أولاً: عندما قام حزب الله اللبناني بأسر جنديين من جيش الاحتلال الإسرائيلي في الثاني عشر من شهر تموز (يوليو) من العام الماضي، أطلّ علينا مصدر رسمي من المملكة العربية السعودية، وأعلن أنّ العملية هي مغامرة غير محسوبة
اليوم، وبعد استقالة الجنرال دان حالوتس، قائد هيئة الأركان العامة من منصبه، بسبب الهزيمة التي مُني بها "الجيش الذي لا يُقهر"، بات واضحاً وجلياً، أنّ المغامرة كانت فعلاً غير محسوبة، ولكن من الجانب الإسرائيلي
صناع القرار في تل أبيب لم يتوقعوا حتى في أسوأ كوابيسهم، أن ينتهي العدوان على لبنان باستقالة الجندي رقم واحد بسبب الإخفاقات في الحرب، التي قال عنها الجنرال المتقاعد دان شومرون، يوم الثلاثاء الماضي، إنها أًديرت بدون أهداف
ثانياً: على الرغم من عمليات التجميل الإسرائيلية لـ"اغتيال حالوتس المُمركز"، من قبل السياسيين والعسكريين وكتبة الأعمدة والمحللين والمستعربين في وسائل الإعلام العبرية، فان الاستقالة التي فُرضت عليه فرضاً، هي اعتراف رسمي من المستويين السياسي والأمني في الدولة العبرية على حد سواء، بالفشل الذريع في المواجهة أمام "الإرهابيين" من حزب الله
بموازاة ذلك، فإنّ الاستقالة هي دعم مباشر أو غير مباشر لحزب الله على الساحة اللبنانية الداخلية، فهذا الحزب هو السبب الوحيد الذي دفع حالوتس للاستقالة، ونعتقد انه سيستثمر هذا الانجاز في معركته أمام قوى ما يسمى الرابع عشر من آذار، التي ارتمت في أحضان الامبريالية الأمريكية، وعوّلت عليها وعلى انتصارها لفرض قواعد لعبة جديدة في لبنان
ثالثاً: تغييب حالوتس عن المشهد الإسرائيلي هو باعتقادنا بداية نهاية حكومة الثنائي غير المرح اولمرت وبيرتس، إذ أنه من غير المعقول أن يكون الجنرال المُقال-المستقيل، كبش الفداء للعدوان الهمجي الذي شنته إسرائيل على لبنان، وبالتالي فانّ المطالبة باستقالتهما من منصبيهما ستتأجج، إذا أخذنا بعين الاعتبار عاملين أساسيين: الأول- انخفاض شعبيتهما ووصولها إلى الحضيض، ثانياً-استطلاعات الرأي العام التي تؤكد أنّ حزب "كاديما" الذي يتزعمه اولمرت سيتحطم في الانتخابات القادمة وسيحصل في أحسن الحالات على 14 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، أي انه سيخسر 15 مقعداً
رابعاً: لا يمكن بأي حال من الأحوال قراءة استقالة الجنرال حالوتس فقط من الناحية الإسرائيلية، وفي هذا السياق علينا أن نتذكر استقالة وزير الحرب الأمريكي دونالد رامسفيلد من منصبه على خلفية فشل الاحتلال الأمريكي في العراق والغرق في مستنقع بلاد الرافدين
الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان كانت بإيعاز من الولايات المتحدة ضمن سياسة رئيسها الغبي جورج بوش، لقطع دابر "الإرهاب" العالمي
حالوتس كما رامسفيلد، فشل في محاربة حزب الله، المصنف أمريكياً وإسرائيلياً أنه إرهابي، وبالتالي فان استقالته كانت تحصيل حاصل، وعليه يمكن القول الفصل إنّ الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية دفعتا ثمن عنجهيتهما وغطرستهما لاعتقادهما بان القتل والبطش والتدمير سيجلب لهما النصر
خامساً: من سخريات القدر أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الحرب-الاجتماعي عمير بيرتس، بإجراء المشاورات لاختيار خليفة لحالوتس، فالرجلان يتحملان المسؤولية السياسية في الهزيمة، بالإضافة إلى أنّ السيد اولمرت انضم رسمياً إلى نادي الفساد والرشى هذا الأسبوع عندما أوعز النائب العام للدولة، المحامي عران شندار، للشرطة الإسرائيلية بالشروع بالتحقيق الجنائي معه تحت طائل الإنذار في قضية خصخصة "بنك ليئومي"
سادساً: بإمكان الإسرائيليين الزعم صباحاً ومساءً أنّ استقالة حالوتس ستفتح الطريق لتعيين قائد جديد لجيش الاحتلال لكي يقوم بمهمة ترميمه بعد الخسارة في لبنان وتحضيره للحرب القادمة
وفي هذا السياق يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: كيف يمكن فحص ترميم الجيش؟ وكيف يمكن فحص إعادة قوة ردعه وهيبته؟ الجواب برأينا هو أنّ إسرائيل ستشن حرباّ على سورية وحزب الله لتحقيق نصر نوعي، وبالتالي فان رفض رسائل السلام السورية، يدخل في هذا الإطار، لانّ حكام هذه الدولة يرسمون سياساتهم الخارجية على مبدأ الانتقام والثأر من العرب "الدونيين" و"المنحطين"، ولكن هذه المعادلة تغيرت بعد حرب لبنان الثانية، مع أننا نميل إلى الترجيح بانّ جيش الاحتلال المدعوم من أمريكا هو جيش قوي لا يمكن الاستخفاف بقوته وقدرته
سابعاً: إذا اعتقد الجنرال حالوتس أنّ استقالته ستعفيه من المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبها خلال خدمته فانه على خطأ
فالعدالة ما زالت موجودة في العديد من دول العالم، ولا يستغربنّ احد أن تقوم منظمات حقوق إنسان عربية وغربية بملاحقة هذا الجنرال الذي أمر باغتيال الشهيد صلاح شحادة بواسطة قنبلة بزنة طن، الأمر الذي أدّى إلى استشهاد 16 مدنياً فلسطينياً، غالبيتهم من الأطفال
وعندما سُئل عن ذلك قال إنه شعر برجفة خفيفة في الطائرة وذهب إلى النوم في بيته هادئ البال
لا لن تنام قرير العين يا حالوتس، واعلم أنّ دماء شهداء فلسطين ولبنان ستلاحقك إلى الأبد وستقض مضجعك