الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 13 / نوفمبر 00:02

استراتيجيات الرجوع التدريجي للعمل في ظل ازمة الكورونا - بقلم: د. نهاية داوود

د. نهاية داوود
نُشر: 11/04/20 18:55,  حُتلن: 14:05

استراتيجيات الرجوع التدريجي للعمل في ظل ازمة الكورونا: كيف ينطبق ذلك المجتمع العربي الفلسسطيني بالداخل؟

يتحدث الجميع وعبر وسائل الاعلام وغيرها عن استراتيجية الرجوع الى الحياة الطبيعية ومزاولة العمل مع ازمة الكورونا. حيث يبدو الان اكثر وضوحا من السابق ان "التعايش" مع فيروس الكورونا سيكون حتميا كما هو الحال مع باقي الفيروسات والامراض المعديه التي اصابت البشريه وفتكت بها عبر التاريخ. حيث ان فيروسات مثل الانفلونزا والحصبه وغيرها ادت الى وفاة الملايين من البشر وهي اليوم جزء لا يتجزأ من الواقع الصحي والبيئي الذي نعيشه. كل ذلك باختلاف واحد وهو انه لا يوجد حتى الان تطعيم اوعلاج للكورونا. فبعد النجاح النسبي في تسطيح منحنى دالة المرضى وتحديد كمية الاصابات في فيروس الكورونا في العديد من دول العالم ومنها اسرائيل, اصبح السؤال الملح هل نحن في مأمن الان من الرجوع للعمل وكيف؟ وهل ينطبق ذلك على مجتمعنا العربي في الداخل؟

عالميا تنقسم الاراء بالاجابة عن هذا السؤال بين المختصون بالصحة العامة والمختصون بالاقتصاد. حيث اننا كمختصين في الصحة العامة ننادي وفي جميع دول العالم ومن ضمنها اسرائيل بمتابعة استراتيجية التباعد الاجتماعي والحجر البيتي واستراتيجة الرجوع المدروسه وذلك لسببين اساسيين: اولا- ان الوقاية والحماية من المرض هما مبدأيين اساسيين في الصحة العامة حيث ان التباعد الاجتماعي والحجر البيتي اثبتوا نجاعتهم في تسطيح الدالة المرضية وتقليل وصول الحالات الصعبه الى المستشفيات خشية ان لا تستطيع هذه الاخيره من منح المرضى العلاج اللازم بحالة من شحة اجهزة التنفس. ثانيا- ان التباعد الاجتماعي يساعد على كسب الوقت, حيث يساعد على اكمال التجارب السريريه التي تجري الان في العديد من الدول والامر يتحتاج الى ما اقله ثلاث اشهر لحصول على نتائج اولية لعلاج الكورونا والتأكيد على نجاعته.
بالنسبة لخبراء الاقتصاد فإنهم يقترحون وربما بصدق ان متابعة الحجر البيتي والصحي من شأنه ان يهدد الاقتصاد العالمي وهو بدوره سوف يؤدي الى وفيات ايضا. اذ ان ارتفاع نسبة البطالة بسبب الحجر البيتي, سوف يؤدي بالكثير من العائلات الى حالة من انعدام الامن الغذائي في حالة غياب الدخل وفي حال لم تقم الدول بتقديم العون للعائلات خاصة من ذوات الدخل المتوسط والمحدود. من هنا سوف نُقبل على كارثه صحية ايضا سببها المجاعة وربما العنف والنزاعات بسبب شحة المصادر والمنافسه عليها.

هل هناك حل امثل لهذه المعضلة؟
طرحت بالامس منظمة الصحة العالمية حلا ربما يكون وسطيا لهذه المعضله فقد اقترحت اعتماد استراتيجية تدريجيه الى مزاولة العمل والرجوع الى الحياة شبه الطبيعية مع الكورونا. ربما تكون هذه الاقتراحات جاءت عقب ضغوط كبيره من المنظمومات الاقتصادية الكبيره مثل البنك الدولي وغيرها والتي تنبأت بكارثة اقتصادية التي سوف تكون لها تداعيات هامة على البشرية وصحتها. من هنا دعت منظمة الصحة العالمية الى القيام بعدة خطوات قبل العوده الى الخروج من البيت ومنها: تكثيف عدد الفحوصات لاكتشاف حالات الكورونا – حيث يتم من خلال الفحوصات تشخيص المرضى واللذين يحملون المرض- وذلك من اجل تقليل الاصابات من خلال عزل المعافين عن المرضى وحاملي المرض وتقديم العلاج لهم. كما واشارت منظمة الصحة العالميه ايضا الى ضرورة اعتماد فحوصات الاجسام المضاده في الدم. وهي فحوصات دم يتم اجراءاها من اجل فحص المناعه او الحصانه من الفيروس في حالة كان الشخص اصيب بالفيروس وتعافى. تساعد هذه الاستراتيجيات على "تحرير" الاشخاص ذوي المناعه وهؤلاء اللذين ليسوا ضمن مجموعة الخطر وعودتهم الى العمل خارج البيت. كما اوصت منظمة الصحة العالمية باستعمال الاقنعة اثناء الخروج من البيت وبمتابعة التقييد بتعليمات الوقاية الشخصيه والمباعده الاجتماعيه.

كيف ينطبق ذلك على المجتمع العربي بالداخل وما هي اهم العوامل التي يجب اخذها بعين الاعتبار؟
نشهد ومنذ بداية ازمة الكورونا الكثير من القراءات في حالة المجتمع العربي بالداخل وتعامله مع الكورونا منها المهنية من قبل مختصين بالصحة والصحة العامة واخرى اقاويل غير المهنيه وباعتقادي غير مسؤوله قد تجلب وضعا كارثيا على المجتمع العربي.
حتى نقوم بتشخيص الوضع بشكل مهني في بلداتنا بعيدا عن تلك الاقاويل علينا الاشارة الى الامور التاليه:
اولا - حسب المعطيات الرسمية المتوفره لا يمكن ان نجزم ان مجمل الاصابة بالكورونا بالبلدات العربية هو قليل, ولا يمكن استخلاص العبر وكأن ازمة الكورونا باتت من خلفنا. لا زلنا في خضم الازمة. حيث ان المعطيات الصادره عن وزارة الصحة بالنسبه للمصابين العرب جاءت متأخره وهي تعتمد على نسبة قليله من الفحوصات التي اجريت بالبلدات العربية (6% من مجمل الفحوصات بالدولة). كما ان فحوصات الكورونا لم تكن بأماكن ثابته بل جاءت ضمن نقاط فحص متنقله. من هنا فإن عدد المرضى بالبلدات المختلفه يتغيير بحسب عدد الفحوصات. وعليه لا يمكن النظر الى بلد او غيرها كبؤره للكورونا, بل ان عدد الحالات ببلد ما هو ناتج عن عدد الفحوصات التي تمت بتلك البلد.
ثانيا – بالنسبة للاصابة بالكورونا فان احد اهم العوامل للاصابة بالمرض هو نسبة تضاعف الاصابات الاسبوعي. اي نسبة تضاعف عدد الحالات خلال اسبوع. وهنا نرى نسبة تضاعف اسبوعية عاليه ومقلقه في المجتمع العربي. حيث ان تضاعف عدد الاصابات هو كبير وقد يفوق هذه النسبة عند المتدينين اليهود ومن هنا علينا التعامل مع الوضع بحذر شديد ومتابعة الوضع واخذ الحيطه بنفس الشكل او اكثر لان عدد الاصابات اليوم هو بازدياد كبير (انظروا الجدول ادناه). كما ان الوضع الصحي بالمجتمع العربي من ناحية الامراض المزمنه ومن ناحية التدخين هو كبير من يضعنا في خطر الاصابة بالكورونا.
معطيات الاصابه بالكورونا بين المواطنين في البلدات العربيه بحسب وزارة الصحة الاسرائيلية:
التاريخ عدد الاصابات بين العرب في البلدات العربيه والمختلطه نسبة التضاعف الاسبوعية
27.3.2020 38
4.4.2020 155 5.07
11.4.2020 312 2.01
18.4.2020 ؟ ؟

ثالثا – تركيبة الجيل في المجتمع العربي قد تكون عامل حماية ضد الكورونا وقد تعطي شعور اننا اقل اصابة بالكورونا. حيث ان معدل العمر بالمجتمع العربي هو اصغر ومن ناحية توزيع الاجيال فإن نسبة المسنين العرب هي قليله. اذ ان نسبة من هم دون سن ال 60 سنه في المجتمع العربي لا تتجاوز ال 8.3% بينما تكون هذه النسبة حوالي ال 13% في المجتمع االيهودي. من هنا اذا كانت هناك اصابات في الكورونا في مجتمعنا سوف تظهر بشكل خفيف ولن تكون حالات صعبه تحتاج التوجه الى الطبيب او للفحص كما ولن تصل الى العلاج المكثف بنفس النسبة التي تظهر فيها بالمجتمع اليهودي بالبلاد.
رابعا - رغم انه يوجد نسبيا على كل مسن في المجتمع العربي عدد اكبر من الاولاد والبنات والحفيدات والاحفاد الا ان غالبية المسنين في المجتمع العربي يتواجدون في بيوتهم وهم تحت رعاية محبيهم وليس في دور المسينين. حيث كانت نسبة كبيره من الوفيات من الكورونا في اسرائيل في تلك الاماكن.
خامسا – عامل حماية اضافي هو ان مجتمعنا يسافر اقل للخارج بهذه الفتره من السنه. بما ان الكورونا جاءت الى اسرائيل من الخارج في شهر فبراير فإن نسبة السفر للخارج بالمجتمع العربي هي قليله بهذه الفتره من السنه. لذلك تكون نسبة الاصابة اقل.

سادسا – ان البلدات العربية هي في معزل عن التجمعات اليهودية من ناحية مناطق السكن مع ان هناك احياء عربيه في قسم من المدن المختلطه الا انها ايضا منعزله. لكن هناك مهن معينه ممكن ان تكون عرضه لخطر الاصابة بالكورونا اكثر من غيرها مثل العاملات والعاملين في المحلات التجاريه الكبيره في المدن اليهوديه والعمال وغيرهم من المهن التي تضع المجتمع العربي في واجهة الاصابة بالكورونا.
سابعا- اظهرت ازمة الكورونا حجم التمييز في الخدمات الصحية وخدمات الطوارئ في المجتمع العربي وعززت من الشعور باننا يجب ان نحمي انفسنا بانفسنا اذا لم تقم الدوله بما يجب لحمايتنا ومن هنا جاءت الاستجابه الكبيره للكثير من الفئات الاجتماعيه لنداء البقاء في البيت.

الا ان وضع المجتع العربي من الناحية الاقتصاديه لا يتحمل البطاله بهذا الحجم جراء البقاء في البيت. حيث ان الكورونا ضاعفت نسبة البطالة في البلدات العربيه التي هي اصلا عاليه جدا. لذلك اي تخطيط للخروج يجب ان يشمل كل هذه العوامل اعلاه وبرأيي يتطلب الخطوات التاليه من اجل منع موجة كبيره من الاصابات في المجتمع العربي. لكي نتمكن من الرجوع الى العمل بشكل تدريجي في ظل الكورونا علينا:
اولا- رفع عدد الفحوصات للكورونا لتكون مماثله لنسبة السكان العرب في الدوله وتجهيز الخدمات الصحية في العيادات الاوليه لتقوم بهذه الفحوصات. حيث ان هذه العيادات منتشره في جميع البلدات العربية ويعمل بها طواقم محلية ذات كفائة عالية ومعرفة كبيره في المجتمع العربي وخصائصه. والاهم انهم موضع ثقه لمرضاهم.
ثانيا- البدأ حالا في فحوصات الدم للاجسام المضاده والتعرف على الاشخاص الذين لديهم مناعة والعمل على ارجاعهم فورا لسوق العمل. ثم ايجاد الحلول بالنسبة للعاملين في مهن تعرض اصحابها لخطر الاصابة بالكورونا ومن ثم تطوير امكانيات العمل عن بعد. هنا ايضا من المهم التنسيق بين الخدمات الصحيه وبين المشغلين بحيث نضمن ان من يعودون الى العمل هم معافين وذوي المناعه وليسوا عرضة للاصابة بالفيروس.
ثالثا- التنسيق بين عيادات المرضى وبين لجان الطوارئ في السلطات المحليه من اجل ايجاد حلول للمرضى من ناحية نقلهم للعلاج او العزل الصحي في اماكن خصصت لذلك والعمل على توفير هذه الاماكن الخاصه بالعرب وبالنساء العربيات خاصة. يجب ان يتوفر تلفون طوارئ عام ومعلومات للجميع عن امكانيات التعامل مع مرضى الكورونا في البلدات العربيه.
رابعا - تأسيس صندوق اعانة للعائلات المحتاجه حتى تكون لديها فرصه اكبر لحماية نفسها خلال فتره العزل البيتي. ومساعدة المسنين من خلال لجان الطوارئ المحلية.
خامسا - البقاء على عادات الوقاية الصحية بما يتعلق بغسل اليديين وتعقيم الاسطح والمباعده الاجتماعية من مترين واكثر والسلام من بعيد واستعمال الاقنعه الواقيه للفم والانف خلال الخروج من البيت وتوفيرها للعائلات المحتاجه حتى لا تكون نسبة اصابة كبيره بينها.
اخيرا, متابعة اساليب العزل في البيت والوقاية خاصة خلال الاعياد وشهر رمضان المبارك. حيث ان الزيارات العائليه خلال رمضان ممكن ان تنذر بعدوى كبيره بين العائلات لذلك علينا اخذ الحيطة والحذر.

نتمى الصحة والسلامه للجميع وان تمر هذه الازمة بسلام

الكاتبة: د. نهاية داوود
محاضره وباحثه في الصحة العامة
مؤسسة منظمة الصحة العامه في المجتمع العربي

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة

.