دار الإفتاء والبحوث الإسلامية:
لا يُعتبر الخوف من الإصابة بوباء "الكورونا" من الأعذار المبيحة للإفطار، وليس لذلك أي مسوّغ شرعي
تؤكد دار الإفتاء على وجوب الانصياع للتعليمات والإرشادات والتوجيهات الصادرة عن وزارة الصحة والجهات الرسمية ذات الصلة
أكّدت دار الإفتاء والبحوث الإسلامية في الداخل الفلسطيني (48) من خلال توى لها أنّ فحص كورونا لا يُفَطِّر ويمكن إجراؤه خلال شهر رمضان الفضيل، مشيرة إلى أنّ "مصاب الكورونا يُعَدّ مريضًا، والمرض من الأعذار المبيحة للإفطار. ويُعتبر توجيه الطبيب في هذه الحالة ملزمًا للمصاب بكورونا".
وجاء في بيان دار الإفتاء والبحوث الإسلامية حول الفتوى ما يلي:"الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتّبع هداه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 183-184).
دار الإفتاء والبحوث الإسلامية في الداخل الفلسطيني، تهنئ الأمتين العربية والإسلامية عامة، وشعبنا الفلسطيني خاصة، بحلول شهر رمضان المبارك، أعاده الله علينا وقد انكشف البلاء، وارتفع الوباء، وتحقق الأمن والأمان، والسِّلم والسلام في ربوع المعمورة".
وزاد البيان:"لم يتوقع أحد أن يحل علينا رمضان هذا العام، وقد تفشى وباء "الكورونا" في أرجاء الدنيا، ما أدى إلى تعليق الجمعة والجماعة والتراويح في المساجد، سدًّا للذريعة، ومنعًا لنقل العدوى، وتفشي الوباء، ومن البدهي أن تكثر الأسئلة عن أثر هذا الوباء على صيام رمضان. ومن أبرز الأسئلة المشتهرة على الألسنة هذه الأيام: هل فحص "الكورونا" يُفَطِّر؟ وهل المصاب بـ "الكورونا" يُرخّص له الفطر؟ وهل يُعدّ الخوف من الإصابة بالوباء مُسوِّغا للإفطار؟.
نقول، وبالله التوفيق:
1. استجدَّ علينا هذا العام وباء عالمي- كورونا / فيروس كوفيد 19- وقد تقتضي الضرورة إجراء فحص "كورونا" في رمضان، للكشف عن هذا الوباء. وبعد أن تحققنا عن طبيعة الفحص من الأطباء وأصحاب الاختصاص، نقول بكل وضوح: فحص "الكورونا" لا يُفَطِّر الصائم.
2. مصاب "الكورونا" يُعَدّ مريضًا، والمرض من الأعذار المبيحة للإفطار، سواء ظهرت على المريض أعراض المرض أم لم تظهر. ويُعتبر توجيه الطبيب في هذه الحالة ملزمًا للمصاب بـ "الكورونا"، لأنّ الحكم الشرعي بشأن المرضى في الصيام وغيره يُبنى على رأي أصحاب الاختصاص، فإذا أشار الطبيب إلى ضرر الصيام على المصاب بـ "الكورونا" فيتوجب عليه الإفطار وقضاء ذلك بعد الشفاء بعون الله. ويأثم إذا خالف، لأنه قد يعرّض نفسه للخطر.
3. لا يُعتبر الخوف من الإصابة بوباء "الكورونا" من الأعذار المبيحة للإفطار، وليس لذلك أي مسوّغ شرعي. وعليه، فمن أفطر بسبب هذا الوهم، كمن أفطر متعمّدًا من غير رخصة ولا مرض.
4. حرصت الشريعة على اعتبار الظروف الصحية وما يلازمها مؤثرة في أحكامها، فما من حكم تكليفي إلا وفيه خطاب للصحيح وخطاب للمريض، وهذا من يسر الشريعة الإسلامية ورفع الحرج عن حمَلتها وأتباعها.
5. إن المرض العابر الطارئ لعدة أيام والذي يرجى شفاؤه وبرؤه، سبب شرعي للإفطار، حفاظًا على النفس. وبعد المعافاة من المرض عليه القضاء.
6. والمرض المزمن، أو من كان به "زمنه" تمنعه من الصوم كما يسميه الفقهاء، فليس عليه صوم، ولو كان شابًا، فهو مريض مبتلى بمرض دائم لا يرجى ولا يغلب على الظن شفاؤه، وفقًا لسنة الله تعالى الجارية على الأسباب والمسببات. فمثل هذا بحاجة إلى علاج دائم على مدار الليل والنهار. فإن أخبره الطبيب الحاذق الثقة المسلم، أن الصوم يضر به، فله رخصة الإفطار، وليس عليه القضاء، بل يخرج فدية عن كل يوم.
7. عند استقراء الشريعة الإسلامية وتتّبع المذاهب الفقهية، نجدها تنحدر إلى ثلاثة مناهج في بيان المفطرات للصائم: فذهب بعضهم إلى أن كل ما دخل الجسم من غير الهواء الطبيعي يفطر الصائم، ورأى آخرون أن كل ما دخل الجسم عن طريق منفذ مفتوح إلى الجوف يفطر الصائم، أما المنهج الثالث والذي نرجّحه في الغالب، فذهب إلى أنّ: كل ما دخل الجسم عن طريق الفم إلى المعدة يفطر الصائم مع بعض الاستثناءات".
واختتم البيان:"تؤكد دار الإفتاء على وجوب الانصياع للتعليمات والإرشادات والتوجيهات الصادرة عن وزارة الصحة والجهات الرسمية ذات الصلة. وتؤكد دار الإفتاء على أن مخالفة هذه التعليمات يترتب عليها مفاسد عظيمة، أبرزها التسبب بتفشي الوباء وإزهاق الأرواح، وهذا يتناقض مع مقاصد الشريعة الداعية إلى حفظ النفس.
وتؤكد دار الإفتاء على أنها في حالة انعقاد دائم تحسبًا لحدوث أي طارئ، وستوافي جمهورنا الكريم بالبيانات تباعًا، وفقًا للمستجدات الطارئة في النازلة والبليّة التي عمّت الدنيا كلها. وكل بيان مناسب لحينه، وعند حدوث أي متغيّر في الواقع، ستصدر بيانات تتناسب مع التغيّرات في الواقع"، إلى هنا البيان.