إعلم (ي) حفظك الله من البلاء والوباء، ووهبك راحة البال والهناء أنّ من سمّى وباء الكورونا "جائحة" قد أصاب، فالجائحة هي البليّة والتّهكلة والدّاهية العظيمة، والفعل جاح يجوح فيه هول المصاب وصدى الأنين، وكان النّاس في السّنوات الخالية يتطيّرون إذا سمعوا في المساء كلبًا يجوح فيطردونه من فناء المنزل، مثلما يتشاءمون من نعيب البومة فيقلبون الأحذية لطردها، وقد استخدم وليام شكسبير في مسرحيّاته جواح الكلاب ليضفي جوًّا مسرحيًّا حزينًا مخيفًا على المشهد المسرحيّ فالإنسان يلجأ الى الغيبيّات والخرافات اذا ما داهمته الأزمات الخارقة. ألم يرى البعض منّا رسم الرّئيس العراقيّ صدّام حسين في القمر وهو بدر في أثناء حرب الخليج الأولى، الّتي ما زال العرب يدفعون ثمن تكاليفها منذ ثلاثة عقود، ولا أدري الى متى سيدفعون!!
أرسل لي صديق عبر جهازي الجوّال مقطوعة لشيخ صوفيّ عاش قبل ألف عام، يندب فيها عمّا سيحدث للبشريّة من وباء الكورونا في العام "عشرين وعشرين"، فبدت لي مختلقة من لغتها الرّكيكة وأسلوبها الّذي يضع حدًّا لنقاش النّقاد في أيهّما السّابق في شعر التفعيلة بدر شاكر السّيّاب أم نازك الملائكة؟! والعجب العجيب أنّ الشّيخ يسّمى الفيروس باسمه "كورونا" فأجبته مفنّدًا هذا النّصّ الشّعوذيّ فشكّك، سامحه الله بإيماني، وبعد أيّام طلع علينا شيخ معاصر بدواء شاف زهيد الكلفة بأن يأخذ العليل خمسة فصوص من الثّوم ويهرسها جيّدًا ثّم يّعصرعليها ليمونة ويشربها بعد العوذلة والبسملة وعندئذ سيلبط الجدار ويهدمه، ولكنّ شيخًا محترمًا ردّ عليه بخفّة ظلّ وذكاء بأنّ هذه الخلطة تصلح للفول المدمّس، فتناقلها النّاس مبتسمين، والتزموا بيوتهم وتباعدوا بأجسادهم سائلين الله تعالى السّلامة.
وما هي الّا أيّام وإذا برابي يهوديّ يعلن عن دواء عصريّ شافٍ وما على المريض بالكورونا إلّا أن يبول في كأس حتّى منتصفه ثّم يعصر ليمونة على البول ويشرب الخليط.
من أسهل برأيكم الكورونا أم هذا الشّراب؟!
وأمّا الأرعن، رئيس الدّولة الأعظم، الّذي دحض في البداية وجود فيروس الكورونا وزعم أنّه انفلونزا، ولم يقتنع بخطره حتّى امتلأت مقابر نيويورك وواشنطن بالضّحايا فبذّ الشّيخ والرّابي، عندما اقترح أن يشرب المرضى الكلور. نعم الكلور. هل تصدّقون؟ يبدو أنّ أمريكا دولة محظوظة وأن رئيسها سينال جائزة نوبل في الطّبّ.
وبما أنّني أردّد منذ عقود، بأنّني متفائل وأزرع الأمل في عيون وقلوب النّاس في هذا الوطن الصّغير الجميل فلا بدّ أن أنهي هذه الرّسالة بشيء جميل ومفرح.
هاتفني صديقي الودود، الصّيدلانيّ العميد، الفحماويّ أبو العلاء رياض، وبعد حديث شجيّ -كالعادة-ذكرت له أنّ الأرق "حاطط حطاطي" منذ ثلاثة أيّام فقال لي: يبدو أنّك عاشق. فضحكت وقلت: " ليت الشّباب يعود يومًا" وتذكّرت تلك السّنوات الّتي كانت بدون هاتف وبدون جوّال. وكان الوصال من المستحيلات. وتابع صديقي: سوف أرسل لك بعد لحظات بلسمًا يزيل الأرق ويساعدك على النّوم العميق.
وجاء صوت ملائكيّ يشدو:
سمعت صوتًا هاتفًا في السّحر
نادى من الغيب غفاةَ البشر
كانت أمّ كلثوم تغنّي مقاطع من رباعيّات عمر الخيّام الّتي ترجمها شعرًا أحمد رامي، وكنت قد قرأت هذه الرّباعيّات قبل ستّين عامًا باللغة الانكليزيّة في كتاب اسمه "مغامرات عمر الخيّام" وأظنّ أنّ الرّوائيّ اللبنانيّ الأصل أمين معلوف الّذي يكتب باللغة الفرنسيّة قد استفاد من هذا الكتاب في روايته "سمرقند".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com