العديد من الوجوه النيرة والمثقفين والمفكرين العرب اغتيلوا بسلاح الجهل والتخلف، وراحوا ضحية فكرهم المتنور العميق، والتحقوا بقائمة طويلة من العلماء والفلاسفة وشهداء الفكر والكلمة وحرية الرأي، وفقدوا حياتهم بسبب ثقافتهم وعلمهم وطروحاتهم وأفكارهم الفلسفية ورجاحة عقلهم.
والواقع أن مسلسل التصفيات وفصول الاغتيالات لم تتوقف يومًا، ضد العقول والأدمغة العربية، بل تتواصل في العراق وسورية ولبنان وفي الوطن العربي عامة، ولا يزال خفافيش الظلام والارهاب يستهدفون الثقافة المضيئة، والفكر الفلسفي العلماني، والوعي التنويري، والعقل النقدي.
وقد بدأ اغتيال العقل بإحراق كتب الفيلسوف العربي القرطبي ابن رشد، الذي أثرى الفكر الإنساني بإعلاء سلطان العقل وأعمال العقل في النص الديني من خلال التأويل.
وفي عصرنا الحديث اغتيلت مجموعة من المفكرين والمثقفين العضويين النقديين العرب، أمثال فرج فودة في مصر، وحسين مروة ومهدي عامل في لبنان، وكامل شياع في العراق وسواهم.
وفي مواجهة اغتيال العقل العربي، يجب تسليط الضوء على المحرمات الثقافية من خلال إعلاء شأن العقل الناقد للتخلص من كم الوهم والجهل والتخلف في العقل العربي، ومقاومة الامراض التي تنهش في جسد المجتمعات العربية التي أدت إلى تطرف فكري وانحطاط أخلاقي، وسيادة منظومة من القيم البالية المستهلكة والمتوارثة.
ولتحقيق ذلك نحتاج إلى مثقف جريء لديه رؤية مستقبلية تطرح حلولًا للواقع المأزوم، وآليات التفكير للخروج من الأزمة الراهنة، وتحرير العقل من الأوهام. وواجب ما تبقى من مفكرين ومثقفين نقديين مواجهة الأصوليات الدينية، وإعلاء الفكر العلماني المستنير، فبدون ذلك سنظل نراوح في ذلك الوضع المازوم دون أمل للخروج منه، وستستفحل الظلامية وفكرها السلفي أكثر،ولن نكون يومًا أمة وشعبًا ومجتمعًا مبدعًا وخلاقًا.