الواضح بشكل لا يقبل الشك، أن إسرائيل تريد من العالم عدم معارضتها في أي شيء تفعله، حتى لو كان يتعلق بقتل البشر كما يحدث مع الفلسطينيين. تريد أن تقصف وتحتل، وتهجر وتشرد دون انتقاد لها، على اعتبار أنه يحق لها ما لا يحق لغيرها. عنجهية وصلافة. كل ذلك يحدث بدعم علني من الإدارة الأمريكية وعلى مرآى من العالم.
الجهة الدولية الوحيدة التي تتصدى لممارسات إسرائيل، هي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي (هولندا). هذه المجكمة تتصرف بقدر كبير من المسؤولية الإنسانية والسياسية لسببين مهمين جداً، أولهما: أن مقر المحكمة خارج نيويورك إذ لا تسيطر عليها الإدارة الأمريكية ولا تقوم بتمويلها، وثانيهما: أن أمريكا غير عضو فيها.
المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا كانت قد جددت في وقت سابق تأكيدها، أن للمحكمة صلاحية على الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وغزة. بنسودا قالت في تغريدة على " تويتر" إن "حملات التضليل لا تغير الحقائق المتعلقة بعمل مكتبي فيما يتعلق بحالة فلسطين، ومكتبي ينفذ تفويضه فيما يتعلق بالوضع في فلسطين بأقصى قدر من الاحتراف والاستقلالية والموضوعة بما يتفق تماما مع نظام روما الأساسي". كلام المدعية العامة يأتي رداً على ادعاءات وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، الذي قال:"إن المحكمة الجنائية الدولية ليست مؤسسة قضائية، بل كيان سياسي، وليس لها ولاية قضائية على إسرائيل لأنها ليست طرفا في نظام روما الأساسي، مثل الولايات المتحدة الأمريكية".
هذه المحكمة الجنائية الدولية تقوم منذ شهور بمداولات حول صلاحيتها التحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. إسرائيل وحسب مصادر إعلامية عبرية، تقوم بالتحضير لمواجهة أي قرار يصدر عن المحكمة الجنائية الدولية يؤكد صلاحيتها حول ذلك، وهي مرتبكة ومنهمكة كلياً في التحضير لقرار الجنائية الدولية. واستناداً إلى معلومات إسرئيلية فقد تم تشكيل فريق من كبار مسؤولين في مجلس الأمن القومي، وزارتي العدل والخارجية والقسم الدولي للنيابة العسكرية الإسرائيلية.
الدائرة التمهيدية المكونة من ثلاثة قضاة في المحكمة الجنائية الدولية تنظر منذ عدة أشهر فيما إذا كانت المحكمة يمكنها قانونيا إجراء تحقيق جنائي في جرائم الحرب المشتبه في ارتكابها في الأراضي الفلسطينية. المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيحاي ماندلبليت قدم رأيا قانونيا من 34 صفحة يقول فيه "إن الدول ذات السيادة فقط هي التي يمكنها تفويض الولاية القضائية الجنائية إلى المحكمة، وأن السلطة الفلسطينية لم تستوف معايير الدولة، ولا توجد دولة فلسطينية ذات سيادة يمكنها تفويض المحكمة الجنائية على أراضيها ومواطنيها"، حسب ادعائه. وهنا أريد أن أذكر "سيادة" المستشار بنقطة مهمة، وهي أن 137 دولة اعترفت بدولة فلسطين. وإذا كان لدى المستشار عقدة نفسية في الإستيعاب، أو أن أعصابه لا تتحمل سماع "دولة فلسطين" فهذه مشكلته.
وأريد أيضاً أن أذكره بما قالته المدعية فاتو بنسودا، كبيرة المدعين في المحكمة الجنائية الدولية في العشرين من شهر كالنون الأول /ديسمبر الماضي، حيث صرحت: "أعتقد بأن المحكمة لديها بالفعل صلاحية للتحقيق في جرائم الحرب المحتملة في الضفة الغربية وغزة"
ويبدو أن إسرائيل تناست عن قصد قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 67/19 الذي اتخذته الهيئة الدولية بالأغلبية قي التاسع والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، والذي يمنح فلسطين مركز "الدولة المراقبة غير العضو" في الأمم المتحدة. حتى أن صحيفة "الإندبندنت" البريطانية وصفت القرار بأنه" "اعتراف بحكم الواقع بدولة فلسطين ذات السيادة ".
وبعد اعتماد القرار، سمحت الأمم المتحدة لفلسطين بمنح مكتبها التمثيلي للأمم المتحدة لقب "بعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة"، وهذا يعني اعترافاً من الأمم المتحدة بسيادة دولة فلسطين بموجب القانون الدولي. ولكي يستوعب المستشار القانوني مندلبلات أكثر، عليه أن يراجع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بدولة فلسطين، فيرى على سبيل المثال لا الحصر، أن رئيس المراسم في الأمم المتحدة يوتشول يون، أصدر قراراً في 17 كانون الأول/ديسمبر 2012، ينص على استخدام تسمية "دولة فلسطين" في جميع وثائق الأمم المتحدة الرسمية"، معترفة بـ" دولة فلسطين" بوصفها الاسم الرسمي للشعب الفلسطينيي.
هناك الكثير من قرارات صدرت عن الأمم المتحدة ، تتعامل مع فلسطين كدولة، وطبعاً بتأييد دولي. وإسرائيل كعادتها في التعامل العنجهي مع القضية الفلسطينية لا تريد فهم هذا الواقع، وتفضل استخدام لغة الاحتلال ولا منطق لديها سوى منطق القوة لافتقارها لقوة المنطق.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com