائمة المعايير، وذلك لكي يتمكّن المرضى الذين لم يتمّ تعريف حالتهم بأنها عاجلة، من الوصول والخضوع للعلاج الطّبّي. وإلى جانب ذلك، فإن على إسرائيل أن ترفع الحصار المفروض على القطاع وإلغاء نظام التصاريح".