سلسة مقالات: " التعليم نحو الافضل "
الأستاذ احمد محاجنه – محاضر في التقويم البديل، البيداغوجيا الحديثة ومستشار تنظيمي، مختص في N.L.P
مفهوم الإصلاح لغة:
الإصلاح لغة نقيض الفساد كما ورد في لسان العرب لابن منظور، والصحاح للجوهري. والإصلاح ضد الفساد. الإصلاح: صلح: مصدر التحسين إدخال التحسينات والتعديلات على الأنظمة والقوانين.
مفهوم الإصلاح اصطلاحا:
وردت كلمة الإصلاح في القران الكريم في آيات كثيرة، قال تعالى (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا). والإصلاح هو الوصول إلى أفضل صورة في الدولة والمجتمع وذلك بالقضاء على الأخطاء والانتهاكات والعيوب والتقصير، وكذلك هو الوصول بالإنسان إلى مرحلة حسن السيرة وأداء الأمانة.
يعتبر الإصلاح التربوي الواعد رؤية تعكس فلسفة وفكرًا، يراد تجسيدهما على أرض الواقع لتحقيق أهداف متفق بشأنها وغاياتها، ولسنا بحاجة إلى أن نذكر أن الإصلاح التربوي لا يمكن تصوره أو تنفيذه في فراغ؛ ففي حين أن بالإمكان إدخال بعض التجديدات الثانوية نسبيًّا، كتغيير هندسة الأبنية المدرسية، أو تغيير الجدول الدراسي اليومي، دون الحاجة إلى الرجوع إلى سياق اجتماعي أوسع، فإننا نجد أن أي إصلاح يمس جوانب أخطر شأنًا، يكون بطبيعته جزءًا من مجموعة معقدة من العلاقات المتبادلة في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنظام التعليمي.
أنواع الإصلاح التربوي:
أ- الإصلاح الجزئي: يتجه إلى مراجعة وضعية المنهاج الدراسي، أو وضعية الشُعب بغية ملاءمتها مع تغيرات سوق الشغل. كما يحدث في العديد من النظم التعليمية في أوروبا وبلدان أخرى في آسيا.
ب- الإصلاحات النسقية-المنظمومية: وتهم هذه الإصلاحات البلدان النامية التي تعاني فيها النظم التعليمية من اختلالات بنيوية، ومن أزمات كبرى، سواء في بنيتها الداخلية من حيث الأغراض والمرامي، أو على صعيد المحتويات والمناهج الدراسية، أو من حيث مخرجاتها، وتشبع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بالخريجين من المعاهد والجامعات، ومستوى قدرة الاقتصاد على تشغيلهم، وبالتالي تحقيق اندماجهم الاجتماعي والثقافي.
مراحل الإصلاح التربوي:
1-تحديد الأهداف.
2-تحديد افتراضي للنماذج التي تمكن من بلوغ هذه الأهداف المحددة.
3-تجريب وتقويم النماذج.
4-تقويم تكويني مستمر لتعميم النماذج
فالتغيرات التي تمس سياسة اختيار المعلمين وتعيينهم وتدريبهم وشروط عملهم من شأنها أن تؤثر على مكانهم في سوق العمالة، مع ما يستتبعه ذلك من آثار بالنسبة إلى التنقل وتغيير الوظيفة … كذلك فإن الإصلاحات التي تتم في محتوى التعليم تعكس، سواء عن قصد أو غير قصد، التغيرات التي تطرأ على الفكرة التي يكونها المجتمع عن مستقبله، كما أن للتغيرات التي تحدث في النظم التعليمية آثارَها فيما يتصل بالانتفاع بفرص التعليم، والاختيار، والحراك المهني، ومن ثم فهي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ببنية الوضع الاجتماعي وطموح الأفراد، ثم إن ما يحدث من تغيير في رصد الموارد لمختلف مراحل التعليم (كتخصيص مزيد من الاعتمادات للتعليم الابتدائي والأساسي، وتخصيص موارد أقل للتعليم العالي)، أمر يرتبط بالأولويات الاجتماعية العامة، وبأنماط العمال
فالإصلاح التربوي عمومًا عملية تخطيطية وفلسفة تربوية، لا تركز فقط على تغيير هندسة الأبنية والزمن البيداغوجي والقضاء على كل أشكال الهدر المدرسي، ورفع نسبة المدرسين، بل هو عملية دينامية نسقية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتحول المجتمعي الشامل بهدف تحقيق تنمية مندمجة ومنفتحة على جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بعيدة عن المزايدات والضيق الأيديولوجي، الذي يعطل كل عملية الإصلاح، كما بينت مختلف التجارب والمشاريع الإصلاحية، ويتأتى ذلك من خلال المقومات التالية:
1-التربية المجتمعية: اختلف الباحثون والمفكرون في تحديد علاقة التربية بالمجتمع، فمنهم من رأى أن التربية هي الوسيلة الوحيدة لاستقرار المجتمع وأنظمته وقيمه وأوضاعه الاجتماعية، بينما رأى فريق آخر أن التربية وسيلة لإصلاح المجتمع وتحسينه وتقدمه وتطوره
ومهما يكن هذا الاختلاف، فعملية البناء القيمي ليست مسؤولية مؤسسة اجتماعية بعينها أو منهج دراسي بعينه، ولكنها مسؤولية كل من له علاقة بعملية التربية، سواء في إطار الأسرة أو المدرسة أو أي مؤسسة في أي مجال، وعلى أي مستوى؛ فالتربية تسعى إلى تحقيق العمل النافع اجتماعيًّا، والتعامل بين أفراد المجتمع من أجل الصالح العام، كما تعمل التربية على غرس مبادئها في نفوس أفراد المجتمع، وتخطط في ضوئها أسس العلاقات الإنسانية الطيبة بين أفراد المجتمع، ويقع على عاتق التربية بناء القيم عن طريق إعداد أجيال قادرة على تحمل المسؤولية، والإسهام بإيجابية في النهوض بأنفسهم والارتقاء بمجتمعهم
والإصلاح لا ينبغي أن يظل قاصرًا على النمو الكمي للمتعلمين أو المؤسسات أو التجهيزات، بل على ما تحمله الزيادة في العدد من تطور نوعي حقيقي، ولنا في روسيا خير مثال، فإنها كانت تفاخر العالم بأنها تضم أكبر عدد من الأطباء، إلا أنها مع ذلك تعاني النسبة المرتفعة للوفَيَات داخل مركز العلاج بسبب استفحال خطر السلوك البيروقراطي، وفساد الضمير المهني، وتفشي المحسوبية والرشوة، وهيمنة ذلك على مرافق الحياة كلها، حتى بين أسرة المرضى، مما أدى إلى ضعف فاعلية الطب، وهزم مشروع الدولة في محاربة المرضى.
في نفس الوقت حققت دول أخرى نموًّا بسرعة كبيرة، وذلك راجع في المقام الأول إلى فضائل الانضباط والإخلاص والإرادة الوطنية التي تحلى بها الأفراد، وشجعت واعتنت بها التربية، ونسوق لذلك اليابان، التي أصدر إمبراطورها عام 1890 مرسومًا حول التربية، ألح فيه على الدور الأخلاقي وفضائل الصدق والورع والاقتصاد، والنشاط الضروري من أجل ازدهار الإمبراطورية، فكانت الوظيفة الأخلاقية للتعليم أكثر أهمية من الوظيفة الاقتصادية، لكن الاثنين امتزجا معًا لكي يسهلا تحويل البلاد.
2-الإرادة السياسية: فالتعليم في أغلب البلدان العربية وبعض الدول الغربية يخضع لأهواء السياسيين، وفي ظهور العديد من المخططات ذات الطابع الاستعجالي بين الفينة والأخرى، وعلى إثر صعود كل حكومة أو إسناد مهام وزارة التربية الوطنية والتعليم لهذا الوزير أو ذاك، مما يجعلنا أمام برامج تعليمية مختلفة من حكومة إلى أخرى، ودون توحيد الرؤى والتصورات.
فالجرأة السياسية في الإصلاح تتجلى من تبني إصلاح شمولي تتقاطع فيه القمة بالقاعدة والعكس؛ إذ كيف يمكن لإصلاح أن يجد سكته الصحيحة، في ظل الشعارات: من قبيل "مدرسة النجاح"! في وقت يتم فيه التركيز على الكم بدل الكيف، وتشجيع الانتقال الميكانيكي من مستوى دراسي إلى آخر وفق ما يسمى بالخريطة المدرسية دون أن يحصل المتعلم على المعدل المتوسط، ودون أن يمتلك حتى الكفايات الأساسية القراءة والكتابة.
• أنى لإصلاح تربوي أن يتحقق في مشروع يجعل المدرس في الهامش، وآخر من يعلم بالتعديلات والتغيرات المزمع إدخالها على المنظومة لإخراجها من عنق الزجاجة، ليقتصر دوره فقط على تنفيذ المنهاج الدراسي؟
• أنى لإصلاح تعليمي أن يتحقق في ظل "برتوكوليه" وشكلية تكوين المدرسين؟
• أنى لإصلاح أن يتحقق في ظل الظروف المزرية التي يعيشها المدرس في العالم القروي، مما ينعكس سلبًا على المراحل الموالية في التعليم للمتعلمين؟
3-إعادة الاعتبار للمدرس وتأهيله: تعد مهنة التعليم من أرقى المهن في جميع المجتمعات، ولا شك أن المعلم هو الركيزة الأساسية لانطلاق وتطور الأمة في جميع مجالات الحياة، لكن -للأسف الشديد -في زماننا هذا تراجعت هيبة وكرامة المدرس، وأصبح أيقونة للاستهزاء والسخرية، وذليلًا مهانًا من طرف مجتمعه، فاقدًا قيمته بين متعلميه، لدرجة بلغت معها الجرأة حد الاعتداء عليه جسديًّا ولفظيًّا...
إن المدخل الأساس لأي إصلاح تعليمي لا بد أن يضع في الحسبان تأهيل المدرس، فإذا لم تقوم العملية التعليمية - التعلمية على مدرس مؤهل تأهيلًا رفيعًا، وتم تكوينه تكوينًا متينًا، ضاعت كل الجهود المبذولة؛ إذ إن المدرس الفعال هو من يجعل من المتعلم مفكرًا ومبدعًا في العلوم التي تلقاها، وبها يتفاعل مع مجتمعه ويطوره، كما يحاول المدرس أن يغرس في النشء حب المساهمة في حل مشكلات مجتمعه بطريقة فعالة مبتكرة، ويؤهله أن يصبح شخصية ذات أنماط متعددة ومتوازنة، منها القدرة على القيام بالمسؤولية، واحترام الآخر في إطار التبادل الأخوي للآراء والأفكار، بعد تنمية قدراته، وتحصيل معلوماته، وصقل مهاراته الأساسية التي تؤهله إلى القيام بهذه المهمات العملية في الواقع
وإلى جانب تأهيل المدرس، ينبغي تحسين وضعيته المادية، حتى لا يشتت ذهنه وعطاؤه بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي، وقد أدركت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" أن إحدى اللبنات الأولى والأساسية في تعليم وتنشئة ألمان صالحين هي المعلم، برفع رواتبهم لتفوق رواتب الأطباء والمهندسين. وبالرغم من تعالي أصوات معارضة ومنددة تطالب بزيادات مقابلة فإن ميركل ردت بجواب شاف واف: "كيف لي أن أساوي بينكم وبين هؤلاء الذي علموكم والذين تقع على عاتقهم مهمة تربية الأجيال الألمانية القادمة؟!".
4-التطوير الذاتي للمناهج وتجاوز البيداغوجية التابعة: إن إشكاليات الأزمة التربوية تدفع إلى اقتباس النماذج التربوية دون الانتباه إلى الفروق الاجتماعية والثقافية بين المجتمعات، مما يجعله يتصور حلًّا لمشكلة غير موجودة، بل مستعارة، وهذا كثيرًا ما يقع فيه الباحثون في مجتمعات العالم الثالث، فينقلون حلولًا جاهزة لمشكلات مخالفة تمامًا عن واقعها الاجتماعي، مما يجعلها ترفض ولا تنجح
- نموذجان من بعض الدول المتقدمة في الإصلاح التربوي:
1-الولايات المتحدة الامريكية:
تزايد الاهتمام بالإصلاح التربوي في الولايات المتحدة الأمريكية بعد صدور التقرير الذي وصف أمريكا بأنها ” أمة في خطر ” عام 1983 وقدم مجموعة من التوصيات للنهوض بالعملية التربوية وإصلاحها منها:
أ-ينبغي على المدارس التشديد على تعزيز العلوم والرياضيات بصورة تدريجية وإلغاء الأنشطة الملحقة.
ب-تحسين نوعية المعلمين وأجورهم واستقلاليتهم وتقوية تأهيلهم وإيجاد أفضل الوسائل لجذب صفوة المعلمين.
ج-تحسين مضمونات المناهج الدراسية وأهدافها بحيث تكون مرتبطة بسوق العمل.
د-يجب أن يبدأ تعليم اللغات الأجنبية من المرحلة الابتدائية.
هـ-ينبغي أن يمضي التلاميذ مزيداً من الوقت في المدرسة بحيث يُستثمر هذا الوقت على نحو أكثر فاعلية في تثقيفهم وتحصيلهم الدراسي.
2-ألمانيا:
تكتسب تجربة الإصلاح التربوي في المانيا أهمية خاصة:
أ-كونها تبدأ بمرحلة رياض الأطفال، من خلال الابتعاد عن المناهج والمقررات الدراسية المعروفة، والتركيز على النشاطات التي تسهم في تنمية الطفل عقلياً وجسمياً ووجدانياً واجتماعياً.
ب-جعل المرحلة الثانوية إلزامية مع مراعاة اهتمام الطالب.
ج-ثمة مشروع رائد في ألمانيا يتمثل في (المدارس الشبكية) بهدف ربط عملية التعليم والتعلم في المدارس بمتطلبات المجتمع المعلوماتية.
د-الاهتمام بالمتفوقين وأصحاب المواهب، وفتح المجال أمامهم للدراسة الجامعية من دون الحصول على شهادة الثانوية تقديراً لهم.
واختم مقالي ملخصا بكلمات ذهبية للكاتب جبران خليل جبران هذا النموذج الاستيرادي بتصوير بليغ بقوله: "قلد الغرب الشرق بحيث مضغ وحول الصالح مما اقتبسه إلى كيانه، أما الشرق فإنه اليوم يقلد الغرب فيتناول ما يطبخه الغربيون ويبتلعه دون أن يحوله إلى كيانه، بل إنه على العكس يحول كيانه إلى كيان غربي، فيبدو أشبه بشيخ هرم فقد أضراسه، أو بطفل لا أضراس له"، وهذا طبعًا ما أثر على منهاجها التربوي الذي اقتبس كل النظريات التربوية والمناهج الدراسية حذو القذة بالقذة، دون أن يطورها ويتجاوزه، بل يقف في منتصف الطريق...
ملاحظة : المقال بين ايديكم اقتبست معطيات من مواقع مختلفة مع إضافة فكري الخاص
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com